ان قبيلة أو شعب الأمازيغ لهم حضارة صحراوية كبرى ويشهد لها التاريخ بذلك، وهم ليسوا (بربر) أي مجتمع همجي كما قيل وكتب عنهم في العصر الروماني، وخاصة ان الروماني قديما كان دائما يحتقر الكثير من الشعوب مثل المصريين والامازيغ في الشرق وبعض مواطني أوروبا قديما كما في الغرب.
ان تاريخ الأمازيغ يشير بكل الوثائق والتاريخ بأنهم الشعب الذي عاش ويعيش في المنطقة الصحراوية من الشمال الأفريقي في المنطقة الممتدة من غرب مصر (واحة سيوة) الى جزر الكناري، ومن جنوب حدود البحر الأبيض المتوسط الى اعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالى، ولهم لغة خاصة قديمة ولم يثبت التاريخ حتى يومنا هذا بان سكن هذه المنطقة منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا غير سلالة او قبيلة الامازيغ.
تاريخ الأمازيغ
يعود التاريخ الفعلي الحضارى الى أكثر من 3 الاف عاما قبل الميلاد حيث وجدت أقدم كتابات امازيغية وبدا معها التاريخ المكتوب حيث انه من الاثبات الحضارى في علم الاثار هو وجود كتابة شارحة دالة على الاثار مهما كان قيمة الأثر او اثاره المنظورة بالعين لان الحضارة او اية حضارة كانت تبدأ منذ وجود عنصر الكتابة ومن هذا المنطلق أكد العلماء المتخصصون في الحضارة الامازيغية بأن الكتابة الامازيغية ظهرت من 3 الاف عام قبل الميلاد.
وهذا يؤكد قدم هذه الحضارة وهي موازية لحضارة وادي النيل والدليل على ذلك أيضا بانه منذ عهد توحيد القطرين والملك مينا نفسه رغب في تامين الحدود الغربية وكما فعل في الحدود الشرقية في سيناء (ترسيم الحدود) وعرف المصري القديم آنذاك واحة سيوة.
ويدل هذا أيضا انه في عصر الدولة القديمة المصرية وخاصة في عصر الاسرة الثالثة في عام 2700 ق. م. قامت هذه القبائل بمهاجمة الدلتا وذكروا باسم (التمحو والتحنو) وكانوا يتخذون من واحة سيوة مركزا لهم ولذلك قام الملك (سنفرو) حسب نصوصه بمهاجمة الواحة والاستيلاء عليها ولم نسمع اية مشاكل عن ذلك على الاطلاق حتى عهد الدولة الوسطى.
وفى هذا الزمن القديم نجد مسمى لواحة سيوة والتي اخذت مسميات متعددة وأقدمها على الاطلاق اسم (ثات) وكذلك باسم (سيخت ام = ارض النخيل) وان سكانها وهم التمحو والتحنو من سكان الصحراء الغربية، وكانت لهم لغة مختلفة عن اللغة المصرية كما كان للنوبيين لغة مختلفة أيضا. ومنذ قتالهم في الدولة القديمة حيث وصولهم الى الدلتا لم نسمع عنهم شيئا كما سبق القول حتى الدولة الوسطى وخاصة في عهد الملك سنوسرت الثاني.
وكان المصريين القدماء يجلبون من هذه الواحة البلح لكثرة أشجار النخيل بها. ولكن في عهد الملك سنوسرت الثاني اعادوا الكرة واغاروا على دلتا مصر مما دفع الملك المصري سنوسرت الثاني بقتالهم ووصل جيشه حتى هذه الواحة مما دفعهم بالهرب الى قلب الصحراء والذهاب عند ذوييهم في واحة جغبوب في المنطقة الليبية وكان ذلك بالتدقيق عام 1790 ق. م.
اما في تاريخ الامازيغ فنجد لهم مسميات مختلفة سواء في تاريخهم او تاريخ المناطق التي يتواجدون فيها مثل (الامازيغ، الليبيين، النوميديون، الجيتوليون، المور) ولم نعرف تسمية لهم باسم البربر سوى في العصر الروماني فقط كتحقير لهم وكما سبق القول.
ومعنى انهم قديما استطاعوا من غزو الدلتا وكما في التاريخ المصري القديم فيدل ذلك بصورة موثقة بأنهم كانوا شعبا منظما ولهم حرفية القتال وتحديهم للملكة المصرية ولكنهم طبعا تم هزيمتهم للفارق الحضارى والعسكري بين مملكة مصر وسلالة الامازيغ.
الأمازيغ وأصل الكلمة كما وردت في الحضارات القديمة
وردت اقدم نقوش عن الامازيغ في الحضارة المصرية القديمة بطبيعة الحال حيث وردت كملة (ما زيغ) والتي اطلقها أيضا الاغريق فيما بعد والتي اتخذوها من المصرين.
الأمازيغ تميزوا في الرسم الفرعونى بالأوشام والريش فوق الرأس |
أما في العصر الإغريقي ظهرت كلمة أخرى باسم (مورس او مورى) والتي جاءت تسمية منطقة (موريتانيا) منها عندما تعرف عليهم الاغريق واسم المنطقة كانت (موروكو) كما أن المؤرخ اليوناني هيرودوت أشار إلى الأمازيغ بالكلمة (مازيس) وقال عنهم هم أنفسهم قبيلة (المشوش) المذكورين في الحضارة المصرية القديمة ويتميزون بالوشم والريش فوق الراس. ثم ظهرت مسميات أخرى وسبق الإشارة اليها كما في العهد الرومانى، ثم جاء التاريخ العربي الإسلامي وكتب عن هذه السلالة وعرفوا باسم (البربر) ماخوذا عن الرومان.
ان تاريخ الامازيغ يشير حضاريا بتواجدهم في مناطق لا شك فيها على الاطلاق حتى الان وهي مناطق مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ومنذ القديم من الزمان. وفى حقيقة الامر لم يهتم العالم قديمة وحديثه بدراسة تاريخ الامازيغ سوى في عام 2001 عندما أصدر العاهل المغربي محمد السادس مرسوما ملكيا بأنشاء (المعهد الملكي الأمازيغي) بتاريخ 17 أكتوبر ومن هنا بدا العلماء في دراسة وتتبع التاريخ الأمازيغي.
اما في التاريخ القديم فلم تكن هناك دراسات جادة حولهم ولا حتى في التاريخ الإغريقي او الرومانى الا من نوادر عن التسمية مثلا وبعض حكايات من الرواة الهواة الزائرين للصحراء وخاصة ان المنطقة الصحراوية لم تستهوي لا الاغريق ولا الرومان على الاطلاق.
ولكن احقاقا للحق فان هناك رجلا واحدا كتب عنهم وبتفاصيل كثيرة لأول مرة في التاريخ وهو المؤرخ والفيلسوف النابغة العظيم (ابن خلدون) رحمة الله عليه رحمة واسعة. فلو رجعنا الى تاريخ ابن خلدون حول الامازيغ فنجده يفرد لهم الصفحات الكثيرة في تاريخه ومما قاله بالنص عن ذلك ((ان الامازيغ الذين يطلق عليهم العرب اسم البربر وكما فعل الرومان قديما ينقسمون الى فرعين رئيسيين وهما البرانس وبتر. وابان الفتح الإسلامي للأندلس او أوروبا فكان ضمن اهل القتال من الامازيغ الكثير والكثير من البرانس وكذلك هم الذين ساعدوا على قيام خلافة الادارسة وهى التي استقبلت ادريس الأول وبايعته وكان ملكا على الادارسة ولذلك هم يتكلمون العربية تماما ولا يعرفون لغة غيرها، فالبرانس جميعا يتكلمون اللغة العربية. اما عن البتر فهم يتكلمون اللغة الامازيغية وهى تتفرع إلى تنوعات تختلف قليلا من منطقة إلى أخرى)).
وبرجوعنا الى ما بعد انشاء المعهد الملكي في مملكة المغرب نجد علماء كثر وبطبيعة الحال وكما المعتاد اغلبيتهم من الأجانب نجدهم يصدقون على الكثير والكثير مما كتبه ابن خلدون وخاصة في موضوع اللغة الامازيغية، وتنوع هذه اللغة او اللهجة كان عائقا كبيرا امام تطورها التاريخي وحتى الان وكما شرع المعهد الملكي في ذلك.
ولكن مما يجدر ذكره هو ان التنوعات (اللهجات) الامازيغية متحدة فيما بينها بشكل كامل في ما يخص قواعد اللغة والصرف والنحو والاشتقاق. وتنحصر الاختلافات في المعجم (حيث تستعمل مترادفات لها نفس المعنى) وبعض الاختلافات الطفيفة في التنغيم والنطق ومن المعروف ان عدم تعليم اللغة الامازيغية في المدرسة والجامعة هو الذي يعقد المسالة. ويمكن لأي امازيغي من الجزائر مثلا ان يتقن التحدث بأمازيغية شمال المغرب في بضعة اسابيع بسهولة لأنه ليس بصدد تعلم لغة جديدة بل بصدد اغناء لغته الامازيغية بمفردات مترادفة جديدة! ولهذا تطالب الحركات الثقافية الامازيغية بتدريس اللغة الامازيغية على جميع المستويات وإدماجها في الادارة والاعلام والقضاء.
واخر الإصدارات التي تناولت هذا الموضوع منذ عدة سنوات مضت وجد ان اللغة الامازيغية بتنوعاتها المختلفة تنحصر في ثلاثة تنوعات مثل (ثاريفيت، تاشلحيت، تاقبايليت) في عشرة من البلدان الافريقية أهمها:
- المغرب: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 39. 9% من السكان البالغ مجموعهم 33. 3 مليون نسمة.
- الجزائر: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 45. 35% من السكان البالغ 32. 9 مليون نسمة.
- ليبيا: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 0,5% من السكان البالغ مجموعهم 5. 9 مليون نسمة.
- ثم اقل من ذلك في بلاد أخرى بالترتيب مثل: تونس، مالى، موريتانيا، النيجر، بوركينا فاسو ومصر كأقل نسبة على الاطلاق.
اما في المنطقة الأوروبية وخاصة في أوروبا الغربية بطبيعة الحال فتوجد جالية أمازيغية مغاربية كبيرة لا يقل تعدادها عن المليونين نسمة وتتميز هذه الجالية بارتباطها القوي بوطنها ثامازغا (شمال أفريقيا) وبتمسكها بهويتها الأمازيغية.
