صدر مؤخرا فى دولة الكويت كتاب الرحالة العرب وإنطباعاتهم عن المعارض الدولية فى القرن التاسع عشر وهو قرن التقدم العلمى والتفوق الصناعى فى أوروبا وأمريكا الذى وثب فيه العقل البشرى وثبة عالية وأفاد من الإمكانيات المتاحة فى الطبيعة وإستطاع الإبداع والإبتكار وأثرى الحياة.
فكرة المعارض الدولية
كان لابد من عرض تلك المخترعات لاطلاع الناس عليها و التزود منها هذا من ناحية ومن ناحية ثانية للمفاخرة بما انجزته كل دولة ومن ناحية ثالثة لتتعرف كل دولة على ما أنتجته غيرها.
ومن هنا نشأت فكرة المعارض الدولية فأقامت الدول المتحضرة معارض على مساحات واسعة فى عواصمها أو فى إحدى مدنها المهمة وعرضت فيها مبتكراتها وأتاحت الفرص للدول الأخرى لتعرض ما لديها وقد ألهبت الإنتصارات العلمية عواطف الملايين فرحلوا من أماكن سكناهم إلى المعارض لمشاهدة عجائب المخترعات وكان من هؤلاء الرحالة عرب والعرب رحالة منذ أقدم العصور.
فى هذا الإطار أقدم الأستاذ/ فهد محمد نايف الدبوس من دولة الكويت على تناول المعارض الكبرى التى أقيمت فى أوروبا فى النصف الثانى من القرن 19 الميلادى وهى:
وكل هذه المعارض زارها رحالة عرب من مصر و المغرب العربى و بلاد الشام وكتبوا عنها كتبا كاملة أو أجزاء من كتب أو مقالات فى دوريات ومنهم من نظم شعرا مما يعنى أن ما شاهدوه ترك اثرا فى نفوسهم وقد ذكر المؤلف أسماء هؤلاء الرحالة وما دونوه.
كتاب الرحالة العرب وإنطباعاتهم عن المعارض الدولية
الكتاب ضخم فخم يقع فى 500 صفحة من القطع الطويل العريض كما ذكرت الجرائد و ذا ورق سميك أملس مصقول ومحلى بصور كثيرة يقتضيها المقام و توضح أبعاده فى الموضوعات و الصناعات منها صور لواجهات المعارض و أخرى من داخلها وصور الكتب التى رجع إليها المؤلف و غيرها لمؤلفيها ممن زاروا المعارض عدا الرسوم الفوتوغرافية لعدد من العلماء المخترعين والملوك والرؤساء و الأمراء الذين إفتتحوا المعارض أو زاروا أقسامها إلى جانب رسوم ألات ومخترعات و بإيجاز يمكن القول ان الكتاب بمادته وصوره معرض أخر كما نوهت عنه الجرائد.
ومؤلف هذا الكتاب يبحث بدأب و يصل إلى الخافى من الدوريات و الكتب التى تنجده فى مهمته إلى جانب وعى بما يفيد وما هو أكثر إفادة مع حسن إقتطاف من النصوص وجودة فى التمثيل وقد تطلب منه هذا وقت طويل وصبر وأناة.
|
غرائب المعارض
من اللافت للنظر فى بحوث المؤلف و قراءاته فى الكتب التى تناولت المعارض أن أول صورة فوتوغرافية ضوئية واضحة كانت سنة 1826 لمخترعها العالم نبس و أول غواصة صنعتها أمريكا كانت فى عام 1864 وعرض التليفون للعالم جراهام بل عام 1876 فى معرض فيلاديلفيا.
وإستغلت الكهرباء فى الإضاءة عام 1877 و كان أول مصعد كهربائى عام 1889 وإنتصب برج إيفل بباريس عام 1889 وإخترعت السيارة فى أواخر القرن ال 19 وأول سيارة دخلت الشرق كانت لخديو مصر عباس حلمى الثانى قبل نهاية القرن ال 19.
