يعد تشارلز ديكينز بلا جدال هوا الروائي الانجليزي الاهم والاعظم علي الاطلاق واحد اهم ادباء البشرية جمعاء.
من النظرة الاولي لصورته يبدوا شخص من زمن فات وافكاره غريبة علينا دلوقتي، الا انه لديه كتير من الاشياء اللي لازم نسمعها ونتعلمها منه لسبب بسيط انه كان عنده طموح وحلم رائع جدا ان الكتابة تلعب دور في اصلاح العالم، ودلوقتي هنتكلم عن اهم الاشياء والصفات والدروس اللي رسمت وميزت اسلوبه وكتاباته.
الترفيه والتسلية
ديكينز مكانش مجرد كاتب، من اللحظات الاولي كان بيظهر عليه علامات فنان و استعراضي كبير، كان في صغره بيقف في الصالة في بيت اسرته ويغنيلهم ويرفه عنهم، حتي قبل ميلاد التلفزيون والراديو كان مجرد الاستماع ليه وهوا بيلقي رواياته او بعض الاشعار كان تجربة استعراضية مسلية وممتعة جدا، وده شئ فضل في قلب اسلوبه المميز، اهمية الترفيه بالكتابة لانه كان اداة عنده لايصال قضايا مهمة جدا للناس وجعلهم يتعاطفوا معاها وجعلها تتثبت في انفسهم.
كان عايزنا نلتفت للافكار والقضايا دي بدون ما نحس بملل عشان منتركهاش، قضايا زي توحش المجتمعات الصناعية الحديثة وقوانين العمل القاسية وعمل الاطفال والعجرفة المجتمعية للارستقراطيين، والروتين الحكومي القاتل مثلا.
نظريا كلنا بننظر للقضايا دي كاشياء مهمة، لكن بيننا وبين انفسنا بنقر انها لا تصلح كموضوع لرواية مسلية نقراها قبل النوم او لقتل وقت السفر في الطيارة مثلا، وهنا تظهر قضية ديكينز العظمي، تعليم الناس الافكار والقضايا المهمة مش بالضروري يتعارض مع ما يسميه النقاد “الترفيه والتسلية”.
الكتابة الروائية المسلية بتعتمد علي حبكة متسارعة واسلوب حواري شيق وشخصيات ظريفة ونهاية سعيدة دايما، هوا رفض اننا نضحي او نقيم علاقة اما/او بين ما يعجب الجمهور وما يفتح عقولهم، كان بيكتب روايات مسلية جدا ويبذر فيها القضايا المهمة، بالشكل ده القراء هيهتموا بحق وهتتثبت القضايا دي في عقولهم.
التعاطف
اتولد اديبنا في مدينة بورتثموس عام 1812، ابوه كان موظف متوسط الحال، واحوالهم كانت جيدة في البداية الا ان الضغوطات المادية هتعصف بيهم، تشارلز الصغير هيضطر يسيب المدرسة في عمر صغير جدا لان اهله مكانوش قادرين يتحملوا النفقات، وتم ارساله ل لندن للعمل في احد مصانع طلاء المعادن، ودي كانت تجربة قاسية جدا عليه، كان بيكره رائحة الادخنة المتصاعدة حوله وبيكره السرعة اللي لازم يؤدي بيها مهامه، حتي الاشخاص اللي حوله في المصنع كانوا دائمي التنمر عليه والسخرية منه.
في الفترة دي ابوه هيتسجن بسبب الديون، وكان من قوانين الدولة ساعتها انه يحبس مع المديونين كل اسرهم، واتسجن مع ابوه كل اسرته فعلا ما عدا هوا اللي فضل في عمله في المصنع.
جزء كبير من الانجذاب لكتابات ديكينز ليومنا هوا اهتمامه بفكرة انعدام العدل والامان في هذا العالم وتعاطفه الشديد مع ضحاياه.
لما حياته تحسنت في بدايات عشرينياته لما اكتشف انه عنده مهارة صحفية فذة استمر في تذكر معاناته وهوا صغير، واستخدم ده في رواياته بشكل فريد، كان دايما بيضع شخصيات رائعة في اوضاع سيئة للغاية في انجلترا الڤيكتورية من خلال رواياته، في رواية “ديڤيد كوبرفيلد” هيتذكر تجربة المصنع لما هيظهر ديڤيد الصغير وهوا شخصية جذابة ولامعة عقليا جدا، بيظهر ديڤيد في عقل القارئ كانه هوا نفسه او ابنه او احد اقاربه وبيخلي القارئ يقول لنفسه ”تخيل لو انك انتا او احد احبائك في هذا الوضع الصعب!!!”.