نشأة حضارة الأمازيغ منذ 3 آلاف عاما قبل الميلاد
ان الحديث عن نشأة الحضارة الامازيغية وكيفية بدأها من الأمور العسيرة التي يمكن التوصل لها الان بعد كل تلك الالاف من السنين وخاصة انها منطقة صحراوية قاتلة وقاحلة أحيانا ولكن البصمة التاريخية الموثقة والاثرية نتناولها في عدد من النقاط الحضارية الهامة متمثلة في العديد من النقاط الهامة مثل:
اللغة والكتابة
لقد تحدثنا عن هذه النقطة بإيجاز شديد في السطور السابقة وتنوعها او لهجاتها الثلاثة التي كانت تستخدم منذ القديم من الزمان وحتى وقتنا المعاصر. وكانت لهذه اللغة خطا يكتب بها عرف باسم خط (التيفيناغ) وهي من أقدم الخطوط التي عرفتها البشرية قديما وقد نجح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في معيرته، وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي في المغرب لتلقين الأمازيغية. تجدر الأشارة ألي أن كتابة التيفيناغ بقيت مستعملة بدون انقطاع من طرف الطوارق في حين كتب الأمازيغ بكتابات أجنبية غير أمازيغية. ⵉⵎⴰⵣⵉⵖⵏ / ⴰⵎⴰⵣⵉⵖ بعد خضوعهم للأجانب وتأثرهم بهم (شكل الكتابة الامازيغية
التقويم
ان الامازيغ لهم تقويم موثق الان ويعتبر أيضا من أقدم التقويمات منذ القديم من الزمان ويحتفل العديد من الامازيغ وبعض القبائل المعربة برأس السنة الأمازيغية التي توافق اليوم 12 من السنة الميلادية ويستعمل الأمازيغ الأسماء الجريجورية مع بعض التحريف غير أن الأمازيغ نسجوا حول تلك الأسماء قصصا ميثولوجيه وجعلوا منها جزءا من ثقافتهم.
ويعتقد بعض العامة من الأمازيغ أن السنة الأمازيغية تبتدئ بعد تمكن زعيمهم (شيشنق) من هزم جيوش الفرعون الذي أراد أن يحتل بلدهم، وحسب الأسطورة فأن المعركة قد تمت بالجزائر بمدينة تلمسان. أما من الناحية التاريخية فأن المؤرخين يعتقدون بأن شيشنق الذي أسس الأسرة المصرية الثانية والعشرين لم يصل إلى الحكم عن طريق الحرب بل من خلال ترقيته في مناصب الدولة المصرية الفرعونية ذلك لأن المصريين القدماء قد اعتمدوا على الأمازيغ بشكل كبير في جيش دولتهم خاصة منذ عهد الأسرة العشرين.
ومن الأمور الهامة في الحضارة المصرية وكما في النصوص الموثقة المكتوبة فان أصل الملك شيشانق يعود الى أصول قبيلة المشوش وهذه القبيلة هي على الأرجح من تونس الحالية ويمكن ملاحظة بعض التشابه الثقافي بين أمازيغ الجزائر والمشوش.
ويعتقد بعض المؤرخون اخرين أن التفسير الأمازيغي العامي ليس تاريخيا علميا، فبعض الباحثين يعتقدون أن التقويم الأمازيغي قد يعود ألي آلاف السنين حتى أنه قد يكون أقدم من التقويم الفرعوني!!!.
كتابة الأمازيغ |
عقيدة الأمازيغ القديمة
تختلف العادات الامازيغية من منطقة او حقبة زمنية الى أخرى وهم أيضا مما لا شك فيه كغيرهم من الشعوب القديمة عبدوا العديد من الالهة ونجد من الهتهم على سبيل المثال (تانيث وآمون وأطلس وعنتي وبو صيدون) ومن خلال دراسة هذه المعبودات وتتبع انتشارها في الحضارات البحر الأبيض المتوسطية يمكن نلمس مدى التأثير الثقافي الذي مارسته الثقافة الأمازيغية في الحضارات المتوسطية ويمكن اعتبار آمون وتانيت نموذجين لهذا التأثير الحضارى.
الإله حمون
وجد إله أمازيغي له اسم مشابه ويتشابه مع آمون في بعض صفاته هو (حمون) وتشكل سيوة نقطة استناد رئيسية لنظرية تقترح وجود علاقة ما بينهما. كما توجد دراسات توضح أن علاقة ما قد توجد بينهما بافتراض أن اسمه مشتق من كلمة أمازيغية (التي تمت بصلة قرابة للمصرية في نفس العائلة اللغوية تعني (ماء) وإن كان هذا غير مؤكد في ضوء المعارف الحالية كما يعتقد النوبيون مثلا أنه أصلا من منطقة جبل بركل (حاليا في شمال السودان)
ومن المحتمل أنه كانت توجد آلهة محلية لدى هذه الشعوب تشبه في صفاتها آمون مما سهل تقبلها له فدمجت بينه وبين آلهتها المحلية كما تشرب هو صفاتها لديهم ومن المحتمل أيضا أنه وجدت لآمون أصول مغرقة في القدم (ربما تعود إلى ما قبل التاريخ) لدى الشعوب الأفريقية القديمة التي تشكل أصول كل هذه الشعوب من نوبيين وأمازيغ وباقي سكان وادي النيل.
وهذا هو نفسه ما حدث أيضا فيما بعد وخاصة في العصر الإغريقي في مصر عندما قام الاغريق بربط الاله امون ملك الالهة بالإله الإغريقي زيوس كما ارتبط أيضا الاله خنوم بزيوس ربما بسبب شبهه بآمون، وبما أن نوع الكبش المميز له انقرض مبكرا أصبح خنوم أيضا يرتبط بكبش آمون.
ففي الأصل الحضارى الإغريقي والروماني نجد ان كلاهما أعجبوا بالإله امون الامازيغى كما أشاروا هم الى ذلك فقام الاغريق وربطه بكبير الهتهم زيوس وكذلك الرومان بكبير الهتهم جوبتير، وكان ذلك تمازجا بين الهتهم وبين امون المصري او امون الامازيغى وهو نفسه الاله حمون وكما في النصوص الامازيغية القديمة.
الإله حمون |
ملحوظة هامة جدا: ان موضوع النماذج هذا كان بحثا دقيقا قام به الأستاذ (جابريل كامبس) وهو فرنسي الأصل من مواليد الجزائر في عام 1927 وتوفى ودفن في فرسنا عام 2002، أي بعد عام واحد من تأسيس المعهد الامازيغى في مملكة المغرب. وهو يعتبر من أوائل الباحثين الآثاريين في التاريخ الامازيغى القديم وأول من يعمل مقارنة دينية بين امون المصري وامون الامازيغى. وكان أيضا اول من ينادى بتأسيس المعهد الأمازيغي والذي أقيم بمملكة المغرب وكما كتبنا من قبل.
ولقد حاول كثيرا معرفة أصول وجذور سلالة الأمازيغ منذ الحفريات الأولى وخاصة ان الاب الروحي والفعلي للأمازيغ كان يدعى (ما زيغ) والذي احتار في أصله وفصله ومثله مثل أي باحث اثارى أجنبي لا يرغب حتى بالاعتراف مما قاله القدماء من العرب عن الامازيغ، وهذه هي مشكلتنا نحن الباحثين في جذورنا واصلنا ودائما الأجنبي هو الاصدق حتى وان لم يصل الى صدق الحديث بعد.
- الطبري: ذكر الطبري في تاريخه ان الأمازيغ من ذرية ما زيغ وبر أبناء يقشان ابن إبراهيم عليه السلام.
- ابن خلدون: وقد ذكر ابن خلدون أنه قد قال القديس الجزائري الأمازيغي أوغسطين قولة مأثورة (إذا سألتم فلاحينا عن أصلهم سيجيبون نحن كنعانيون) وهي أن الأمازيغ أبناء كنعان ابن يقشان.
الإلهه تانيث
تانيث هي ربة الخصوبة وحامية مدينة قرطاج وهي ربة أمازيغية الأصل عبدها الفينيقيون كأعظم ربات قرطاج وجعلوها رفيقة لكبير ألههم بعل. كما عبدها المصريون القدماء كأحد أعظم رباتهم وقد عرفت عندهم باسم نيت، ويؤكد أصلها الأمازيغي (الليبي) ما أشار إليه الأستاذ (مصطفى بأزمة) من أن معظم مؤرخي مصر الفرعونية أشاروا إلى أنها معبودة أمازيغية استقرت في غرب الدلتا. ثم عبدت من طرف الإغريق حيث عرفت باسم آتينا بحيث أشار كل من هيرودوت وأفلاطون أنها نفسها نيت الليبية، وقد سميت أعظم مدينة إغريقية إلى هذه الربة الأمازيغية أثينا.
الالهة تانيث |
أما تأثير هذه الربة في بلاد الأمازيغ يتجلى في ما يعتقده البعض من أن تونس قد سميت نسبة إلى هذه الربة تانيث، بحيث أن الاسم القديم لتونس كان هو تانيس مما جعلهم يعتقدون أن الاسم مجرد تحريف للثاء إلى السين. ويرجح المؤرخون أن هذه الربة قد عبدت في تونس الحالية حول بحيرة (تريتونيس) حيث ولدت وحيث مارس الأمازيغ طقوسا عسكرية أنثوية تمجيدا لهذه الربة الى جانب هذه الآلهة عبد الأمازيغ أيضا الشمس وهو ما ذكره هيرودوت وابن خلدون كما مارسوا العبادة الروحية التي تقوم على تمجيد الأجداد كما أشار إلى ذلك هيرودوت.
من خلال نقوشات موجودة في شمال أفريقيا يتبين أن اليهود قد عاشوا في تسامح مع القبائل الأمازيغية. ويرجح أن اليهود نزحوا أول الأمر مع الفينيقيين إلى شمال إفريقيا ويذكر ابن خلدون أن قبائل عديدة من الأمازيغ كانت تدين باليهودية قبل الفتح الإسلامي وبعضها بقي على هذا الدين بعد الفتح.
آمن الأمازيغ أيضا بالديانة المسيحية ودافعوا عنها في محنتها من أمثال توتيلينونس وأرنوبيوس، كما برز أوغسطين كأحد أعظم آباء الكنيسة. وآمن الأمازيغ أيضا بالديانة الاسلامية وجاهدوا في نشرها حتى أن أول المسلمين الذين فتحوا الأندلس كانوا في معظمهم أمازيغ بقيادة الشاب الأمازيغي طارق ابن زياد.
الشمس والقمر
ان الشمس والقمر في العقيدة الامازيغية كانت تلعب ادوارا عقائدية مثلها مثل الحضارات القديمة أيضا وخاصة الحضارة المصرية أقرب المناطق الحضارية الى الامازيغ سكنا (واحة سيوة) وفكرا دينيا.
يعرف القمر في اللغة الامازيغية باسم (تزيري) وهو نفس المسمى في لغة اهل سيوة الأصليين حتى يومنا هذا وكذلك الهلال ويعرف أيضا باسم (ايور) هو نفسه إله القمر لدى الامازيغ وكما قال الآثاري المتخصص كامبس. ويقال بان الامازيغ عبدوا القمر او كانت لهم طقوس دينية للقمر. ولقد أكد ذلك أيضا المؤرخ العظيم ابن خلدون وكذلك المؤرخ اليوناني هيرودوت حيث قالوا بان عبادة القمر من العبادات المتوغلة في القدم وكان الامازيغ يقدمون القرابين لكل من الشمس والقمر.
