الجديد

الملك توكلتي ننورتا الثاني (890 - 884 ق.م) الآشورى

يعد الملك توكلتي ننورتا الثاني (890 – 884 ق.م) هو ابن وخليفة الملك ادد – نيراري الثاني 911-890 ق.م. حسب ما قال متفاخراً بنسبه بالنص الأتي: ((ابن ادد – نيراري الثاني … ابن اشور- دان الثاني … ابن تجلاتبليزر الثاني…)).

الملك توكلتي ننورتا الثاني (890 - 884 ق.م) الآشورى

الملك توكلتي ننورتا الثاني

حسب ما تقدم يكون الملك توكلتي ننورتا الثاني (890 – 884 ق.م) احد ابناء العائلة المالكة في بلاد اشور. اذ كان ابوه ملكاً واجداده ملوك وورث العرش عنهم وتجري في عروقه دماء ملكية. كما انه سار على خطاهم في اتخاذ الألقاب الملكية ذات الدلالات السياسية التي عكست القوة العسكرية. وامتداد خارطة مملكته السياسية لتشمل اغلب مدن وممالك العالم القديم.

كما اعلن عن ذلك بـ: ((توكلتي- ننورتا، الملك العظيم، الملك القوي، ملك الكون، ملك بلاد اشور، ابن ادد- نيراري (الثاني)، الملك العظيم، الملك القوي، ملك الكون، ملك بلاد اشور، ابن اشور- دان (الثاني) …. ملك الكون، ملك بلاد اشور)). وفي نص ثاني يقول: ((انا الملك … انا البطل …انا العظيم…)).

اما بخصوص معنى اسم توكلتي – ننورتا – Ninurta Tukltī يعطي معنى التوكل على الاله ننورتا. والذي ورد بالصيغة السومرية بـ DNIN.URTA. والتي تقابلها الصيغة الاكدية بـ dninurta.

واتخذ عدة رموز على مر العصور كالمحراث والصولجان المنتهي برأس طير ذي عرف منتصب كما عد السهم رمزاً من رموزه. لذا فقد كان اله الحرب عند الاشوريين. وتمكن الملك توكلتي ننورتا الثاني ان يلعب دوراً كبيراً في التاريخ السياسي والعسكري لبلاده خلال سنوات حكمه.

فسار على نهج اسلافه من الملوك الاشوريين في سياسة التوسع وتسير الحملات العسكرية لضم اغلب مناطق العالم القديم. وذلك بهدف اتساع رقعة خارطة مملكته خلال سنوات حكمه القصير.

تاريخ الملك توكلتي ننورتا الثاني العسكري

من خلال استقراء نصوص حوليات الملك توكلتي ننورتا الثاني يمكن ان ندرس تاريخه العسكري اذ قضى السنوات الاربعة الاولى من حكمه في تسير حملاته ضد بلاد نائيري الواقعة إلى الجنوب الغربي من بحيرة وان.

فقد عبر مياه نهر سبنات قاصداً سلسلة جبال كاشياري (طور عابدين) لاخضاع الاراميين الذين اثاروا الشغب ضد السلطة الاشوريه وتهديد طرق التجارة. لذا فقد انطلق الملك الاشوري من العاصمة على راس الجيش لضرب بيت – زماني مع عاصمتها اميدي (ديار بكر) الواقعة اعالي نهر دجلة. والتي سرعان ما اعلن حاكمها امي – بعل تبعيته وقدم الاتاوات لسيده الاشوري وبذلك أصبحت هذه المنطقة برمتها من ضمن املاك الاشوريين.

كما تفاخر ملكهم قائلاً: ((في الشهر السابع (تشرين) في اليوم الأول، من ليمو أيلو – ميلكا تحركت من نينوى، زحفت إلى الاراضي (نائيري) عبرت نهر سبنات إلى جبل كاشياري إلى مدينة باتشكوم العائدة إلى امي – بعل، رجل بيت- زماني، اقتربت… دمرت مدينتين وحصدت ارضه ورحلت شعبه وابنائه وقتلت الكثير منهم بالسيف ولانقاذ نفسه خضع لي … البرونز الصفيح الحديد … خيول بغال استلمت عفوت عن امي- بعل رجل من بيت- زماني … وجعلته يقسم باشور سيدي…)).

كما انطلق توكلتي ننورتا في حملته العسكرية من العاصمة اشور (قلعة الشرقاط) وسار على طول وادي الثرثار، ونتيجة للصعوبات التي واجهها الجيش في تلك المنطقة تحول سير الحملة إلى محاذاة نهر دجلة حيث تتوفر المياه العذبة والمؤن اللازمة للجيش الذي أخضع قبيلة أتوء الآرامية.

