ان علم الأثار الغارقة بين مصر وتركيا والهند منذ القدم إختار الإنسان الحياة على ضفاف الأنهار وعلى شواطئ البحار والمحيطات وبالرغم من قلة الإمكانات إلا أنه إستطاع أن يعمل لتنمية موارده وتحسين مستوى معيشته بزراعات محدودة وصناعة بعض الأوانى الفخارية لتخزين الحبوب والسوائل وصناعة النبيذ لما لا؟
وقد عرف الطريق الى النار والماء وأصبح قادرا على إكتشاف وسائل تعينه على تنمية موارده صنع القوارب للصيد والتجارة كما حرص على توفير وسائل الدفاع ببناء السفن الحربية.
السواحل وتغيراتها وعالم الاثار الغارقة
وعندما نتوقف عند سكان هذه السواحل سواء فى البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر أو على السواحل المتعددة عبر المحيطات نتعرف على عالم جديد هو عالم الاثار الغارقة سواء بفعل تحركات القشرة الأرضية أو الزلازل كما هو الحال على ساحل البحر الابيض المتوسط أو بحوادث الغرق للسفن التجارية أو الحربية.
وعبر الطريق المائى إلى الهند من أوروبا أو من الشرق وخاصة الصين إستطاع علماء الاثار جمع الكثير من القطع الاثرية سواء الأوانى الفخارية أو البورسلين على جانب قطع النقود المعدنية.
والمعروف أن طرق التجارة بين البلاد العربية وبين الهند والصين إزداد نشاطها منذ القرن ال 7 الميلادى حتى القرن ال 15 الميلادى خاصة فى أيام الدولة العباسية فى عهد الخليفة المنصور الذى شجع التجارة بين البلدان الأسيوية.
وقد أقيم فى الهند معرض بإسم كنوز المحيطات ويضم اكبر مجموعة من الأثار التى عثر عليها فى السفن الغارقة.
والمعروف أن مصر كانت صاحبة باع طويل فى الحياة البحرية بحار وانهار وإلى وقت قريب كان المرجع الوحيد للحياة البحرية هو الرسوم الجدارية فى المقابر والمعابد المصرية والتى سجل عليها الفنان المصرى القديم كل مظاهر الحياة اليومية والبنائية كما هو الحال فى معابد الكرنك وفى سقارة القوارب بأنواعها المختلفة والمعروف أن الرحلات البحرية إلى بلاد بونى المعروفة إصطلاحا بإسم بونت بدأت منذ الدولة الوسطى ثم جائت رحلة الملكة حات شبسوت المسجلة على جدران معبد الدير البحرى بالبر الغربى بالأقصر فى الدولة الحديثة.
متحف السويس والعريش
وبزيارة سريعة لمتحف السويس ومتحف العريش يتبين الكثير من التاريخ المصرى القديم وكذلك فى العصريين اليونانى والرومانى. وكان من أهم الموانئ البحرية على البحر الأحمر ميناء ساو وكان عدد الموانئ يزيد عن الثمانية وفى الساحل الشمالى أكر من 15 ميناء بحريا وكان لمدينة الغسكندرية دور كبير كمركز تجارى يربط بين مصر ودول حوض البحر الابيض المتوسط.
كما يدلنا التاريخ على دور مصر الريادى فى صناعة القوارب بأنواعها المختلفة الحربية والتاريخية وقوافل الصيد ومراكب الشمس أو المراكب الجنائزية بجانب الإهرامات.
كما عرف عن البحار المصرى والفينيقى المهارة الفائقة فى ركوب البحر منذ القرن الثامن قبل الميلاد وكانت المراكب التجارية تتميز بعمق غاطسها والقوارب البحرية بطولها.
علم الأثار الغارقة والأواني الفخارية
كان لابد من هذه المقدمة للدخول إلى عالم المجهول حيث التحف الأثرية من تماثيل برونزية وحجرية وأوانى فخارية.
هذا العالم المجهول هو عالم البحار الذى ترقد فى اعماقه أندر القطع الأثرية والتى نشأ عنها علم الأثار الغارقة الذى لا يزيد عمره عن قرنين من الزمان حيث كان الإهتمام الاكبر بالأثار تحت الأرض وفوقها فقط.
يهتم علم الاثار الغارقة بالاثار التى رقدت منذ زمن بعيد فى قاع البحر نتيجة الزلازل او هزة أرضية أو غرق سفينة قديمة أو قارب تجارى أو حربى قد غرقت لأسباب مختلفة سواء كانت هذه الأسباب هى العواصف والرياح او الحروب أو بفعل حوادث بحرية وكانت من أوائل السفن التى تم الكشف عنها بالقرب من الشواطئ اليونانية عند أنتيكترا عام 1900.
ولمصر نصيب كبير فى علم الأثار الغارقة ويرجع الفضل فى ذلك لانتشال الأثار الراقدة فى مياه المتوسط بالقرب من موقع الفنار بالقرب من قلعة قايتباى عام 1995 والتاريخ يقول ان الكشف عن الأثار الغارقة بمصر بدا عام 1908 عندما كشف مهدس الموانئ بالفال عن بقايا رصيف قديم يصل طوله 210 متر بمنطقة الخليج.