ومما أكده العالم كامبس بان الامازيغ كانوا يقومون بقطع أذن الضحية ويلقونها على منازلهم ثم يقتلونها بلى عنقها ثم يتقربون بها الى الشمس والقمر وكان يجرى هذا الطقس للشمس والقمر فقط وليس لأي إله اخر وهي طقوس معروفة عند كل الليبيين.
اما في القرن الأول قبل الميلاد فقد أشار الرومي المؤرخ سيسرون الى تقديس الملك النوميدى (ماسينيسا) للشمس. وانه عندما زاره الرومي (سيبيو افريكانوس) قام الملك ماسينيسا وعانقه بشدة وبعيون دامعة نظر الى السماء قائلا (أشكرك أيتها الشمس العظيمة كما أشكرك أيتها الكائنات السماوية لاستقبالي سيبيو في حياتي ومملكتي وقصري)
والى جانب هذه الراوية التاريخية وغيرها من الروايات تم العثور على نقوش باللغة اللاتينية تحمل معنى (الشمس العظيمة) وهذه النقوش عثر عليها بالمصادفة في سوق احراس بالجزائر منذ سنوات عديدة ماضية.
كان الأمازيغ يعبدون القمر سواء في طور اكتماله كبدر أم في مرحلته الهلالية، وعبادة القمر الهلال هي ما كانت متجسدة في عبادة الإله آمون الممثل بقرني الكبش وإلى جانب الشمس والقمر عبد الأمازيغ الكهوف والجبال والوديان والحجارة.
ويعتقد الآثاري المتخصص في حضارة الامازيغ (ثور هايردال) ان الاشكال الهرمية التي شيدت في جزر الكناري قد شيدت تعظيما للشمس ويعتقد بان هذه العبادة قد نقلها الامازيغ الى جزر الكناري عبر البحر المتوسط ومنها الى القارة الامريكية
الغوانش في جزر الكنارى هل هم أيضا من أصل الامازيغ: عند الغوانش إلهًا يسمى (أشمان) وكانوا يقدمون له الأضحية والخمور تقربا إليه وكان تجسيده يشبه الشمس. وفي لاس بالماس أحد جزر الكناري عبد الغوانش إلها شمسيا وكانوا يسمونه (ماجك) و(آمن) وهو اسم قد يعنى(الرب) وفي إحدى لهجات الطوارق تشير كلمة (امناي) إلى اسم الله.
الغوانش هم السكان الأصليين لجزر الكناري ينحدرون من سوس ودرعة هاجروا إلى الأرخبيل بين 1000 ق. م. و100 ق. م. وهم ينحدرون من أصول أمازيغية. ويمكن اعتبار الغوانش كمجموعة متمايزة بأنهم شعب منقرض. وقد وجدهم الأوروبيون الذين استعمروا الجزر في العصور الوسطى (الاسبان) يعيشون حياة بدائية مثل حياة العصور الحجرية الحديثة. واليوم، تكاد ثقافتهم تكون قد اختفت ولكن يمكن ملاحظة بعض آثارها مثل لغة التصفير السيلبو التي يتحدثها سكان جزيرة لا غوميرا.
الموت والدفنات
كان الأمازيغ يدفنون أنفسهم في شكل جانبي وبشكل مثني وفي أحيان أخرى في شكل جانبي. وكانوا يصبغون جثث موتاهم بالطين الأحمر أو الأوكر وكانت هذه العادة قفصيه أكثر مما كانت ايبيروا مورسية، وكلاهما يعتبران أسلافا للأمازيغ. كشفت بعض المقابر ما قبل التاريخ أنه كانت توضع بعض الأدوات مع الميت كالأسلحة والحلي وقشور بيض النعام ربما ليستخدمها في العالم الآخر.
خلافا لأمازيغ الشمال الأفريقي، قام الغوانش وهم سكان جزر الكناري الأصليين بتحنيط جثث موتاهم فكان البعض منها يجفف ويلف بجلد الماعز. أما في شمال أفريقيا فقد عثر الآثاري الإيطالي (فاريزيو موري) في عام 1958 على مومياء ليبية قديمة ويقول بانها أقدم تاريخيا من المومياوات المصرية القديمة!!!.
وكان الامازيغ يقدسون الموتى وتعتبر من اهم مميزات الامازيغ في العصور القديمة. وبالفعل فهي ظاهرة قديمة في شمال أفريقيا غرب مصر، حيث كتب عنها(بومبينوس) أنه في (أوجلة) تعتبر أرواح الأسلاف بمثابة آلهة إذ أنهم يقسمون بها ويستشيرونها في أمورهم ثم ينامون ليتلقوا الإجابات في شكل أحلام.
ولم يغفل هذا الامر أيضا المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي يرجع اليه الفضل بأمداد الكتب التاريخية بأخبار ليبيا قديما حيث يروى عن قبيلة تسمى (الناسمون) ما يلي ((يقسمون برجال منهم عرف عنهم الورع والشجاعة في حياتهم بعدما يضعون أيديهم على قبورهم. وهم يتعبدون بزيارة قبور خاصة بأسلافهم ويستلقون فوقها بعد الصلاة ويتقبلون كل ما سيرونه في منامهم)).
إلى يومنا هذا لايزال الامازيغ يقدسون قبور الأولياء في شمال أفريقيا خاصة في المغرب البلد الذي يسمى أحيانا ببلد ألف ضريح وضريح بحيث أنه لا تكاد تخلو أي قرية من ضريح يقدسه سكانها حتى بعض المدن سميت نسبة إليها كالمدن التي تبدأ باسم (سيدي. . .) ويعرف الولي أو القديس عند الأمازيغ في أيامنا باسم (أمرابض) وهو اسم يعود إلى الكلمة العربية (مرابط) لارتباط المتصوفة غالباً بالجهاد ورباطهم في الصفوف الأمامية المعروفة باسم (الرباط) وقد حور الغربيون هذا الاسم في لغاتهم إلى مرابوط.
الفن المعمارى فى حضارة الأمازيغ
ان الفن المعماري في حضارة الامازيغ أكده علمائهم الباحثين في الامر وخاصة في بناء الاهرامات مثلا ولقد وجد أيضا في اللغة الامازيغية كلمات متشابهة في هذا الامر ومنها كلمة الهرم نفسه (اغرم = هرم) في ذلك قال احد الباحثين الجادين في الحضارة الامازيغية مقولته الشهيرة منذ عدة سنوات ماضية ((فإن كان لدى المصريون أجمل أهرامات وأعقدها فإن لدى الأمازيغ أقدمها على الإطلاق، الفرق بينهما أن نظام بنائها لدى الفراعنة غير مفهوم وصعب التفسير حيث أنهم بنوا الأهرامات الثلاثة المعروفة أولا لكن الأهرامات التي بنيت فيما بعد كانت حقيرة ومبنية بالطين على عكس الأولى التي بنيت بالحجارة الضخمة يعني وكأن الفراعنة نسوا كيف بنوا الأهرامات الأولى.
أما لدى الأمازيغ فيلاحظ أنهم طوروها مع الزمن حيث بنوا المتراكمة يتراوح طولها بين بضعة أمتار و300 متر وتتخللها ممرات وحجرات لكن علوها لا يتجاوز بضعة أمتار)). وتوجد في (تين كاويا) غرب واحة غاط بمنطقة آجر غربي الفزان في ليبيا، وتوجد في قرية (تيط) في وسط الصحراء الجزائرية وكذلك في مكان (تين غرزور)
البازينات أو المقابر
البازينات هي عبارة عن مقابر يعلوها هرم صغير مربع القاعدة مبني بحجارة متراصة لا ملاط معها وتوجد بكثرة في منطقة (الفزان) بالجهة الجنوبية الغربية الليبية وفي منطقة الشلف الأعلى بالدزاير وهي أقدم من الأهرامات المصرية.
وكذلك بنوا ما يعرف باسم الضريح او الضرائح لشيوخهم وهي ضرائح مخروطية الشكل ويوجد منهما اثنين سالمي البناء أولهما على بعد 100 كيلومتر من الجزائر العاصمة.
مقابر |
وبنيت كذلك ما يعرف باسم الضريح النوميدى في الماكن المسمى (ميدراسن) قرب جبال الاوراس. كما يوجد بقايا لهذه الاضرحة في المروك داخل المثلث الذي ترسمه النقاط الثلاثة (فاس والحاجب ومكناس) هذه البنايات الثلاثة بناها ملوك أمازيغيون: نوميديون وموريتانيون شيدوها في عصور تاريخية تتراوح بين القرنين الخامس والأول قبل الميلاد وتتميز بتشابهها مع الأهرامات المصرية في تخطيطاتها الأساسية العامة.
عمارة الأمازيغ
ان الامازيغ من الناحية الحضارية كان لهم أسلوب وفن خاص معماري مثلهم مثل الحضارات القديمة. وفى هذا الشأن المتخصص تم لأول مرة صدور كتاب عالمى باسم (الفنون والعمارة الامازيغية بالمغرب) وصدر عن طريق المعهد الامازيغى بمملكة المغرب في عام 2004 وموثق من اليونيسكو كذلك. وهذا الكتاب قام على اعداده الكثير من الباحثين الأجانب والمتخصصين المغاربة، ومنهم الأستاذ المغربي (احمد بوكوس). وهذا الكتاب يفتح نوافذ انثروبولجية وفنية على التراث الامازيغى ويحكى قصة ابداع بشرى جماعي يدافع عن حضوره باستماته امام العالم.
وهذا الكتاب صدر في 275 صفحة من المقاس الكبير بالصور الموثقة ونصوص توضح جماليات التراث الامازيغى من ناحية المعمار والصناعات مثل الخزف والخشب وغير ذلك. وفى هذا الكتاب أيضا القى الضوء الكبير على الجمال القروي والبيئة والاستخدام النفعي للإنسان الأمازيغي منذ القديم من الزمان حتى وقتنا المعاصر.
ولقد أوضح في هذا الكتاب أيضا النقوش الصخرية التي تكشف تحركات الجماعات البشرية في المغرب القديم، وجوانب من الاشغالات اليومية والميتافيزيقية للإنسان إلى التصاميم المختلفة للمجوهرات أشكالها، تقنيات تنميقها دلالاتها الاجتماعية الفئوية مرورا بأسرار صناعات الزرابي في البيوت الأمازيغية، زخرفتها واستخداماتها وصولا إلى عبقرية النقش على الخشب ووظائفه في تأثيث البيت وتوفير مستلزمات الحياة اليومية فضلا عن أبعاده الفنية الإبداعية.
