سأحكى لكم اليوم قصة شيطاني الصغير، وهى قصة مرعبة، فلا أنصح قرائتها لذوى القلوب الضعيفة، أتمنى أن تعجبكم، فتابعوا معى:
بداية قصة شيطاني الصغير
استيقظت من النوم فزعة كعادتها في الأيام الأخيرة ، يطاردها هذا الحلم الرتيب المتكرر، شيطان صغير يجثم على صدرها، يهمس في أذنها بصوت كالهسيس: “أنتِ لي”.
نهضت من فراشها وتوجهت لإنهاء بعض شؤونها المنزلية، مصطحبة فزعها ، والصوت لا يزال يتردد داخل أذنها.
أيقظت من في المنزل ودبت الحياة في البيت الكبير، لعلها تجد فيهم أنسًا لوحشتها، وبالفعل تبدد الخوف، وأكملت شؤونها، وتوجهت إلى عملها العظيم الذي استحقته بجداره لأنها من حملة الدكتوراة.
حيث تجلس وسط أكوام من الورق الأصفر الباهت إلى جوار مدام عنايات، تتعلم منها كيف تعد عزومة محترمة لأهل العريس الذي أحضرته لها مدام عفت، ويجب أن تبيض وجهها، وإلا، إن لم يفلح أمر الزيجة.
فلن تهتم لها مدام عفت مرة أخرى، ولن تجلب لها أي عريس في الأيام المقبلة. كانت حدة الصوت تزيد وتستمر في فترات النهار، والجثوم الليلي على عنقها أصبح لا يطاق، فقررت أن تفصح لأمها، ويا ليتها لم تفعل.
قرروا جميعا -أمها وأخوها وحتى الجدة العجوز- أن هذا الشيطان هو سبب تعاستها، هو من يؤخر زواجها ويجلب لها العنوسة، وما يصاحبها من تعيير ومذلة في الأسرة الكبيرة، التي تزوجت فيها فتيات كانت تحمل شمع سبوعهن.
وهي فتاة تلهو، وهن الآن أمهات يشحن بأطفالهن عنها في كل تجمع عائلي ملعون، حتى لا تصيبهم بنظرة حسرة، ودائما تكون هي المُلامة على أي مرض أو حادث يصيب أي طفل في تلك العزومة؛ لأنها “نظرته”!
محاولة صرف الشيطان
قررت الأم والأخ زيارة المشايخ، عسى أن يجدوا عندهم الحل، فرفضت وغضبت، ولكنها عبثا حاولت، فحتى تعليمها الرفيع ووظيفتها المرموقة وشخصيتها المثقفة، لم يحموها من قرارات أمها وأخيها القاطعة كالسيف.
اتجهت إلى عدة دجالين بوصاية من الجدة القابعة في المنزل منذ… منذ أن تعلمت الكلام والمشي، ووعت إلى وجودها برفقتهم، وجميعهم أجمعوا أنها مسكينة تحملت الكثير، وأن لها عاشقا سفليا رهيبا، هو من يفعل بها الأفاعيل، وبدأت الرحلة.
أحد الدجالين يتحرش بها أثناء العلاج، وعندما اعترضت، نهرها أمام الأم التي اعتذرت وأكدت -مزمجرة لابنتها- أن هذا التصرف لن يتكرر أثناء جلسة العلاج.
نظرت لها الابنة في دهشة غامرة: “أمي!!”، أجابت بعينها: “اخرسي، خلينا نخلص منك بقى!!”. دجال آخر يبيع أعشابا وزيوتا أصابتها بانفعلات شديدة، مما جعل الأم تصدق أكثر أن ابنتها “معمول لها عمل أسود سفلي!!”. وآخر… وآخر… وآخر..
ازداد أمر الأحلام سوءا، وكثرت الاجتماعات العائلية في بيتهم، حتى يجد الجميع حلولا، وأصبحت قضيتها في كل يد، العمات الشامتات -كما تقول أمها- والخالات الناصحات بدجالين جدد.
إلى جانب العمل الذي أصبح الجميع فيه يلاحظ حالتها الرثة، ونظراتها المرتابة، وقلقها المستمر، فتعددت النظرات المريبة لها والغمزات، والكلمات الجانبية الهامسة، ومصمصة الشفاه من السيدات الكبيرات، اللائي يؤكدن أن عنوستها أصابتها بالجنون، حتى مدام عفت توقفت عن جلب العرسان لها، رغم تملق البنت لها بالإفطار الشهي كل يوم.
