لماذا نحب؟، طبعاً الحب، جميل ورائع، كاسر للقلوب والأرواح، احيان كتير بيبقي كل الحاجات دي في نفس الوقت، ليه بنختار نحط نفسنا في دوامته؟!
هل لأنه بيخلي لحياتنا معني، ولا لأنه وسيلة للهروب من وحدتنا، هل هو مجرد قناع لرغباتنا الجنسية، ولا هو مجرد خدعة بيولوچية هدفها النهائي جعلنا نتكاثر، هل هو كل ما نحتاجه، هل احنا محتاجينه أصلا ؟! ؟!
لو ان الحب الرومانسي له غرض وهدف، فلا العلوم التطبيقية ولا علم النفس توصلوا ليه بشكل نهائي لغاية دلوقتي، لكن عبر التاريخ الإنساني قام بعض اعظم فلاسفتنا بوضع نظريات وتأملات حول المسألة جديرة بالتوقف أمامها:
الحب يجعلنا كاملين من جديد
الفيلسوف الاغريقي العظيم افلاطون عبر في احد محاوراته عن فكرة ان الحب بيخلينا كاملين، بيحكي عن حفلة عشا بيرفه فيها ارسطوفانيس الكاتب المسرحي الكوميدي عن الضيوف بالقصة التالية “في البداية كان البشر بيمتلكوا 4 أيدي و4 أرجل و وجهين.
لغاية ما في يوم بيغضبوا الآلهة فبيقوم الإله زيوس بشق البشر لنصفين، ومن اليوم ده بيفقد كل انسان نصفه الآخر وبيسعي من خلال الحب انه يجد نصفه الآخر عشان يكتمل من جديد”.
ده مذهب افلاطون في الحب، او ما يعتقد افلاطون انه ممكن يتقال علي لسان كوميديان مخمور.
الحب هو خدعة هدفها التناسل
بعد زمن افلاطون بكتير، بيقوم الفيلسوف الألماني ارثور شوبنهاور بوضع نظريته عن الحب الرومانسي اللي بتقول انه “ليس سوي خديعة ووهم كبيرين”.
عند شوبنهاور احنا بيتم خداعنا عن طريق غرائزنا اننا نعتقد ان الحب هيجعلنا سعداء اخيرا وهنرتاح من آلامنا الوجودية عن طريقه.
الا ان الهدف الحقيقي من الموضوع كله هو تسويغ التناسل الجنسي لخلق ذرية جديدة تستكمل هذه الأوهام لتستمر الحياة بآلامها، واضح ان شوبنهاور كان محتاج من يحنو عليه.
الحب هو طريق للهروب من وحدتنا
طبقا للفيلسوف الإنجليزي العظيم الحائز على جائزة نوبل في الأدب “برتراند راسل” فإننا بنحب عشان نشبع غرائزنا الجسدية والنفسية، اي نعم احنا مصممين اننا نتكاثر جنسيا.
لكن بدون شرارة الحب وعاطفته فالعملية الجنسية غير مرضية لينا على الاطلاق، خوفنا من العالم القاسي حولنا بيغرينا اننا نحيط أنفسنا بشرنقة عازلة عنه.
الحب وما يصاحبه من ونس و سعادة بيساعدنا اننا نتخطي خوفنا من العالم ده، بيساعدنا اننا نندمج مع الآخرين، ومن هنا فهو اعلي الأشياء قيمةً في هذه الحياة.
الحب هو مرض مضلل إذن لماذا نحب؟
سيدهارتا جاتاما او اللي عرف بعد كدة ب “بوذا” اللي معناها المستنير، علي الأغلب كان هيتصارع مع راسل كتير لو كان عاصره وعاصر افكاره.
كان بيتفق مع راسل اننا بنحب عشان نشبع غرائزنا، لكنه كان بيعتقد ان ده مش شئ جيد ولكنه من نقائص البشرية، كان بيشوف ان الحب الرومانسي حتي وهو في اجمل واكمل صوره مصدر للمعاناة البشرية.
ولحسن حظه اكتشف بوذا “طريقه الثماني الأركان” اللي هو بمثابة البرنامج اللي بيخلصنا من نقيصة العاطفة، واللي عن طريقه بنصل ل “النيرفانا” وهي حالة عقلية من السلام والحكمة والصفاء.
الروائي “تشاو تشويشين” وضح ده في احد اشهر كلاسيكيات الأدب الصيني “حلم الحجرة الحمراء” اللي فيها بيقع بطل القصة في حب سيدة بتذله وتهينه، بيعتصره خليط مشاعر الحرب والكره تجاه محبوبته.
فبيقوم احد الداويين بإعطاءه مراية هتشفيه من الامه بشرط انه ميبصش فيها، لكنه بالطبع هينظر للمراية اللي هيشوف فيها محبوبته، بتمتص المرايا روحه وبتقتادها في سلاسل الي موته !!
مش كل البوذيين بينظروا للحب نفس النظرة دي، لكن بشكل عام مغذي القصة دي والتوجه العام للفلسفة البوذية هو قد ايه الحب شئ مأساوي ويجب البعد عنه !!
الحب بيساعدنا للوصول أبعد من مجرد أنفسنا
خلينا نختم بنظرة إيجابية شوية، الفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دوبوفوار كانت بتشوف ان الحب هدفه “التكامل” مع شخص آخر وإضفاء معني علي حياتنا.
لكن سؤال “لماذا نحب” مكنش همها الأكبر ولكنها كانت مهتمة اكتر بسؤال “ازاي نمارس الحب بشكل أفضل”.
كانت بتشوف المشكلة في الحب الرومانسي انه شئ خلاب جدا لدرجة انه بيجعلنا نعتقد انه السبب والهدف الوحيد لوجودنا، وكانت بتشوف ان الاعتماد على “آخر” لهدف إضفاء المعني هيقود للملل والألعاب والحروب النفسية.
لتفادي الفخ ده، اقترحت دوبوفوار الحب بشكل “اصيل”، وهو حب أشبه ما يكون بالصداقة منه للحب الرومانسي، الاحباب بيقوموا بإكمال بعضهم البعض، وبيصلوا عن طريقه لعالم افضل واغني وآفاق أبعد من مجرد أنفسهم.
لماذا نحب؟
رغم اننا في النهاية ممكن منعرفش نجاوب على سؤال “لماذا نحب؟”.
لكننا لازم نبقي متأكدين انها رحلة ذات منعطفات كتيرة، رحلة مخيفة وجميلة في نفس الوقت، ممكن نخسر أنفسنا بسببها.
وممكن نلاقي ذواتنا الحقيقية من خلالها، ممكن تبقي أسوأ حاجة حصلت لنا، وممكن تبقي بالعكس أفضل شئ في كل حياتنا، لكن المهم فعلا إننا يبقي عندنا الجرأة اننا نجرب ونخوض الرحلة دى فهل عرفت إذن لماذا نحب؟.