الديانة المصرية الأمازيغية
ان هذا المصطلح يعتبر حديث نسبيا حيث لم يشير اليه أحدا على الاطلاق سواء في القديم او الحديث الا بعد ظهور الحضارة الامازيغية في عصرنا هذا وبعد تأسيس المعهد الامازيغى بمملكة المغرب. وهنا نتسائل جميعا هل هناك فعلا ديانة مصرية أمازيغية كما يدعى علماء حضارة الامازيغ؟؟؟
ونتناول الان اقوالهم حول ذلك في عدة سطور مبسطة مثل:
- المصريون القدماء هم أقدم جيران الأمازيغ وهم أقربهم عقائديا إليها. تضرب جذور العلاقات المصرية الأمازيغية في أعماق التاريخ، وقد أشارت أقدم كتابة مصرية إلى إحدى قبائل البربر القديمة وهي التحنو. أكثر من ذلك يميل بعض المؤرخين إلى جعل أصل صحراوي قبل تاريخي مشترك بينهما ومن ثم كان تشابك المعتقدات المصرية والأمازيغية في حالات مختلفة.
- يعد كل من الإلهين إيزيس وأوز يريس أبرز الآلهة المصرية القديمة التي اكتسحت معتقدات الأمازيغ الشرقيين، وهو ما سجله هيرودوت قائلا ((على الرغم من أن هذه القبائل الليبية لا تعرف طعم لحم البقر فإنها تمتنع عن أكله كالمصريين للسبب نفسه، وكلاهما لا يربون الخنازير. حتى في قورينا تعتقد النساء انه من الإثم أكل لحم البقر وهم بذلك يعظمون الربة المصرية إيزيس حيث أن كلا من الشعبين يتقربان إليها بالصيام والاحتفالات. أما النساء البرقيات فهن لا تمتنعن عن أكل لحوم البقر فقط وإنما تمتنعن أيضا عن أكل لحوم الخنازير. يبدو أن هذه القبائل قد امتنعت عن أكل لحوم الخنزير لأنه كان حيوان ست المقدس، فيما امتنعوا عن أكل لحوم البقر لكون البقرة حيوان أيزيس المقدس))
- يقول المؤرخ الليبي (محمد مصطفى بأزمة) حسب ما كتبه في بحثه حول ذلك ((كان أوز يريس من ضمن الآلهة المصرية التي عبدها الأمازيغ كما أن مكانا على الأقل ذكره هيرودوت كان يحمل اسم إيزيس))
- يقول الآثاري بيدج المتخصص في حضارة الامازيغ في بحثه او كتابه (الامازيغ 30 قرنا من الديانات) ومعه قلة من المتخصصين في هذا الامر ((أن أوز يريس كان معبودا من أصل ليبي، وأن كل النصوص التي أشارت أليه خلال كل الفترات كانت تصب في اتجاه كونه إلها أصيلا في شرق شمال أفريقيا وأن موطنه الأصلي قد يكون ليبيا))
تسلسل التاريخ فى الأمازيغ
ان تاريخ الامازيغ شانه شان اية حضارة قامت قد مرت بعدة مراحل في التاريخ صعودا وهبوطا وكذلك الوصول الى قمة التاريخ الحضارى ثم الافول، ولذلك نتناول هذا التاريخ في بسطة وجيزة بمراحله العمرية والتقويمية.
ان اول من يكتب من المؤرخين عن تاريخ ليبيا كان المؤرخ الإغريقي هيرودوت حيث قال بان ليبيا تمتد من حيث تنتهي مصر الغربية. وقد أشار بان المجموعات السكانية التي تقيم على امتداد هذه المنطقة كلها تنتمي الى فصيل واحد وهم الامازيغ وعلى امتداد الصحراء الكبرى ولهم حضارة صحراوية وهم ينتمون الى فصلين اثنين وهما التمحو والتحنو الذين تم ذكرهم في النصوص المصرية القديمة. ونلاحظ أن (هيرودوت) لم يفرق بين هذه المجموعات الليبية من حيث الجنس وإنما من حيث اختلاف نوع حياة كل منهما عن الأخرى.
وهذا ما أكده العلماء الحديثون تماما حيث اثبتوا بان الليبيين القدماء ينقسمون الى مجموعتين وهم ليبيون شرقيون وليبيون غربيون وكذلك صدقوا كل ما كتبه هيرودوت وخاصة ان الروابي التي كان يقصدها المؤرخ الإغريقي كانت تعنى الواحات الكثيرة وخاصة انه ذكر اهم الواحات على الاطلاق وهي واحة الامونيين الذين يعبدون الاله امون وهم سكان واحة سيوة، ثم ذكر واحة خغبوب وواحة أوجلة وواحات الجرامنة.
المصادر المصرية القديمة عن الأمازيغ
يمكن تقسيم المصادر المصرية القديمة حسب مراحل تاريخ منطقة وادي النيل في العصور القديمة إلى عدة اقسام هامة دراسية كما يلي:
وثائق ما قبل التاريخ
انها وثائق ما قبل الأسرات وبداية الأسرات نلاحظ على هذه المصادر أنها عبارة على مناظر عامة منقوشة لا تصطحبها نصوص كتابية لأن الكتابة الهيروغليفية في ذلك الوقت لم تكتمل عناصرها بعد وهذه المصادر هي:
- مقبض سكين جبل العرق: عثر على هذا المقبض تجاه نجع حمادي بالصحراء الشرقية. تمثل الرسومات التي على هذا المقبض رجال لهم خصلة مـن الشعر على شكــل ضفيرة ويلبسون كيس العورة وهي صفات يتخذها الباحثون علامات مميزة لليبيين القدماء في ذلك الوقت.
- حيوانات كثيرة للصيد ويزينون شعورهم بالريش ويرتدون كيس العورة ولهم ذيول تتدلى من قمصانهم وكل هذه الصفات اتخذها الباحثون كعلامات لليبيين القدماء وهي من العلامات التي شاهدناها بكثرة في الرسوم الصخرية بالصحراء الكبرى وهي رسوم ترجع لعصور ما قبل التاريخ
- لوحة التحنو: وتعتبر هذه اللوحة أهم الشواهد الأثرية التي تدل على الليبيين القدماء وقد عثر عليها في ابيدوس في مصر العليا وقد استطاع العالم الألماني (تاسيتى) من خلال هذه اللوحة أن يميز العلامة الهيروغليفية التي تدل على التحنو نجد على أحد وجهي هذه اللوحة رسومات تمثل سبع مدن محصنة متحالفة استطاع أن ينتصر عليها الملك. أما على الوجه الآخر فنجد ثلاثة صفوف تمثل ثيران وحمير وأغنام وأسفلها أشجار زيتون بالقرب منها العلامة الهيروغليفية التي تدل على التحنو.
- لوحة التوحيد: لقد ظهر اسم التحنو خلال الأسرة الأولى (3400- 3200 ق. م.) في عهد الملك نعرمر على أسطوانة من العاج تعرف باسم لوحة التوحيد. ويبدو الملك في هذا النقش وهو يضرب مجموعة من الأسرى الجاثمين نقش فوقهم عبارة تحنو باللغة الهيروغليفية ولقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه اللوحة فنجد (برستد) يعبر عنها ب (نعرمر ينتصر على الليبيين) في حين نجد (دريتون) و(جاردن) يعبر عن هذه اللوحة ب (نعرمر ينتصر ويهزم سكـان الوجه البحري وهو يوحد القطرين). ونلاحظ أن جميع هؤلاء الباحثين على صواب لأن الكثير من العلماء يعتقد أن نعرمر استطاع توحيد منطقة وادي النيل بعد أن طرد منها الليبيين الذين كانوا يقيمون في الوجه البحري والملفت للنظر هنا أنه لا يمكن التمييز بين صور وأشكال أهل الدلتا في هذه اللوحة وبين التحنو أو الليبيون الذين ميزتهم الرسوم المصرية القديمة بأنهم أشخاص ملتحون ويزينون شعورهم بالريش ويرتدون كيس العورة وتتدلى من قمصانهم القصيرة ذيول
وثائق الدولة القديمة (2900 – 2280 ق.م)
يلاحظ على هذه الوثائق بأنهـا ابتداء مـن الدولة القديمة أصبحت تدون عن طريق الكتابة الهيروغليفية ففي بعض الأحيان تكون النصوص مختصرة وفى أحيان أخرى تكون مفصلة إلى أبعد الحدود ويمكن تقسيمها على النحو الاتي:
- نص الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة على حجر بالرمو: ويفيد النص أن الملك سنفرو قاد حملة ضد التحنو وأسر منهم 1100 أسير واستولى على 13100 رأس من الماشية والأغنام.
- نصوص الملك ساحورع من الأسرة الخامسة على جدران معبد الملك ساحورع: لقد زودتنا هذه النقوش بمعلومات وافية عن التحنو خاصة فيما يتعلق بسماتهم البشرية وملابسهم وبعض الميزات الأخرى التي تذكرنا بصور الليبيين القدماء التي استقيناها من وثائق ما قبل الأسرات وبداية الأسرات.
- نصوص أونى حاكم الجنوب: يذكر أونى حاكم الجنوب على جدران مقبرته في أبيدوس بأنه قاد جيشا ضد بدو آسيا في عهد الملك بيبي الأول (الأسرة السادسة) وكان يتكون الجيش من العديد من سكان الجنوب ومنهم سكان بلاد التمحو ويبدو أن هذه الإشارة أول ذكر لقبائل التمحو.
- نصوص حرخوف حاكم وقائد القوافل في الجنوب (الأسرة السادسة): لقد وصف حرخوف من خلال النصوص التي تركها على جدران مقبرته في القنتين رحلاته إلى إقليم يام في النوبة وأنه تقدم حتى وصل بلاد التمحو التي تقع في الجنوب الغربي من النيل وكان يعنى واحة سيوة.
وثائق الدولة الوسطى (2060 – 1785 ق.م)
لم تكن الوثائق التي تتحدث عن الليبيين خلال هذه الدولة كثيرة وإن وجدت، فيشوبها بعض الغموض وأهم وثائق هذه الدولة التي تتعلق بالليبيين هي:
- حكاية سنوهي، وهو أحــد رجال البلاط في عهد الملــك منتوحتب الأول (1991 – 1961 قبل الميلاد): لقد ذكر سنوهي أن سنوسرت ابن الملك منتوحتب الأول خاض حربا ضد التمحـو ويرى المؤرخون أن هــذه الحرب توجت بالنصر والدليل على ذلك مــا ذكره (ديودورس الصقلى) بان سنوسرت الأول قد اخضع الشق الأكبر من ليبيا.
- مخلفات المجموعة السكانية التي يطلق عليها المجموعة ج: لقد عاصرت هذه المجموعة السكانية الدولة الوسطى وقد ألقت المخلفات التي تعود لهذه المجموعة بعض الضوء عن العلاقات التي كانت بين الليبيين وجنوب منطقة وادي النيل. ويرى بعض العلماء في هذه المجموعة السكانية بأنها فرع جنوبي للتمحو أو كليبيين جنوبيين.
