قبل ان نتناول البحث عن بعض الامراض والاوبئة المذكورة في المعاهدات الآشورية التي تمت بين ملوك بلاد اشور مع ممالك الشرق الادنى القديم ما بين 754 – 669 ق.م يجب ان نعرف ان المعاهدات هي العقود التي تنظم العلاقات الدبلوماسية بين بلدان العالم القديم وتهتم بالقضايا السياسية والعسكرية.
تقسيم المعاهدات الآشورية
تنقسم المعاهدات الى نوعين على النحو الآتي:
الاولى هي معاهدات التكافؤ التي تعقد بين ملكين او حاكمين متساويين في المنزلة للحفاظ على الصداقة والسلام، ونجدها على سبيل المثال في المعاهدات المعقودة بين بلاد اشور وبلاد بابل. كمعاهدة الملك الاشوري ادد – نيراري الثاني (911 – 891 ق.م) مع الملك البابلي شمش – موداميق. ومعاهدة الملك شُلمان-أشريد شلمنصر الثالث (858 – 824 ق.م) مع الملك مردوخ – زاكر – شومي ويتقاسم الطرفان الشروط. ولا يمكن ان يحقق طرف مكسب على حساب الطرف الاخر. وكانت الغايات المبرومة لهذه المعاهدات توثيق روابط الصداقة بعد انتهاء البلدين من الخلافات السياسية والعسكرية على اساس تحقيق مصلحة مشتركة بين المتعاقدين.
اما النوع الثاني فهي معاهدات التبعية التي كان يعقدها ملوك بلاد اشور مع نظائرهم من ملوك وحكام الشرق الادنى القديم. فبعد ان تضع الحرب اوزارها لصالح الاشوريين يفرضون التبعية للتاج الاشوري على البلدان المغلوبة فيدفع ملوكها الاتاوات المشتملة على انواع المعادن والاخشاب والاحجار وغيرها من البضائع بكميات هائلة. فضلاً عن الالتزامات التي يفرضها الجانب الاشوري على الجانب الاخر كتقديم الدعم المادي والمعنوي لبلاد اشور اوقات حروبها بهدف ضمان امن وسلامة طرق القوافل التجارية. هذا كله مقابل تعهد المنتصر الاشوري بتقديم الحماية العسكرية اللازمة في حال تعرض حلفائهِ الى اي خطر خارجي فضلاً عن المؤامرات الداخلية. لذا ارتبطت الكثير من الدول والممالك بمعاهدات التبعية مع المملكة الاشورية التي تعهدت بحمايتها مقابل اعلان الموافقة على بنود التعاقد دون شرط او مناقشة. وهكذا حققت السياسية الخارجية لبلاد اشور مصالحها.
كانت هذه المعاهدات تدون اسماء الملوك وألقابهم بالخط المسماري وبلغة اكدية، ثم تعلن البنود المتفق عليها ووجوب تنفيذها بشهادة الالهة. ومن ثم تحدد الواجبات والحقوق لكل بلد كالمعاهدة التي ربطت مدينة ارباد احدى الممالك الفينيقية الواقعة على ساحل البحر المتوسط والتي تعرف اطلالها حالياً بـ تل رفعت تبعد 20 كم الى الشمال من حلب وكانت عاصمة لـ بيت- اكوسي الارامية مع بلاد اشور.
بعض الامراض والاوبئة المذكورة في المعاهدات الآشورية مع ممالك الشرق الأدني القديم
بعد الحملة العسكرية الناجحة للملك اشور نيراي (الخامس) (754- 745 ق.م) على المدينة. فعقد الملك الاشوري معاهدة مع نظيره الاربادي ماتع – ايلو نصت على تبعية الثاني للتاج الاشوري ومساندته الغير المشروطة لحروب سيده الملك اشور نيراري (الخامس) في اي جبهة من جبهات الشرق الادنى القديم.
كما دونت معاهدة التبعية لعنات الالهه على من يخرق هذا الاتفاق المبرم والمفروض بين الطرفين الاشوري والاربادي. ولتوثيق المعاهدة فقد وصفَ الاول نظيره بالحمل المقدم لرجل مريض فعلق قائلاً:
((… لم يؤت بهذا الحمل من حظيرتهِ للتضحية ولا لـ وليمة ولا للبيع والشراء ولا للعرافة المتعلقة برجل مريض ولا يضحى من اجل… لقد جلب لتوثيق المعاهدة بين اشور نيراري وماتع ايلو فاذا اذنب ماتع- ايلو بحق (هذه) المعاهدة التي تمت بـ ايداء القسم بالالهة فانه مثل هذا الحمل … ويستمر النص بذكر وعيد وتهديد ادد نيراري (الخامس) لـ ماتع- ايلو في حال الانقلاب على المعاهدة التي ستكلفهُ حياتهِ وحياة عائلتهِ بعد ان يستباح مقر الحكم في مدينة ارباد. اما في حالة تنصل الاربادي والامتناع عن تقديم الدعم المادي والمعنوي للجيش الاشوري، فقد دعى عليه الملك اشور نيراري (الخامس) ووثق الدعاء بقوة الالهة قائلاً:
((اذا ذهب (الجيش الاشوري) للحرب بأوامر اشور نيراري، ملك بلاد اشور، ولم يأتي ماتع- ايلو مع موظفيه وجيشه وعربته (الى الحملة) باخلاص كامل، فعسى ان يكسو سين، السيد العظيم الذي يقيم في حران، ماتع- ايلو وابنائه وموظفيه وشعبه بالجذام (مرض البرص) كـ الرداء يغطي اجسامهم فيهيموا على وجوههم في العراء، وعسى ان لا يرحمهم…)).