وفى عام 1910 إكتشف مهندس الموانئ الفرنسى جوديه منشأت تحت الماء عند ميناء الإسكندرية الغربى.
وتتوالى الإكتشافات حيث قام الأمير عمر طوسون عضو مجلس الاثار بالإسكندرية بتمويل عملية بحث وإنتشال رأس من الرخام للإسكندر الأكبر عام 1933 والتمثال حاليا من معروضات المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية.
كما إستمرت الإكتشافات عندما عثر على معبد عند ميناء أبى قير وإلى جانبه بقايا مدينة سكنية قادتهم غلى معرفة موقع مدينة هيراكليوم.
ومع بداية التسعينيات إستقبلت مصر العديد من البعثات الأجنبية للعمل فى هذا المجال الجديد والذى عملت على تشجيعه هيئة الاثار المصرية وأنشات إدارة عامة للأثار الغارقة.
ومن أهم هذه البعثات البعثات الفرنسية وبعثة معهد الأثار الأوروبى الغارقة بدات عملها عام 1992 وكشفت عن الحى الملكى الغارق بخايج الميناء الشرقى بالإسكندرية كما كشفت عن مئات من العملات الذهبية والفضية والبرونزية وعثرت على عدد من المدافع وذلك فى حطام إسطول نابليون فى خليج أبى قير البحرى.
ومن فرنسا ايضا بعثة مركز الدراسات السكندرية والتى عملت منذ عام 1994. ومن أمريكا بعثة معهد الاثار البحرية وقد إختارت منطقة البحر الأحمر وتم إكتشاف حطام سفينة غارقة من القرن ال 18 فى جزيرة سعدنة بالغردقة عام 1995 وعثرت على العديد من الأوانى الفخارية والبروسلين.
وتقوم بعثة الهللينى وهى يونانية وأختارت منطقة عملها فى شرق السلسلة حتى سيدى جابر بالأسكندرية.
ومن إيطاليا بعثة جامعة تورينو وتعمل على جزيرة نلسون بأبى قير وكشفت عن قطعة اثرية منها أوانى فخارية من العصر الفرعونى المتأخر وحتى عصر الحملة الفرنسية على مصر كما كشفت عن جبانة تعود لعصر الاسرة الثالثة بها مجموعة من تماثيل أوشابتى.
ومن اسبانيا غختارت البعثة سواحل جنوب البحر الأحمر اى من مرسى جواسيس حتى مرسى علم.
وتقوم البعثة المصرية بالكشف عن غموض مواقع الأثار فى خليج المعمورة وتم إكتشاف حطام سفينة تجارية وعدد من القطع الفخارية من القرن السادس الميلادى.
متحف الأثار الغارقة فى بدروم بتركيا
اقامت تركيا متحفا خاصا للاثار الغارقة فى bodrum والتى جمعت العديد من القطع الفخارية التى كانت مخزنة فى حطام السفن الغارقة.
على السواحل التركية والتى كشفت عن التبادل التجارى الضخم بين موانئ البحر الأبيض المتوسط.
يعرض متحف بدروم عددا كبيرا من الأوانى الفخارية التى تعود الى عشرة قرون قبل الميلاد وتعرف هذه الأوانى بلا نفورا وهى عبارة عن أنية من الفخار شكلت على دولاب الخزاف على شكل البيضة اى الشكل البيضاوى وفى أعلى رقبة ضيقة وعلى جانبى الرقبة يدان لحمل الأنفورا عند نقلها أو تخزين السوائل والحبوب.
وتدلنا اللوحات الجدارية فى المقابر المصرية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد وفى مقبرة رخمي رع لوحة لتشكيل هذه الأنفورات تضم أسلوب تجهيز الطينة وتشكيلها على الدولاب ووضعها فى أفران الحريق.
وفى العصر اليونانى إهتم الصانع بزخرفة الأنفورا برسوم مستخدما بطانات من الأبيض والأسود أو بإستخدام رسوم غائرة وبارزة على سطحها، وفى مدينة بومبى الإيطالية نشاهد بعض اللوحات التى توضح إسلوب حمل هذه الأنفورات ونقلها من القوارب للتصدير، كما عثر على الأغطية التى كانت توضع على فوهة الأنفورا لمنع تسرب السوائل كازيت والعسل والحبوب والأسماك المجففة.
يعرض متحف بدروم تشكيلات من هذه الأوانى منها الإسطوانى الشكل والبيضاوى والكروى مع إختلاف الأماكن وتاريخ الإنتاج، كما يعرض لوحة جدارية من مقبرة أمنحتب الثالث فى القرن ال 14 قبل الميلاد لسفينة تجارية تستورد الأوانى من مصر، والأنفورا كلمة من أصل يونانى من مقطعين amphi أى جانبين وphoros محمول فى الإناء الذى يمكن حمله بإمساكه من الجانبين وجاء ذكر كلمة أنفورا فى كتابات الشاعر هوميروس فى الأوديسا فى القرن الثامن قبل الميلاد وتعددت أشكال الانفورا وكلها تنتهى بقاعدة مدببة وإستخدمت فى حفظ السوائل والحبوب والأسماك المجففة.
المصدر
مجلة الخيال العدد الثامن نوفمبر 2010.