ومن ثم اكمل سيطرته على مدن الجنوب العراقي فقصد مدينة كوريكالزو (عقرقوف الحالية) ولقد ذكرت هذه الحملة في النص الاتي: ((وفي شهر نيسان، اليوم السادس والعشرين ليمو نادا – الو تحركت من العاصمة اشور اقمت معسكري وقضيت الليله في الصحراء… وعبرت وادي الثرثار (بالاشورية تارتارو)، أقمت مخيماً وقضيت الليل… وفي منتصف النهار … دمرت 470 بئراً … وفي اليوم التالي تحركت…. ثم غادرت مصب الثرثار لنمضي عند منطقة خماتو وأراضيها الوعرة… من الوديان وكانت الآبار حولها مخربة … (ورغم ذلك) كان الماء وفيراً فأقمت مخيماً وأمضيت الليل .. اقتربت من نهر دجلة واستوليت على مراكز منطقة أتوء وقراها الواقعة على نهر دجلة. لقد قضيت عليهم وأخذت أسلابهم. أقمت مخيماً وأمضيت الليل في مدينة اصوصو. غادرت مدينة اصوصو. وفي اليوم الثالث مضيت عبر الأحراش من غير مرشد أو دليل حتى وصلت دور – كوريكالزو)).

وأثناء عودته وصل إلى مدينة عانة في أرض سوخي التي تقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات وتسلم هدايا الطاعة والولاء من حاكمها ايلو – ابني كما ورد في النص الاتي: ((… ثلاثة طالنت من الفضة عشرين منة من الذهب وسرير من العاج وثلاث صناديق من العاج واثاث مصنوعة من الخشب… والبرونز واثواب من الكتان ذات الوان زاهية والصوف المصبوغ باللون الارجواني وثيران واغنام…)).

ويستمر كاتب النص بسرد انتصارات سيده الملك توكلتي- ننورتا الذي تسلم هدايا الطاعة والولاء من مدينة خندانو الواقعة على الضفة الأخرى لنهر الفرات كما في النص: ((… استلمت الجزية من امي – اللابا رجل من بيت خندانو عشرة منه من الذهب وعشرة منة من الفضة. واثنين طالنت من المعدن…. من البرونز و…… ثلاثين جملاً. وخمسين ثوراً وثلاثين حماراً. واربعة عشر بطة. ومائتين من الاغنام. والخبز والجعة والقش والعلف…..)).

رحلات الصيد الملكية

وتأكيداً منه على نجاح حملته فقد مارس عمليات الصيد البري حسب ما قال بـ: ((…. قتلت النعامات في اثناء رحلاتي للصيد … وامسكت صغارها وقتلت الغزلان … في رحلاتي للصيد على ضفاف الفرات وامسكت صغارها…)). وقال ايضاً ((… قتلت ثمانية ثيران برية…)).

ان الاشارة الى ممارسة رياضة الصيد دليلاً واضحاً على دخول كامل المنطقة ضمن الخارطة السياسية لبلاده. وبكل خيراتها الطبيعية وحتى ثرواتها الحيوانية. وكما هو معروف فان الصيد يدخل ضمن الفعاليات الاشورية التي كان يمارسها اغلب الملوك الاشوريين بعد انتهاء عملياتهم العسكرية ونجاحها في مناطق الشرق الادنى القديم.

وفي نص اخر يبرر الصيد تنفيذاً لأوامر الالهه فيقول: ((الالهه ننورتا ونركال اللذان احباني اعطياني الحيوانات البرية وامراني بالصيد وقتلت ست اسود قويه من عربتي بهجوم قوسي بالرمح)). ويستمر النص بذكر انتصاراته في المنطقة فتسلق الجبال باتجاه نهر الفرات.

توسيع رقعة الامبراطورية الآشورية الأولى

كما قصد الملك الاشوري اسيا الصغرى. واتجه من مدينة نصيبين إلى المدن العائدة لبلاد المشكو وهم اقوام جبلية استقرت في اسيا الصعرى. ويذكر الملك الاشوري هذه الحملة بـ: ((تحركت من مدينة …. وأقمت مخيماً وأمضيت الليل في مدينة نصيبين. تحركت من مدينة نصيبين، أقمت مخيماً وأمضيت الليل في مدينة خوزيرينا. تحركت من خوزيرينا، أقمت مخيماً وأمضيت الليل في مدينة …. التي أعاد تنظيمها توكلتي – ننورتا. واقتربت من الجبال ذات الممرات الصعبة، وزحفت الى بلاد المشكو. وفي اليوم الرابع غزوت مدينة بيرو أخذت غنائمهم وممتلكاتهم وثيرانهم واغنامهم وقتلت منهم وأحرقت مدنهم وحصدت مزارعهم… وفرضت عليهم الاتاوات والضرائب واعمال السخرة.. وفـرضت عليهم إرسال هدايا الطاعة والولاء)).

واستمر الملك توكلتي ننورتا الثاني بتقدمه فأخضع عدداً من المدن الواقعة في بلاد كلزانو ونائيري لسلطته. وتسلم منها هدايا الطاعة والولاء ولاسيما الخيول التي لها أهمية كبيرة في تجهيز الجيش الآشوري في حملاته العسكرية. كما وصل الى منطقة كيروري، ثم توجه بعد ذلك إلى مدن أرض لدانو اللولوبي، وتمكن من ضم ثلاثين مدينة. كما لاحق فلولهم المهزومة حتى منطقة الزاب الأسفل.