في “اوليڤر تويست” هيتكلم عن معسكرات الفقرا الغير قادرين علي اعالة انفسهم من خلال اوليڤر الصغير اللي بينتهي بيه الحال في احد تلك المعسكرات رغم انه اصلا بينتمي لاسرة ثرية جدا الا انه بيتوه عنها بسلسلة من الحوادث المأساوية، بيخلي ديكينز قرائه اللي غالبا كانوا بينتموا للطبقة الغنية يتسالوا ”ماذا لو كنت مكانه ؟!”.
في احد رواياته وهوا بيعرض ماساة سجن المديونين بيكون في صحبة شخص مرح وظريف جدا اسمه “السيد مكاربر”، بيطعن ديكينز بده الافتراض الدائم ان الشخصيات الفاشلة السوداوية فقط هيا اللي ممكن ينتهي بيها الحال في مكان زي ده، الفكرة ان الاشخاص الاغنيا اللي بأيديهم يقدروا يغيروا العالم دايما مبيحسوش بمشاكل ومعاناة الفقرا ومنفصلين عن عالمهم، ديكينز كان بيستخدم تجربته الشخصية كانسان عاش الحالتين ” الفقر والغنا” في انه يخليهم يتعاطفوا ويحسوا بمشاكل المعدمين بانهم يتصوروا انفسهم مكانهظ، بدل ما يقول “كم هوا حالهم صعب” بيخليهم هما انفسهم يقولوا “ماذا لو كنت مكانهم”.
فقط في عالم مثالي ممكن ننتبه لمشاكل الجميع، لكن في عالمنا الواقعي مبنلتفتش غير لمشاكل من نحبهم، عشان كدة لو عايزين نجعل التعاطف مع مشاكل المعدمين حالة عامة يبقي لازم نستخدم طرق ديكينز في اننا نظهرهم اشخاص مثلنا ومثل احبائنا.
الاشياء العادية الجميلة مع تشارلز ديكينز
جزء من طرقه لتغيير المجتمع كان جعلنا دايما في جانبه باظهار فهمه الكبير لما هوا جيد ومريح وممتع في هذه الحياة، مكانش عايز القضايا الكبري والاهتمام بيها يبقي باعث علي حب الشقاء، عشان كدة كان دايما بارع في وصف الاشياء الجميلة والجذابة في المنازل، وكان بيحب الفسح والرحلات الترفيهية ولعب الكريكيت والتسوق، في احد رواياته بيورينا احد المنازل اللي قام صاحبها باعادة تشكيله ليبدو كالقلعة الحصينة كنوع من الترفيه.
وده هدف عظيم من اهدافه، الاهتمام بالقضايا العظيمة لا يعني لعن الحياة الرغدة، لازم كلنا نتواصل مع جانبنا الطواق للراحة والرفاهية والا هننقلب لاشخاص متجهمين ومهووسين!!!.
تشارلز ديكينز والاهتمام بالعمل والربح
ديكينز كان بيهتم جدا بمبيعات كتبه وحقوقه المادية عن الناشرين وربحه منهم، مش بغرض الثراء في ذاته، ولكن لانه كان عارف انه عشان يوصل لاهدافه العظمي يجب ان تنتشر كتاباته وده مش هيتحقق من فراغ وبدون سند مادي قوي.
كان بيعرض مشاكل مجتمعية كبري زي الفساد المجتمعي واحوال العمال، الا انه مكنش مهتم بطرح حلول مباشرة للمشاكل دي، هوا كان مهتم بان كتاباته تبقي مؤثرة في خلق مناخ وراي عام قوي مهتم بحل المشاكل دي عمليا من خلال البرلمانات ومن خلال الدعم المادي، “اجعلهم يعملون ويحلون المشاكل بزرع الافكار في رؤوسهم” ده ملخص لفكرته في هذا الصدد بالظبط!!!.
رغم اعتنائه بمشاكل الناس حوله ونجاحه ككاتب الا انه كان فاشل كرب اسرة، تزوج وكان عنده 10 ابناء وبنات الا ان مع العمر كان بيحس بانفصال تدريجي وفتور في مشاعره تجاه زوجته وهيتركها في النهاية بدون طلاق لان دي كانت وصمة عار في الفترة دي، وكان اب غير جيد ومكانش مغرم بابنائه، وده دايما بيذكرنا بان الشخص مش دايما ناجح في كل حاجة، ودايما لازم نتذكر تشارلز ديكينز لده بالظبط مش بس لأدبه الرائع وافكاره اللامعة.