وثائق الدولة الحديثة (1580 – 1085 ق.م)
لقد خلفت لنا الدولة الحديثة أكبر قدر من الوثائق التي تتمثل في النقوش والصور والتي من خلالها تعرفنا على مجموعات كثيرة من الليبيين قبل هيرودوت أي خلال القرنين الثالث عشر والثاني عشر ق. م ويمكن تلخيص هذه الوثائق الكثيرة على النحو الآتي:
- وثائق مقابر طيبة في عهد الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث لقد احتفظت لنا بعض مقابر طيبة في الفترة ما بين 1490- 1447 ق. م بصور تمثل تسديد الجزية التي قدمت من بعض القبائل الليبية في الواحات البحرية. 1
- رسومات معبد الكرنك: وهي تعود إلى عهد الملك سيتى الأول والتي تشير إلى هجمات خطيرة قامت بها قبائل التحنو وقد تم الإشارة إلى مثل هذه الهجمات أيضاً في عهد رعميس الثاني من خلال نقشين عثر على أحدهما في معبد بيت الوالي والآخر في معبد أبى سمبل والنقشان يتحدثان عن صد هجمات قبائل التحنو لقد شكك بعض الباحثين في حقيقة هذه الهجمات الخطيرة التي قامت بها قبائل التحنو، وصدها من قبل ملوك سكان منطقة وادي النيل وقد رأى هؤلاء الباحثين في هذه الرسومات مجرد تكرار وزخرفة للمعابد الفرعونية عن طريق أحداث سابقة مرت منذ زمن بعيد.
- نقوش مسلات رعمسيس الثاني التي اكتشفت في مدينة تانيس: تشير هذه النقوش إلى استعانة رمسيس الثاني بوحدات عسكرية ليبية تم ضمها للجيش المصري.
- نقوش معبد الكرنك وعمود القاهرة ولوحة اتريب وأنشودة النصر: هذه المصادر الأربعة تحدثت جميعها كما يرى بعض الباحثين عن انتصار الملك مرنبتاح (الأسرة التاسعة عشر) على التحالف الذي يضم كل من الليبو والقهق والمشوش مع شعوب البحر التي تتمثل في خمسة أقوام وهم (الأقاواشا) و(التورشا) و(الشردان) و(اللوكا) و(الشكلش). ويرى فيهم الباحثون على الترتيب (الآخيين) و(الاترسكيين) و(السردينين) و(اللوكيين) و(الصقليين) وقد توجه هؤلاء جميعا نحو الدلتا لاحتلالها لغرض الاستقرار بها وكان يقودهم في هذا الهجوم زعيم قبيلة الليبو (مرى بن أدد)
بردية هاريس الكبرى
وهي بردية يصل طولها أكثر من أربعين متر وعرضها حوالي 42 سنتمتر، تتحدث هذه البردية عن هجوم قبائل الليبو على منطقة الدلتا ويفهم من خلال هذا النص أن السبب في هذا الهجوم أن الفرعون أراد أن يفرض على الليبيين ملكا منهم رباه في قصره ولكن الليبيين رفضوا هذا الحاكم لأنهم رؤوا فيه الفرعون نفسه.
نقوش ولوحات معبد رمسيس الثالث الجنائزي بمدينة هابو الواقعة في طيبة الغربية
تتحدث هذه اللوحات والنقوش عن هجوم قامت به قبيلة (المشوش) ضد منطقة وادي النيل وقاد هذا الهجوم زعيم المشوش (كبر) وابنه (مششر) وتعتبر بردية هاريس
ونقوش ولوحات معبد هابو التي دونت في عهد رمسيس الثالث آخر الوثائق الهامة التي تتحدث عن القبائل الليبية القديمة التي احتكت بمنطقة وادي النيل في العصور القديمة.
الليبيون القدماء من خلال المصادر المصرية القديمة
لقد كانت قبائل التحنو والتمحو والليبو والمشوش من القبائل الليبية الكبيرة الواسعة الانتشار والتي لعبت دورا بارزا في تطورات الأحداث في ذلك الوقت، ولذلك نجدها ترد في النصوص المصرية القديمة بشي من التفصيل. في حين وردت في هذه النصوص أسماء قبائــل أخرى كـمجرد شارات بسيطــة ربما لعدم تأثير هــذه القبائل في الأوضاع السائدة في المنطقة في ذلك الوقت أو ربما لكون هذه القبائل كانت تابعة لإحدى القبائل الكبرى السابقة أو لوجود أراضيها ضمن أراضي قبيلة أخرى كبيرة. ونذكر من بين تلك المجموعات السكانية الصغيرة قبائل: الأسبت والقبت والثكتن والبقن والكيكش والسبد والقهق. ونستطيع من خلال سردنا للمصادر المصرية القديمة أن نقسم المجموعات الليبية القديمة التي وردت بهذه النصوص حسب تسلسلها التاريخي إلى الجماعات الآتية:
التحنو
تقع بلاد التحنو إلى الغرب من مجرى وادي النيل لأنها تذكر دائما في النصوص المختلفة عندما تذكر أسماء البلاد التي تقع إلى الغرب من مصر ويرى الدكتور (أحمد فخري) استنادا على أراء علماء آخرين بأن بلاد التحنو كانت تمثل الفيوم والواحات ووادي النطرون وبرقة.
ويرى الباحث الفرنسي (فرانسوا شامو) بأن بلاد التحنو تشمل كل المناطق الواقعة غربي وادي النيل بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. ولاحظ أنه ابتداء من الأسرة الخامسة من الدولة القديمة وحتى الأسرة الثامنة عشرة أصبحت كلمة تحنو تدل على ليبيا والليبيين القدماء عامة.
ويرى الباحث الألماني (هوشلر) بأن قبائل التحنو كانت تعيش في دلتا النيل ثم طردهم من هذا الإقليم الخصيب ملــوك منطقة الوجه البحري عندما تم توحيده مع منطقة الوجه القبلي. ويبدو أن هذا الأمر صحيحا ومما يؤيد ذلك ما ذهب إليه (جاردنر) من أن صور التحنو تظهر في النقوش المصرية القديمة وكأن بينهم وبين المصريين القدماء قرابة وثيقة. وتتضح هــذه القــرابة من خلال ملابسهم التي تتفق تماما مع الملابس المصرية حيث كانوا يعلقون بهذه الملابس ذيولاً مثل التي كــان الفراعنة يعلقونها ويحلون جباههم بخصلة مــن الشعر تحاكى صورة الصل المقدس عند ملوك الفراعنة.
وتبدو هذه القرابة واضحة أيضاً من خلال سماتهم البشرية حيث كانوا سمراً مثلهم مثل المصريين كما كانوا يختتنون مثلهم كذلك وكانوا يضعون قرابا لستر العورة مثلهم مثل المصريين في عصور ما قبل التاريخ. ومن هذه القرائن المختلفة توصل بعض العلماء إلى أن المصريين القدماء يرجع أصلهم إلى الليبيين القدماء حيث يؤكد هؤلاء العلماء بأن المصريين وفدوا على وادي النيل منذ وقت مبكر بوصفهم صيادون ورعاة ماشية ثم أصبحوا فيما بعد زراع مستقرون وبدون شك إن المقصود هنا بالليبيين القدماء هم سكان الصحراء الكبرى الذين وصلوا في فترة العصر الحجري الحديث إلى مرحلة حضارية متقدمة، وقد أشرنا فيما قبل إلى أن الفضل يرجع إليهم في انتقال الرعي والزراعة نحو وادي النيل في البداية ثم فيما بعد إلى بقية شمال إفريقيا.
التمحو
يرى (جاردنر) أن بلاد التمحو تمتد على الحدود الغربية لمصر حتى طرابلس غرباً والنوبة جنوبا. في حين يرى الدكتور (أحمد فخري) بأن التمحو كانوا قد تمركزوا في نفس موطن التحنو بعد أن سيطروا عليهم بالإضافة إلى سيطرتهم على الواحات ذات الأرض الخصبة المنتشرة إلى الغرب من وادي النيل ويرى أنهم انتشروا جنوبا حتى دارفور. أما عن أصل التمحو فقد ظهرت في هذا الموضوع نظريتان:
- النظرية الأولى: يرى أصحاب النظرية الأولى بأن التمحو جاءوا مهاجرين من قارة أوروبا إلى شمال إفريقيا ثم توغلوا إلى الجنوب ويروا بأنهم ينحدرون من قبائل الوندال أو أي جنس شمالي آخر ويستند أصحاب هذه النظرية كدليل على ذلك من خلال السمات التي يمتاز بها التمحو عن بقية الليبيين مثل: الشعر الأصفر والعيون الزرقاء والبشـرة البيضاء.
وهذه النظرية خاطئة تماما لان وجود هذه المجموعة السكانية ذات الشعر الأصفر والبشرة البيضاء في الصحراء الكبرى منذ الألف السادسة قبل الميلاد وتتعارض مع ما أكدت عليه البحوث الأثرية عن عدم استعمال الإنسان للبحر قبل الألف الخامسة قبل الميلاد بالإضافة إلى عدم وجود أيــة قرائن تـفيد بأن المجموعات السكانية الأوروبيـة وصلـت منطـقة الـصحراء الكبرى كمهاجرين في أي فترة من فترات التاريخ القديم. والجدير بالذكر أن أول اتصال أوروبي بمنطقة شمال إفريقيا كان في حدود نهاية الألف الثانية قبل الميلاد مع وصول المجموعات المعروفة باسم شعوب البحر الذين حاولوا الاستيطان في منطقة وادي النيل وكما هو معروف لدى الجميع فان تلك المحاولة لم يصادفها النجاح
- النظرية الثانية: تقوم على عكس النظرية الأولى تماما حيث ان التمحو هم مواطنون إفريقيون سلكوا طريقهم من الجنوب الغربي من الصحراء متجهين نحو الشمال والشمال الشرقي ويرى بعض العلماء بأن القوم الذين أطلق عليهم العلماء اسم المجموعة (ج) والذين عثر على آثارهم بمنطقة النوبة هــم فرع من التمحو وإنهم ليبيون.
ويشير الباحث (اوريك بيتس) بأن مخلفاتهم تتفق ومخلفات الليبيين القدماء حيث يذكر بعض الأدلة التي تثبت هذه الصلة والتي من بينها:
- لا تختلف جماجم وشعور المجموعة (ج) عن جماجم جنس البحر المتوسط الذين منهم الليبيون القدماء بصفة عامة ومجموعة التمحو بصفة خاصة.
- لقد اتبع أصحاب المجموعة (ج) طريقة للدفن، ونمط لبناء المقابر الدائرية، هي نفسها التي عرفت لدى سكان الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا والتي عرفت باسم الرجم.