ولقد ورد ذكر هذه الحملة في النص: ((في شهر تشرين اليوم السابع عشر انطلقت من مدينة اشور. ووصلت إلى جبل كيروري ودخلت إلى جبال أروبنا وأشرون وصلت إلى مناطق لم يصل إليها أحد من الملوك اجدادي،…. واجتزت طرق وعرة صعبة المرور. ثم توجهت نحو مدن أرض لدانو التي سيطر عليها الاراميون. وهزمت ثلاثين مدينة بين الجبال،… دمرت وحرقت مدنهم وخاف البقية منهم وهربوا الى الجبال. وفي اليوم الثاني… صعدت على جبل اشرون والمنطقة وعره لا يستطيع الذهاب اليها حتى النسر الذي يطير في السماء ولحقتهم…. حطمت ودمرت وأحرقت مدنهم، ثم لاحقت فلولهم المهزومة حتى الزاب الأسفل… وأخذت الكثير من الغنائم منهم وعبر البقية منهم الزاب الأسفل لإنقاذ حياتهم)).

مما تقدم يبين الملك الاشوري الصعوبات التي واجهها الجيش من طرق صعبة المسالك. وعلى الرغم من ذلك تمكن من تحقيق الهدف المنشود، وأعلن حمايته حتى نهر الزاب الاسفل. ليؤكد مدى قوة جيشه الذي كان على درجة عالية من التدريب الذي يؤهله للقتال في كل زمان ومكان وتحت أصعب الظروف. وهي من وسائل الدعاية المتبعة انذاك.

كما قدم حاكم مدينة لاقي الاراميه الاتاوات المشتمله على المعادن والحيوانات للملك الاشوري كما قال في النص الاتي: ((… استلمت الاتاوه من حراني لـ لاقي 200 من الاغنام، 50 ثوراً … حبوب .. 3 منا من الذهب 7 منا من الفضة 40 طانت من البرونز … و6 طالنت من الرصاص… وقضيت الليله في سيراقو على الجانب الاخر من نهر الفرات)).

كما استلم الاتاوات من مدينة سورو في بيت خالوبي الواقعة على الخابور واشتملت على كميات من المعادن والصوف المصبوغ باللون الارجواني والحيوانات.

وفاة الملك توكلتي ننورتا الثاني

ولما توفي الملك توكلتي ننورتا الثاني في حدود سنة 884 ق.م ترك لوريثه على العرش الملك اشور- ناصر- ابل (اشور ناصر بال الثاني) مملكة شاسعة حسب ما حددها في النص الاتي: ((… ملك قصر توكلتي- ننورتا ملك الكون ملك بلاد اشور …الملك الذي سيطر من نهر دجلة الى ارض حاتي الى اراضي نائيري، ارض سوخي الى مدينة رابيقو … من شعب جبل كيروري الى ارض كلزانو، ملك مدينة ابي ومدينة خوبشكو […] سيطر عليها … الى الزاب الاسفل الى مدينة تل- بار الواقعة بمحاذات الزاب … ومن مدينة اصوصو التي تقع على نهر دجله …. دوركالكاليزو الى مدن سبار شمش …)).

فتمكن الخلف من المحافظة على التركة وتوسيع حدود المملكة الاشورية لتشمل اغلب مناطق الشرق الادنى القديم خلال سنوات حكمه التي امتدت من عام 883 ق.م حتى عام 859 ق.م.

المصادر

  • باقر، طه، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الجزء الاول، الطبعة الثانية، (بغداد، 1986).
  • ساكز، هاري، عظمة بابل، ط1، (لندن، 1962)، ترجمة عامر سليمان، (موصل، 1979).
  • ساكز، هاري، قوة اشور، (لندن، 1984)، ترجمة : عامر سليمان، (بغداد ، 1999).
  • سومر، دوبونت، الاراميون، تعريب: الاب البير ابونا، مجلة سومر، مجلد 19، العدد 1،2، لسنة 1963.
  • الحديدي، احمد زيدان، توكلتي – ننورتا ثاني ملوك العصر الاشوري الحديث (890 – 884 ق.م)، بحث منشور في المؤتمر العلمي الخامس لكلية التربية للعلوم الانسانية/ جامعة واسط 2012.
  • Grayson, A, K., The Royal Inscripions of Mesopotamia Assyrian Periods, Vol.2 Assyrian Rulers of the Early First Millennium BC I (1114 – 859 BC), (London, 1991).
  • Luckenbill, D. D., Ancient Records of Assyria and Babylonia, Vol.I, (New York, 1926).
  • George, A. R., House Most High Of Ancient Mesopotamia, (Indiana, 1993).
  • Black, J., & Green, Gods, Demons And Symbols Of Ancient Mesopotamia, (Austin, 2003).
  • Oded, B, Mass Deportations and Deportees in the New Assyrian Empire, (London, 1978).



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-