الزوار أسفل برج إيفل فى معرض باريس عام 1889. |
ومن غرائب معرض باريس 1900 تلسكوب كبير يرى الناظر فيه القمر على مسافة قصيرة و الرصيف المتحرك الذى تحدث عنه أحمد زكى باشا شيخ العروبة وركبه فى معرض باريس 1900 و يتحرك بقوة الكهرباء ويسهل الوثب عليه و يربط بين أقسام المعرض دون أن يبذل الراكب جهدا وعرضت بمعرض باريس 1889 كرة أرضية بمقياس واحد من المليون من الكرة الأرضية الحقيقية.
|
ومن غرائب معرض 1878 بباريس ساعة دقاقة منضبطة صنعت من فتات الخبز وكان المؤلف يذكر كل من زاروا معرضا من الرحالة العرب ويأتى من كتبهم وأقوالهم باهم ما فيها فإذا تتبع القارئ أقوال كل الرحالة الذين زاروا معرضا واحدا فإنه يلم بمحتوياته أو بمعظمها ففى معرض باريس 1900.
يذكر المؤلف 13 من العرب الذين زاروه و هم أحمد زكى شيخ العروبة وإدوارد إلياس وألكسندر ا أفرينوه وسليم مكاريوس وعطيه وهبى وعلى أبو الفتوح وفارس نمر ومحمد المويلحى و محمد عثمان الحشائشى و محمد لبيب البتانونى ونسيم خلاط ويعقوب صروف ويعقوب صنوع.
مأذنة فى الشارع المصرى فى معرض شيكاغو عام 1893 |
فإذا طالع القارئ كلام كل هؤلاء فكأنه رأى المعرض لان كل واحد منهم تحدث عما أثار إنتباهه و إنسرحت فيه نظراته وبطبيعة الحال تكون إهتمامات هذا غير الأخر وبذلك يحيط بالمعرض ومعروضاته وذكر أوصافها والكتاب أيضا فيه مناقشات ومراجعات تكشف عن غزارة علم مؤلفه.
فعندما قالت جريدة أو مجلة المقتطف إن المخترعات قام بها أوروبيون أما الشرقيون فلم يخترعوا شيئا رد المؤلف قائلا / إن محمد أيوب إخترع دراجة تسير على الماء و جاء بصورة للدراجة و عليها مخترعها وهى تمخر ترعة المحمودية بمصر وتعزف السلام الخديوى من ألة موسيقية تتحرك بحركة سيرها على مرأى من الناس وكان مصدره مجلة الجامعة عام 1899 لصاحبها فرح أنطون.
مصر والمعارض الدولية
دعيت مصر فى القرن ال 19 إلى معارض دولية عديدة فى باريس و فينا و فيلا ديلفيا و كان القسم المصرى زمن الخديو إسماعيل مشرفا و زاره ملوك و رؤساء أوروبا و ملايين المتفرجين و فى معرض فيلا دلفيا حصلت مصر على جائزة لجودة القطن المصرى أما المعارض التى دعيت إليها مصر بعد الخديو إسماعيل فكانت غير لائقة بمصر و موضع إنتقاد المصريين مثل على ابو الفتوح و يعقوب صروف.
منظر للأجنحة المصرية فى معرض باريس الدولى عام 1867. |
وبعد فهذا الكتاب الذى تناولناه بالتعريف فياض المعارض زاخر بالمعلومات وتراجم الرحالة وعبارته علمية تلائم الموضوع الذى تحدث فيه.
يعيب هذا الموضوع شيئا واحدا فقط هو عدم الإشارة إلى إسم دار النشر التى قامت على إصدار هذا الكتاب المهم للغاية فياليت من يعرف شيئا عن هذه الدار للنشر يمتعنا بمعرفة إسمها حتى يتسنى لنا إقتناء هذا السفر الجليل.
المصدر : أحد أعداد جريدة القاهرة الإسبوعية التى تصدرها وزارة الثقافة المصرية.