من النص يتضح بان الاله سين من معبدهِ في مدينة حران سينزل الغضب على ماتع- ايلو وافراد عائلتهِ ورجال قصرهِ ومساعديهِ ويصيبهم بمرض البرص يكسو جلودهم كملابسهم بلا رحمة او شفقه.
بعد الحملة العسكرية التي سيرها الملك الاشوري آشور-آخُ-إدِّن (اسرحدون) (680- 669 ق.م) صوب ساحل البحر المتوسط بحدود العام 676 قبل الميلاد فاستولى على مدينة صور الفينقية وفرض سيطرته السياسية والاقتصادية عليها من خلال معاهدة ابرمها مع حاكمهما بعل الصوري ففي العمود الرابع من المعاهدة يتضرح الملك آشور-آخُ-إدِّن الى الهة الشفاء كولا بان تنزل غضبها على شكل امراض واسقام تصيب قلب وجسد الملك بعل اذ حنث بعهدهِ فنقرأ:
((… عسى [ان تدخل] كولا، الطبيبة العظيمة، المرض والتعب في قلبك، وقرح لايشفى في جسمك، وعسى ان تغتسل في دمك كما تغتسل في الماء…)).
وبعد خمس سنوات تقريباً (اي بحدود العام 672 ق.م) عقد الملك آشور-آخُ-إدِّن معاهدة اخرى مع رمتايا حكام مدينة اركريانو احدى المدن الميدية في ايران لضمان تقسيم ولاية العهد بعد وفاتهِ بين ولديه آشور-بانِ-آبلِ (اشور بانيبال) على عرش اشور واخيهِ شمش- شم- اوكن على عرش بابل فبعد ان اخذ الملك آشور-آخُ-إدِّن الضمانات اللازمة من الحاضرين هددهم بغصب الالهة اذ لم تطبق البنود حسب الاتفاق المبرم فخاطبهم قائلاً:
((عسى ان يملاء انو ملك الالهة جميع بيوتكم بالمرض والتعب والارق والقلق والسقم. عسى ان يكسوكم سين، منير السموات والارض، بالجذام [ البرص] ولايسمح لكم بالدخول الى حضرة الاله والملك، بل تطوفون في العراء كحمار وحشي او غزال، عسى ان لايمنحكم شمش نور السموات والارض حكماً صالحاً ومطمئناً، عساه ان يذهب بنور ابصاركم، [ اي يعميكم] فتمشوا في الظلام… عسى ان يحطم نركال المحارب بين الالهة حياتكم… وعسى ان يزرع بينكم المذابح [ومرض] الطاعون، عسى ان تضع كولا، الطبيبة العظيمة المرض والوهن [ في قلوبكم]، وان تصب اجسادكم بـ الام لا تشفى، بحيث تغتسلون بدمائكم كما تغتسلون في الماء.)).
من النص يتضح ذكر الامراض والاسقام التي ستنزل على اي شخص يحاول تحريف بنود الاتفاق المبرم بين آشور-آخُ-إدِّن ملك بلاد اشور ورمتايا ملك مدينة اركريانو بعد ان تضرع الاول بكل خشوع واتكل على قدرة الالهة العظيمة هي: انو اله السماء ابرز الالهة عند قدماء العراقيين ومقر عبادته في مدينة الوركاء، وسين اله القمر ومقر عبادته في مدينة اور، ونركال اله العالم السفلي المخيف وكانت مدينة كوثى مركز عبادته، واخيراً اله الشفاء كولا الذين سيرسلون الامراض الجلدية والاوبئة المستعصية مثل الجرب والعمى والطاعون فضلاً عن الامراض النفسية كالتعب والارق والقلق ولا يوجد هناك دواء لعلاجهم مادامت الهة الشفاء كولا هي الغاضبة.
المصادر
مؤلفات وكتب أ.د/ احمد زيدان الحديدي التالية:
- الصراع الاشوري مع القبائل الكلدية على السلطة في بلاد بابل.
- المنحوتات البارزة شاهداً للحملات العسكرية الاشورية على بلاد بابل ما بين 851-648 ق.م.
- التوسع الاشوري في المدن الفينقية مابين 1115- 612 ق.م.