خواطر متأمل فى حال الأثار المصرية القديمة إنها رواية باب سر تأليف آمال الميرغنى عن حال الاثار المصرية ايام اخر المماليك وعهد محمد على ولا تختلف كثيرا عن حال الاثار الان من النهب والتدمير والسرقة وتهريبها للأجانب.
احداث رواية باب سر
جلس فى صالون القنصل الإنجليزى بين ضيوفه من رجال الأثار والأزهريين وبعض الإنجليز وكانت الشرفة المطلة على الحديقة قد فتحت على مصراعيها ودخل الهواء حاملا شذى الريحان و الحبق.
راح يتابع الحركة الدائبة النشطة لصف من الحمالين كانوا يدخلون ويخرجون حاملين صناديق التحف الفرعونية أو يرفعون بكثير من المشقة و الحذر التماثيل الكبيرة المنحوتة من الألباستر و الجرانيت الأسود تحت ضغط التوجيهات المنفعلة من القنصل.
تبين الصورة حال المصريين الذين يبيعون الآثار لأى اجنبى. |
ومر الخدم بالبسكويت واباريق الشاى والحليب والقهوة على الضيوف المنخرطين فى الحديث وكان (الأثارييون) يصفون للحاضرين ما كشفوا عنه من كنوز الأثار المصرية.
ولاحظ مغزى دعابة ساخرة عبرت عن دهشة أحد الشيخيين الأزهريين عند سماعه بالأموال الطائلة التى ينفقها الأوروبيون على إستخراج هذه الاثار و التى يربحون أضعافها بعد بيعها فى بلدان أوروبا.
كان قد لاحظ من قبل أن المصريين لا يقدرون ذالك الميراث الفذ الجدير بالفخر فالكثيرون يعتقدون أن هذه التماثيل البديعة لم يصنعها بشر وإنما هى من صنع عمالقة من أولئك الذين يحيون فى الاساطير و إنهم يدللون على ذلك بإرتفاع معابدهم وتماثيلهم.
المعابد المهيبة تتحول لساحات للحواة. |
وقد سمع كذلك من جيرانهم العرب أن من بنى الاثار الفرعونية هو جان بن جان و أتباعه الجن فليس مقنعا لهم أن تكون بنتها أياد بشرية.
العمارة ورجال الدولة
وقد عمد الحكام ورجال الدولة فى مصر على مر العصور إلى تقطيع اعمدة وجدران البنايات الفرعونية و إستخدامها فى بناء قصورهم و اضرحتهم ومساجدهم لتوفير نفقات البناء وإستوقفته المفارقة التى يصنعها إفتقادهم للتعليم و المعرفة فقد بدت الخرافة التى تقول أن الجان هم بناة الاثار الفرعونية أمرا مقبولا للعقل.
بينما بدت حقيقة أن الفراعنة هم البناة كأمر خيالى لا يقبله العقل وفكر كم يعتنقون بإطمئنان لا يطرقه الشك جميع ما أعتنقه أسلافهم ثم قال لنفسه : لكنى لا أظن أن يستمر ذلك إلى الأبد.
جيوفانى باتيستا بيلزونى اشهر لص اثار ايطالى يستولى على رأس ضخم لرمسيس الثانى. |
كان كلما رأى إستئثار الأوروبيين بتلك الأعمال الفنية الخالدة التى تثبت المكانة الرفيعة التى يحتلها صناعها فى تاريخ البشرية يتقلب بين غضبه من أصحاب الأثار الأصليين الذين لا يقدرونها ولا يفكرون فى حمايتها وغضبه من الأوروبيين الذين يعرفون قيمتها وبستغلون جهل أصحابها مكونين من ورائها الثروات الطائلة.
الاجانب وهم يفكون قماط (لفائف) المومياء لدراستها وفهمها. |
كان يتعرف بين هؤلاء الناس على باحثين مخلصين فى علم الاثار ينكبون شهورا تحت الشمس الحارقة ويغامرون بالهبوط إلى أعماق سحيقة داخل متاهات الممرات المعتمة للمقابر متعثرين بجثث مغامرين سابقين من عصور شتى وهم يقشرون الحجب التى تدثر بها الأرض التراث المذهل لإحدى أعظم الحضارات الإنسانية لكن عملهم سرعان ما يصب فى جعاب تجار قذرين يمتد جشعهم بلا نهاية.
صورة لنابليون بونابرت وهو واقف بتهيب واجلال امام مومياء مصرية. |
دخول الهرم الأكبر
روى (الأثاريون) فى صالون القنصل للحاضرين عن دخولهم الهرم الأكبر وعن إقامة السقالات فيه وتنظيفه من الداخل و إزالة تلال من الرمال ومن فضلات الخفافيش حتى وصولهم إلى الغرفة التى كان الملك مدفونا بها ليجدوها خاوية إلا من تابوت جرانيتى فارغ.
ثم تحدثوا عن الرأس الأعظم الذى يسميه المصرييون أبى الهول وعن أطنان الرمال التى أزالوها من حوله وكشف بقية جسمه الأسطورى الذى على هيئة أسد ضخم يجلس وذراعاه ممدودتان أمامه وقد وجدوا بين هاتين الذراعين صندوقا من جرانيت أحمر بداخله أسد أخر صغير على نفس شاكلته وملون باللونين الأبيض و الأحمر.
وقاموا و أخذوا الحاضرين إلى الحديقة للفرجة عليه فقد تم نقله إلى بيت القنصل لكنه لم يتعجل النهوض للفرجة على التمثال و إستمر يحدق عبر الشرفة إلى لوحة حجرية منقوشة من أعلاها لأسفلها بصفوف متراصة من الكتابة الفرعونية.
الدخول لغرفة دفن الملك خوفو فى الهرم الاكبر ذات التابوت الفارغ. |
وإستغرقه التفكير فى الإحتمالات اللانهائية لما يمكن أن تعنيه هذه الكتابة فربما هى تعاويذ سحرية كان الكهنة يتلونها فى معابدهم الرحيبة وربما كانت مرسوما ملكيا يعلن حربا أو يعلن إنتهاء القتال ويمكن أن تكون قصة حب جريح لعاشقين صار إمثولة للعشق تتناقلها الأجيال أو وصفة لعمل أطيب انواع النبيذ وأصفاها فهو يدهشه اللذين يعانون من الحيرة إزاء الغموض بينكا ليست هناك أسئلة لا يجيب عنها الخيال وبالنسبة له كلما زاد الغموض زادت فرص الإختلاق الجالب للمتعة.
وإن كانت المحاولات التى جرت لفك طلاسم هذه الرموز لم تؤت ثمارها بعد فهو يثق أن يوما ما سيأتى علماء بارعون فى اللغويات يجلون اسرارها للعالم سوف يترجمون شظايا الحياة المنقوشة هذه من طيور وهوام و أوان وسلال إلى عبارات وأفعال واسماء وصفات سوف تروى حكايات وتكشف أسرار تفوق الخيال عن فنون أصحابها وعلومهم.