- تصور الرسومات المنقوشة رجال المجموعة (ج) وهم يرتدون ملابس على شكل أشرطة تتقاطع على الصدر والريشة على الرأس وهي نفسها التي كانت تميز الليبيين القدماء الذين تعرفنا عليهم من خلال الوثائق المصرية القديمة في فترة ما قبل الأسرات وبداية الأسرات وهي سمات عرفت قبل ذلك لدى سكان الصحراء الكبرى.
- يستعمل رجال المجموعة (ج) سلاح السهم والقوس وهي من الأسلحة التي عرفت في الصحراء الكبرى قبل أن تعرف لدى أهل النوبة.
- يؤيد انتماء سكان المجموعة (ج) للتمحو ما عثر عليه مـن فخار وقبور في وادي هـور الذي يقع على بعد 400 كيلومتر جنوب غربي الشلال الثالث ومن خلال المقارنة اتضح أن هذا الفخار يشبه فخار المجموعة (ج). والجدير بالذكر أن هذا الفخار وجد عند طريق هجرة التمحو من موطنهم الأصلي الذي يراه معظم الباحثين بأنه منطقة الصحراء الكبرى قبل أن يحل بهــا الجفـاف (18). وبناء على كل ذلـك يمكن الاستنتاج، بأن التمحو، وسكان المجموعة (ج)، وسكان وادي هور كلــهم جاءوا من الصحراء الكبرى بعد أن حل بها الجفاف.
المشوش
يرجح الباحثون أن المشوش سكنوا المناطق الشمالية من الصحراء الليبية ويرى البعض أن ديارهم كانت تمتد غربا حتى المناطق التي تمثل تونس الحالية. وقد رأى بعض العلماء بأن المشوش هم أنفسهم المكسيس الذين أشار إليهم (هيرودوت) بأنهم يقيمون إلى الغرب من بحيرة تريتونيس ولكن مع بداية الأسرة الثامنة عشرة المصرية بدأ المشوش يتجمعون حول حدود مصر الغربية طلباً للإقامة الدائمة حول دلتا وادي النيل ومن خلال الرجوع إلى الوثائق التي تشير إلى الحروب التي دارت بينهم وبين المصريين يتضح أن المشوش كانوا يرغبون الاستيطان في مصر وقد صرحوا بذلك بأنفسهم.
ورغم أنهم وحلفاءهم الليبو فشلوا في الوصول إلى دلتا النيل عن طريق الحرب إلا أنهم استطاعوا الاستقرار في الكثير من مناطق مصر سواء في حاميات الحدود أو بانضمامهم إلى الجيش كجنود مرتزقة. وقد كان الجيش المصري ابتداءً من الأسرة العشرين يتكون من الليبيين دون سواهم وقد كان ملوك مصر في ذلك الوقت يقدمون لهؤلاء الجنود هبات من الأرض كأجور لهم مما أدى إلى تكون جاليات عسكرية كانت القيادة فيها لليبيين دون سواهم وقد وصل بعض العناصر من المشوش إلى مناصب هامة في البلاط الملكي وإلى مراكز القيادة في الجيش وأن بعضهم مثل شيشنق استطاع أن يتولى الحكم في بعض مناطق مصر حيث جمع بين يديه السلطتين المدنية والدينية وهكذا وبسهولة تامة استطاع شيشنق أن يستولى على الحكم في مصر بمجرد وفاة آخر ملوك الأســرة الواحدة والعشرين وبالتالي استطاع المشوش تكوين الأسرة الثانية والعشرين التي حكمت مصر قرابة قرنين من الزمان.
الليبو أو الريبو
يرى معظم العلماء أن الليبو أو الريبو كانوا يسكنون منطقة برقة الحالية وربما كانت أراضيهم تمتد نحو الشرق حتى منطقة الواحات وخاصة واحة سيوه ويرجح أن مجموعتي (القهق) و(الإسبت) كانتا تعيشان في نفس المنطقة التي تسيطر عليها مجموعات الليبو أو الريبو. وأقدم ذكر لمجموعات الليبو أو الريبو كان في عهد رمسيس الثاني ومنذ ذلك التاريخ بدأت هذه المجموعات تقوم بدور هام في تاريخ الصراع بين مصر القديمة والقبائل الليبية القديمة حيث اشتركوا كقادة في الحروب التي قامت ضد الملك مرنبتاح واشتركوا أيضاً في الحروب التي دارت ضد رمسيس الثالث. ونعتقد أن اسم (الليبو) أصبح منذ بداية الفترة المتأخرة من تاريخ مصر القديم علماً على كل المنطقة التي تقع إلى الغرب من منطقة وادي النيل وبالتالي اختفت أسماء بقية المجموعات الأخرى وبناء على كل ذلك أصبح هذا الاسم يعنى لدى الإغريق تارة كل المجموعات السكانية التي تقع إلى الغرب من مصر حتى خليج سرت وتارة أخرى كل شمال أفريقيا وفى بعض الأحيان القارة الإفريقية بكاملها.
لوحة الملك شيشانق
مما يؤيد بروز اسم الليبو واختفاء بقية الأسماء تلك اللوحة التي عثر عليها منذ مدة والتي تعود لعهد الملك شيشنق وهي تتضمن أسماء الأقوام الليبية وهي لوحة يطلق عليها اسم (لوحة الأقوام التسعة) ويبدو من خلال هذه اللوحة أن الريبو أو الليبو حلت محل الاسم التقليدي السابق الذي عرفت به القبائل الليبية وهو التحنو.
ونجد وثيقة أخرى تشير إلى الليبو كتسمية عامة لكل المنطقة التي تقع إلى الغرب من مصر، وهي وثيقة تعود لعهد الملك شيشــنق الرابـع (763-757قبل الميلاد) وتشير إلى شخصية ليبية مرمـوقة تدعـى (حيتيحنكر) وقد وصفتها تلك الوثيقة بكبير الليبو ويبدو من خلال هذه الوثائق أن المنطقة ظلت تعرف باسم الليبو طيلة الفترة التي تلي الدولة الحديثة من تاريخ مصر القديم ونعتقد أنه لهذا السبب أطلق الإغريق على المنطقة التي استعمروها بالجبل الأخضر اسم ليبيا وذلك راجع إلى أنها الجزء الوحيد المألوف لديهم من منطقة شمال إفريقيا.
نبذة مختصرة عن الملك شيشانق مؤسس الاسرة 22 (950 ـ 929 ق. م)
يرجع نسب الملك شيشنق إلى أسرة من مدينة إهناسيا، وحسب لوحة (حور باسن) المحفوظة الآن بمتحف اللوفر والتي أقامها حور باسن وذكر فيها أجداده، فإن نسب جده الثامن الفرعون شيشنق هو: شيشنق بن نمرود بن شيشنق بن باثوت بن نبنشي بن ماواساتا بن بويو واوا شيشنق (شاشانق شيشاق شوشنق) ملك مصري ترجع أصوله إلى أسرة من مدينة إهناسيا قدم مؤسسها بويو واوا الجد الخامس للفرعون شيشنق من إحدى واحات الصحراء الليبية ولذلك عرفت أسرته لدى المهتمين بالتاريخ المصري القديم باسم الأسرة الليبية.
كان جده الأعلى (بويو واوا) مستقرأً بإحدى واحات الصحراء الليبية في جنوب غرب مصر، ولذلك عرفت أسرته لدى المهتمين بالتاريخ المصري القديم باسم الأسرة الليبية، وكذلك ينتمي بويو واوا لقبيلة التحنو الليبية. أما ابنه ماواساتا فقد انتقل إلى العيش بمدينة أهناسيا وانخرط في صفوف الكهنة حتى صار كاهن معبد مدينة إهناسيا وقد خلفه ابنه نبنشي، الذي خلفه ابنه باثوت، الذي خلفه ابنه شيشنق، والذي ورث عن أجداده وظيفة الكاهن.
وصار بعد ذلك الكاهن الأعظم وقائد حامية إهناسيا وقد تزوج من (محنتو سخت) ابنة زعيم قبيلة مي وأنجب منها نمرود الذي تزوج من الأميرة تنتس بح، والتي أنجب منها شيشنق، فأصبح فرعون مصر ومؤسس الأسرة الثانية والعشرين، بعد أن اندمج في المجتمع المصري وعاشت أسرته فيها لمدة خمسة أجيال، وبعد أن استقر جده الرابع ماواساتا بمدينة أهناسيا، واول عمل قام به هو تعيين ابنه أوبوت كاهنا أعظم في طيبة ليضمن السيطرة على هذا المركز الهام وبعد ذلك بدأ بتنفيذ برنامج عمراني واسع ماتزال آثاره الخالدة حتى هذا اليوم، منها بوابة ضخمة تعرف الآن باسم بوابة شيشنق وكانت تدعى في عصره ببوابة النصر وهي جزء من امتداد الجدار الجنوبي لبهو الأعمدة الشهير وقد سجل على هذه البوابة كعادة الملوك المصريين أخبار انتصاراته في فلسطين وتاريخ كهنة آمون من أبناء أسرته.
وهكذا كما في السرد التاريخي نجد بانه في النصف الأول من القرن العاشر قبل الميلاد حكم الأمازيغ أرض النيل وجلس قائدهم (شيشنق الأول) على عرش مصر ولقد تمكنوا من تأسيس أسر فرعونية أمازيغية هناك وهما الأسرتان الثانية والثالثة والعشرون بالتحديد كما يرجح أن تكون الأسرة السادسة والعشرون أيضا أسرة أمازيغية.
والملك شيشانق أيضا عرف بلهجات متغيرة كاسم مثل (شيشنوق أوشاشانق أوششنق) والذي أطلق عليه الاغريق اسم (سيسونخس) واستمرت فترة حكمه لمدة 21 سنة. وبعد وفاته تربع على العرش ابنه (اوسركون الأول) لمدة 15 عاما ومن بعده تاكيلوت لمدة 29 عاما وهكذا باقي ملوك الاسرتين من الأصل الليبي. وهذا يتفق أيضا مع التاريخ الذي وضعه اول مؤرخ مصري وهو (مانيتون السمنودى) وهو الذي وضع أيضا قوائم ملوك مصر واصلهم كذلك.
ملوك الأمازيغ بعد إنتهاء الحضارة المصرية القديمة
بعد انقضاء الحضارة المصرية القديمة الاصيلة وظهور العصر البطلمى على مصر استمرت الحضارة او ملوك الامازيغ، ولعب الامازيغ أيضا دورا فعالا في المؤسسات السياسية سواء مع البطالمة او الرومان حتى ان ثلاثة قياصرة رومان كانوا من أصل أمازيغي وهم (سبتيموس سيفاريوس وابنه كركلا وقريبه ماكرينوس)
فلقد عاصر الامازيغ أقوى دول العالم القديم بل لقد لعبت تلك القوى دورا فعالا في تاريخهم فتفاعلوا معها ثقافيا وعسكري وتعتبر قرطاج نموذجا للتفاعل بين الأمازيغ والفينيقيين وتعتبر قورينا نموذجا للتفاعل بين الأمازيغ والإغريق القدماء.