حلم الزواج فى قصة شيطاني الصغير
كانت تحلم أن تتخلص من الأمر كله إذا ما تزوجت، كانت متأكدة في قرارة نفسها أن شيطانها لن يجرؤ على أفعاله تلك، إذا نامت إلى جوار رجلها القوي، إذا طوقها بذراعيه، إذا حماها ليل نهار.
وإذا أمطرها بكلمات الحب والغزل التي ترجوها منذ أن كانت في السادسة عشرة من عمرها، حينها، سيغار ويهرب عاشقها السفلي، الذي أصبحت موقنة بوجوده من كثرة الحديث عنه من الجميع، الخالات والجدة والأم، جعلنه حقيقة راسخة.
صباح جديد مماثل لسابقيه، ولكن، هذه المرة وهي لا تزال تقشع غشاوة النوم عن عينيها، رأته جالسا على طرف الفراش، تجاهلت؛ عله يذهب، ابتسم، كذبت نفسها، تكلم، سدت أذنيها وهربت من الغرفة، وجدته أمامها، صرخت، وأقسمت بأغلظ الأيمان أنها تراه، وأنه أمامها.
أطبق السكون على أمها، وانزوت باكية، نهرها أخوها، طالبها بالصمت حتى لا تفضحهم مع الجيران بصراخها الصباحي المعتاد، ونزل على وجهها لطما، وعلى جسدها نهشا، كأنه يكرهها، وأخيرا، أتيحت له الفرصة حتى يقمع أخته صاحبة الدكتوراة، الموظفة، التي كره دوما تعليمها ووظيفتها، وأموالها التي لم يحظَ منها بشيء.
مع تكرار الأمر، وضعف الأم، قرر الأخ أن يودعها إحدى المستشفيات المختصة، ناهرا أمه لأن ما فعلته كان جهلا، وأن أخته مريضة يجب أن تُعالج، لا أن تذهب إلى دجالين، وكأن ما حدث تحت سمعه وبصره كان أمام شخص آخر، كأنه لم يشارك في الأمر!!
أودِعت المستشفى، وكانت -على غير ظنهم- هادئة طائعة، أملا في العلاج، أملا في الخلاص، أملا في الزواج… تحدثت مع طبيبة شابة هناك، حكت لها كل شيء، أقسمت لها أنها تراه، وأنه لا يغادر فراشها، أخبرتها أنها قد تعبت، تريد حلا، أكدت لها الطبية أنها ستساعدها، ونظرت لها بشفقة، متمتمة سرا: “يا لها من مسكينة، حالتها متأخرة، أحضروها بعد فوات الأوان!”.
حديث الشيطان
ولأول مرة منذ شهور، أخذ شيطانها يحدثها بصوت عالٍ، يركض وراءها في أركان الغرفة، يضحك منها ساخرا، ثم تنهد فجأه وقال لها: “لقد سئمتك، أنتِ مملة، كما أن المستشفى هنا باردة، سوف أغادر”.
ومشى بضع خطوات، ثم التفت إليها ونظر لها بحنق وقال: “ربما ليست (المستشفى) مملة تماما، فقد قررت أن أرافق طبيبتك الحنون العانس!!”، ضرخت واستغاثت: “يا قوم، اسمعوني، حذروها”، جاءت الطبيبة الشابة تركض إليها، مع بعض الممرضات والعاملات شديدات السمنة، ظنا منهن أنها نوبة، تحتاج احتواء منهن.
نظرت إليها والرعب يتملكها: “احذري، اركضي من هنا، إنه قادم إليكِ”، ربتت عليها بشفقة، وطلبت أحد أنواع المهدئات بالهاتف الداخلي للعنبر، وفي لمح البصر، خطفت زجاجة دواء من إحدى العاملات، وهشمتها على الحائط، ونحرت رقبتها بها، وهي محلقة في الفضاء، وصوتها يشبه الخوار العميق.
وآخر كلماتها للطبيبة: “إنه قادم إليكِ”. فزعت الطبيبة، وثبتت نظرها عليها كأنها عاجزة، مرت دقيقة كاملة دون حراك من الجميع، وكأنهم أصابهم الشلل، حتى زعقت بها إحدى الممرضات: “اخلي مسؤوليتك، فوقي بقى ما تقفيش مبلمة كده، امشي من هنا، روحي بلغي بسرعة إنها سرقت زجاجة من بره العنبر، اجري، اجري…”، فخرجت من الغرفة مسرعة تستدعي فريقا طبيا متخصصا لإسعافها، رغم علمها أن الأمر لا طائل منه، فهي قد ماتت بالفعل!
الطبيبة ذات السبعة والثلاثين ربيعا تركض في أنحاء المستشفى، يهمس في أذنها صوت رتيب: “أنتِ لي…”!!، إنتهت قصة شيطاني الصغير.