ومثلما تفاعلوا مع الإغريق والفينيقيين تفاعلوا مع الرومان حتى أن قرطاج الرومانية كانت أقوى مدينة بعد روما عاصمة الرومان فنبغ الأمازيغ في جامعتها ونذكر منهم القديس أوغسطين، وترتوليان وأبوليوس. وتمكن الرومان من وضع نهاية للممالك الأمازيغية بالمغرب القديم إلا أن المقاومة الأمازيغية استطاع إضعاف الوجود الروماني ثم اخراجهم من البلاد.
وفى عجالة سريعة نذكر لمحات عن ملوك الامازيغ ومناطقهم بشيء من الأختصار وعلى المهتمين متابعة ذلك في الكتب والمراجع:
- تكونت مملكة نوميديا على يد ماسينيس في عام 202 ق. م. نوميديا هي أراضي تمتد شرقا من قرطاجة إلى نهر ملوية غربا (الأكَليـد) اسم كان يطلق على الملك الممثل للسلطة المركزية عند الممالك النوميدية. وعمل على توحيد القبائل الأمازيغية القاطنة بين منطقة طرابلس الليبية شرقا ونهر ملوية بالمغرب غربا محاولا الاستقلال عن النفوذ سيرتا بجبال الأوراس الجزائرية.
- تكونت مملكة موريطانيا على يد بوخوس الأول في عام 108 ق. م. يطلق هذا الاسم على الأراضي الواقعة شمال المغرب الأقصى وهو اول ملك أمازيغي وحد القبائل المورية القاطنة بالقسم الغربي من بلاد المغرب الأقصى.
- توحد نوميديا وموريطانيا على يد يوبا الثاني سنة 25 ق.م.
- في عام 40 م تعرضت المغرب للاحتلال الروماني (مملكة مورية) وتربع على عرشها الملك (جوبـا الثـاني) وكان معين من طرف الرومان. ولكنه ايضتا يعتبر اول ملك عمل على انتخاب مجلس بلدي لتسيير أمور المدينة. ومن التاريخ العسكري لهذه المملكة ظهور القائد الكبير (تاكفاريناس) وهو قائد عسكري نوميدى تزعم المقاومة ضد الرومان في عام 17 م.
- وفى منطقة موريتانيا ظهر القائد او أحد زعماء المقاومة (ايديمون) في عام 45 م. وتكتلت حوله القبائل وتمكن من تدمير كثير من المدن الرومانية بموريطانيا الطنجية.
الأمازيع والأديان السماوية الثلاثة
كان هناك علاقات بين الأمازيغ واليهودية والمسيحية والإسلام كما فى التالى:
اليهودية و الأمازيغ
ان علاقة اليهود مع الأمازيغ بدأت منذ القرن السادس قبل الميلاد ووصولهم الى بلاد المغرب مع تجار قرطاج بعد ان دمر الامبراطور البابلي (نبوخ نصر الثاني) مملكة يهوذا عام 586 ق. م. وهكذا بدا الاستيطان اليهودي في بلاد المغرب
اما الهجرة الثانية لليهود لبلاد المغرب فكانت اعقاب سقوط الاندلس وقسوة محاكم التفتيش عام 1492 وهكذا ظهر اليهود في داخل المجتمع الامازيغى وبالأخص في المغرب وفى إقليم وهران بغرب الجزائر الذي به أعداد كبيرة من الناطقين باللغة الإسبانية من اليهود الشرقيين في حين كانت تونس والجزائر وطناً لليهود ذات الجذور الإيطالية من وسط الميدان التجاري (ليفورنو) في البلدان الثلاث كان السكان اليهود يتحدثون اليهودية والأمازيغية والعربية رغم أن هذه اللغات قد طمست إلى حد كبير تحت تأثير اللغة الفرنسية في تلك الفترة الزمنية المذكورة كما كانت هناك أعداد أقل من المهاجرين الجدد من أوروبا.
واستطاع اليهود العيش وسط الأمازيغ واحترفوا كل ركائز الحياة الاقتصادية رعي وصناعة علاوة على التجارة التي حققوا منها ثروات طائلة، خاصة تجارة الرفاهيات والرقيق، ولم يقبل اليهود على الزراعة مهتمين بمهن أخرى تدر أرباحاً سريعة ولا تحتاج للتوطين. ولذلك فان اليهود في المجتمع الأمازيغي لم يكنوا منغلقين على أنفسهم كما يعتقد الكثير من الناس وإنما كان في اختلاط دائم مع سكان البلاد في حياتهم اليومية.
بل كانوا يعيشون في ظل وجود نظام للجوار أو الحماية من طرف القبائل الأمازيغية. فبعد دخول الإسلام للمغرب عام 710 ميلاديا ووعي اليهود بهذه السيطرة دخلوا في حماية الحكام الأمازيغ المسلمين منذ أوائل القرن الثاني الهجري. يهود المغرب اكتسبوا الكثير من عادات المسلمين بدليل أنهم في المدن المغربية كانوا يؤمنون بتعدد الزوجات رغم أن هذا محرم في ديانتهم أما اليهود في القرى والجبال فقد تأثروا بالأمازيغ واكتفوا بالزواج الأحادي. والدليل على ذلك ظهور مخطوط في مدينة مراكش يعود تاريخه إلى سنة ألف ميلادية يتحدث عن تحريم تعدد الزوجات.
وينقسم يهود المغاربة الى قسمين:
- المغوراشيم (ومعناها بالعبرية المطارد) وهم يهود الأندلس.
- الطشابيم وهم اليهود الأصليون الذين سكنوا المغرب قبل الميلاد، وكما يوحي اسمهم.
للكثرة اليهودية في بلاد المغرب عن مناطق الامازيغ الأخرى نجد بانه في المغرب يوجد نحو 36 معبدا يهوديا في المغرب وعدد هام من الأضرحة والمزارات اليهودية في مختلف المناطق المغربية أشهرها في فاس (كنيس دنان) الصويرة، وزان، مراكش، تارودانت صفرو، جدة، تطوان.
كانت الإحصاءات الأولى تشير أن عدد المغاربة اليهود القاطنين في المغرب بلغت حوالي 200 ألف وهو ما كان يشكل حوالي 10% الى 15% من سكان المغرب. التقديرات الحالية حول عدد المغاربة اليهود المقيمين حاليا داخل المغرب، غير معروفة بدقة تشير بعض الدراسات الى حوالي 70 ألف، منهم 10 آلاف يهودي يتوزعون في المدن المغربية الرئيسية وبالذات في الدار البيضاء نصفهم فقط هو المقيم بشكل دائم في المغرب أما النصف الثاني فلديه إقامة ثانوية فقط في المغرب. في تقديرات أخرى وحسب تقرير صادر سنة 2010 عن منظمة أمريكية مهتمة بمراقبة الأديان وحقوق الأقليات في العالم تدعى منتدى (بيو للديانة والحياة العامة) يشكلون نسبة 0,2 في المائة أي حوالي 70 ألف من مجموع المغاربة المحدد عددهم في حوالي 35 مليون نسمة.
لليهود في المغرب نشاط كبير سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، فقد كان يشارك في السلطة المغربية عدد من اليهود نذكر منهم (سيرج بيرديغو) الذي كان وزيرا للسياحة. وكان للملك الحسن الثاني مستشار لشؤون الاقتصادية يهودي يدعى (أندريه أزولاي) والذي ما زال يشغل نفس المنصب في فترة حكم الملك محمد السادس، وفي عام 1986 تم تعيين النائب اليهودي في البرلمان (جو أوحنا) في البرلمان المغربي عن منطقة الصويرة وأمينا لصندوق رئاسة البرلمان.
وتماشيا مع قوانين الجنسية المغربية، صدر قرار الدولة المغربية سنة 1976 بعدم إسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة الذين هاجروا في المراحل السابقة، وبذلك يمكنهم العودة إلى بلدهم متى شاؤوا باعتبارهم مواطنين مغاربة.
المسيحية و الأمازيغ
بداية انتشار المسيحية في الشمال الأفريقي كان مع القرن الثاني الميلادى، وخاصة في بقرة وطرابلس في ليبيا. وكان أول أقاليم المغرب دخولا في المسيحية إقليم (برقة) وكان للمسيحية فيها تاريخٌ طويل هو جزء من تاريخ المسيحية في مصر، ثم انتشرت في إفريقيا وأصبحت هذه الأخيرة من مراكزها الرئيسية وقامت فيها الكنائس وامتدَّت بِصورة سطحية على طول الشريط الساحلي في المغربين الأوسط والأقصى حتى طنجة.
وتُظهر واحدة من أوائل الوثائق التي تسمح لنا فهم تاريخية المسيحية في شمال أفريقيا والتي تعود إلى العام 180 ميلادي (أعمال شهداء قرطاج) وهو يسجل حضور عشرات من المسيحيين الأمازيغ في قرية من مقاطعة أفريكا أمام الوالي.
أتى المبشرون بالمسيحية إلى المغرب خلال القرن الثاني ولاقت هذه الديانة قبولا بين سكان البلدات والعبيد وبعض الفلاحين. وبدأ تنظيم الكنيسة الإفريقية في مُنتصف القرن الثالث الميلادي على يد القدِّيس (قبريا نوس القرطاجي) وانتشرت المسيحية بين كثير من أهالي البلاد الذين كانوا يلتمسون المبادئ التي تحقق لهم ما يصبون إليه من سيادة العدل والإنصاف.
إرتبط التاريخ المبكر للمسيحية في شمال أفريقيا ارتباطَا وثيقا بشخص (ترتليان) الذي ولد من أبوين وثنيين تحول للمسيحية في قرطاج في سنة 195 ميلادي وأصبح قريبا من النخبة المحلية والتي حمته من القمع من قبل السلطات المحلية وهو أول من كتب كتابات مسيحية باللغة اللاتينية. كان مهما في الدفاع عن المسيحية ومعاداة الهرطقات بحسب العقيدة المسيحية ربما أكبر سبب لشهرته صياغته كلمة الثالوث وإعطاء أول شرح للعقيدة.
بعد فترة ترتليان، اتخذت المسيحية طابعا أفريقي أمازيغي في المنطقة. حاول عدد من المفكرين المسيحيين من الأمازيغ مثل تقديم إيمانهم بشكل له المزيد من النظام والعقلانية مستخدمين صفات ثقافة عصرهم نبع ذلك من إدراك أنه إن لم ترد الكنيسة البقاء كشيعة على هامش المجتمع يترتب عليها التكلم بلغة معاصريها المثقفين.
وتكاثر مؤلفات الدفاع، هبرابوليس، أبوليناروس وميلتون وجهوا مؤلفاتهم للإمبراطور ماركوس أوريليوس، وأثيناغوراس ومليتاديس نشروا مؤلفات مشابهة حوالي العام. لقد ساهمت الشخصيات المثقفة مثل أوريجانوس، ترتليان، وقبريانوس القرطاجي في تسهيل دخول المسيحية ضمن المجتمع السائد.
من الأمازيغ بالديانة المسيحية وظهر عدد من الكتّاب والقديسين الأمازيغ فضلا عن شخصيات محورية في التاريخ المسيحي من أمثال توتيلينونس وأرنوبيوس وقبريانوس القرطاجي وآريوس ومونيكا، كما برز أوغسطينوس كأحد آباء الكنيسة وأحد أهم شخصيات الفكر والفلسفة المسيحية. كما وتربع ثلاثة بابوات من الأمازيغ على عرش البابوية وهم فيكتور الأول وملتيادس وغاليليوس الأول.
وقد تعارضت التعاليم المسيحية مع المفاهيم الرومانية القائمة على تأليه الأباطرة وعبادتهم إلى جانب آلهة روما، واستشعرت الإمبراطورية بالخطر لما رفض النصارى الالتحاق بالجيش الروماني والمشاركة في حروب الدولة، فقام الإمبراطور ديكيوس وطلب في سنة 250م من جميع رعاياه أن يعلنوا عن وطنيتهم بإعلانهم التمسك بالديانة الوطنية والتنصل من كُل العبادات الأُخرى وخاصَة المسيحية والمانوية.
فترك الكثير من النصارى المغاربة ديانتهم حتى قال القدِّيس قبريانوس كلمتهُ المشهورة (لقد كان عددهم أكثر من قوة ايمانهم) واضطهدت الإمبراطورية النصارى وعطَّلت كنائسهم وصادرت ممتلكاتهم، وانتهى الأمر بإعدام القديس قبريانوس بِقطع رأسه.
وعلى عهد دقلديانوس اشتدت الدولة ضد المسيحيين الذين تشبثوا بدينهم وقاموا بِما يُشبه العصيان المدني، وقاوموا الإمبراطورية بِشراسة وعناد حتى أن الكنيسة أعلنت حرمان من يلقي السلاح من رحمتها. ورغم أن الكنيسة نجحت في تنظيم نفسها وفي الصمود بوجه الاضطهادات الرومانيية، الا أنها بقيت مقصورة على سواحل المغرب ولم تصل إلى القبائل الضاربة في بوادي وجبال المغرب الأقصى.
وعرفت الكنيسة المغربية انقساما خاصا بها، هو المذهب الدوناتي نسبةً إلى صاحبه دونات الكبير أسقف الوطنيين الذي أعلن عدم الاعتراف بأي كاهن مهما علت مرتبته طالما كان مستكينا وراضخا للسلطات الإمبراطورية، وطلب الاستشهاد في سبيل ذلك واستجاب له كل الساخطين على الإمبراطورية وخاصة من طبقات الكادحين.
عندما أصبحت المسيحيَّة الديانة الرسمية للإمبراطورية أيام قُسطنطين الأول، وقف هذا الأخير ضد الدوناتية واعتبرهم خارجين عن القانون. وترتب على تحالف الإدارة والكنيسة ضد المذهب الدوناتي أن أصبح المذهب رمز المقاومة الشعبيية، وازداد انتشاره بِزيادة انتشار الفقر والبؤس بين الأهالي الذين ثاروا ضد الحكومة والطبقة الغنية، ودعوا إلى المساواة.
وحاولت الحكومة مجادلة أصحاب هذا المذهب فكان القديس (أوغسطين) ألد أعدائه حيث شهر به وهاجم أساليبه العنيفة وأباح للدولة استعمال العنف ضد أصحاب هذا المذهب لكسر شوكتهم وإعادتهم إلى حظيرة الكنيسة النيقية.
لكن النتيجة جاءت عكسية، إذ تحالف الكادحون والفُقراء مع الدوناتية، واستمر الصراع إلى وفاة دونات سنة 355م، واتخذ شكل الثورة الوطنية في طرابلس ونوميديا إلى سنة 375م. وبعد وفاة دونات استمر أوغسطين في محاربة المنشقين عن الكنيسة الوطنية والهراطقة حتى انتصرت الكنيسة الإفريقية على أعدائها. على أن الدوناتية استمرت بعض جماعاتها إلى القرن السادس الميلادي. وعندما وقعت بلاد المغرب تحت حكم قبائل الوندال الجرمانية ابتدأ فصلٌ جديد من فُصول الصراع الديني.
فقد فرض الوندال على الناس مذهبهم الآريوسي الذي يقول بطبيعة المسيح البشرية، واضطهدوا النصارى النيقين وصادروا أملاك الكنيسة وأموالها وحوَّلوها إلى الآريوسيين. ولما استعاد الروم البلاد المغربية من الوندال، أخذت الدولة تعمل على حسم الخلافات الدينية، فاستعاد البيزنطيون الكنائس المغتصبة وثأروا من الآريوسيين أشد الثأر، واضطهدوا الدوناتية وكذلك اليهود ولكن ذلك لم يمنع انتشار مذاهب جديدة مثل النسطورية القائلة بِثُنائية طبيعة المسيح، الإلهية والإنسانية.
وأخيرا اختفت الجماعات المسيحية الأمازيغية في تونس والمغرب والجزائر في القرن الخامس عشر. ومع إعادة إحياء المسيحية في القرن التاسع عشر في منطقة المغرب الكبير، أزدادت أعداد المتحولين للمسيحية بين الأمازيغ حيث تشير التقديرات إلى أن هناك ما يقرب من نصف مليون مسيحي أمازيغي، الغالبية منهم تعيش في منطقة المغرب الكبير، الى جانب جاليات معتبرة في الشتات في أوروبا الغربية والأميركتين.
الإسلام و الأمازيغ
اعتنق أيضا الامازيغ الإسلام وان كان الامر في بدايته ليس بالسهل مثل مناطق مصر والشام، وخاصة ان الامازيغ كانوا غير متفهمين للأمر لما سمعوه وخاصة الجزية وهم يريدن حريتهم وعاداتهم وتقاليدهم. ولذلك كثرت الحروب بينهم لأكثر من الخمسين عاما واستطاع المسلمين إخضاع الأمازيغ ودخول الكثير منهم في الإسلام.
وهنا قال الحاقدين حتى اليوم فان الامازيغ في تاريخهم الإسلامي ضربوا أعظم اعمال الإخلاص والفتوحات والصدق والأمانة ويكفى انه منهم ظهر القائد العظيم فاتح الاندلس (طارق بن زياد) وهو القائد الذي فتح الأندلس في وقت زمني أكسبه شهرة عالمية حتى أن مضيق جبل طارق قد سمي نسبة إليه، بل أن الأندلس على الرغم من أنها قد خضعت لغير الأمازيغ عرفت بالحضارة المرية كاسم للحضارة الإسلامية في الأندلس، والمور هو أحد أسماء الأمازيغ وهذا يبرز تأثير الأمازيغ في الأندلس التي خضعت الأمازيغيتين المرابطون والموحدون.
ومن ناحية أخرى غير حربية كان طارق بن زياد مجاهدا يكرس حياته لنشر الإسلام، أتته البشائر وتلك سيما المخلص الصادق في إسلامه. ولم يكن يتحرز أو يتحرج كما يتحرج بعض معاصرينا من الاصطفاف إلى جانب العرب المسلمين لنشر الإسلام، كان في جيشه أكثر من عشرين تابعيا صحبوا وأخذوا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: علي بن رباح اللخمي، وزيد بن قاسط السكسكي، وحيوة بن رجاء التميمي، وعلي بن عثمان بن خطاب وغيرهم.
بعد اعتناق الأمازيغ للإسلام أصبحوا من أهم حماة العقيدة الإسلامية بل حملوا على عاتقهم نشر الايمان بالله في أوروبا ولا زالوا منذ أزيد من أربعة عشر قرنا الرواد في الدعوة الإسلامية مستفيدين من عدد المهاجرين المرتفع في أوروبا.
مع حلول الإسلام في أفريقيا ودخول العرب استعربت اقلية نخبوية من الأمازيغ بتبنيها اللغة العربية أو بالأحرى اللهجة العربية المغاربية. أما أمازيغ جزر الكناري فقد تبنوا اللغة الإسبانية غير أن الكثير منهم يعتبرون أنفسهم أمازغيا.
إمارة النكور
في عام 706 ميلاديا ظهرت إمارة النكور أنشأها واحد من الفاتحين المسلمين العرب في شمال المغرب الأقصى يسمى (صالح بن منصور الحميري) وقد استمرت هذه الإمارة في الوجود حتى قضى عليها المرابطون في القرن الحادي عشر. وكانت في معظم فترات تاريخها حليفة لدولة بني أمية في الأندلس ومعتمدة عليها) ما كان لصالح أن يصنع تاريخا لوحده، ولا لمدينة أن تظهر بإسلامها وتثبت على ذلك عهودا لولا اللحمة الدينية التي جمعت أبناء الريف بالفاتح المسلم وقبلت دعوته، فقد كان صالح داعية للإسلام أوصل دعوته إلى صنهاجة وغمارة وكثير من القبائل.
إمارة الإدارسة
في عام 782م. وانه لولا الأمازيغ ما أقيمت هذه الامارة ولها قصة في التاريخ الأمازيغى الاسلامى. فكان هناك رجل امازيغى من أصل بحبوحة ورئيس قبيلته وهو (إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوربي) واقبل عليه إدريس بن عبد الله الكامل فأقبل عليه إسحاق وأكرمه وبالغ في بره.
فلما دخل رمضان من السنة جمع إخوانه وقبائل أوربة فعرفهم بنسب إدريس وفضله وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وعلمه وكمال خلال الفضائل المجتمعة فيه، فقالوا: الحمد لله الذي أتانا به وشرفنا بجواره فهو سيدنا ونحن عبيده نموت بين يديه فما تريد منا؟ قال: تبايعونه، قالوا: سمعا وطاعة، ما منا من يتوقف عن بيعته وما يريد. ثم بعد ذلك أتته قبائل زناته وأصناف قبائل البربر من أهل المغرب منهم زواغة وزواوة ولماية وسدراتة وغياثة ونفزة ومكناسة وغمارة فبايعوه ودخلوا في طاعته.
وهكذا ظهرت خلافة الادارسة بمساعدة الامازيغ إذ وجدت فيه رمز الإسلام لما علمت من شرف نسبه وكرم أخلاقه، فملاء بهيبته القلوب فانجذبت إليه محبة وتعظيما. ويكشف ذلك عن تعلق روحي بآل البيت يكنها لهم الأمازيغ. واقيمت الامارة على الرعية والقسم بالسوية، وإحياء السنة وإماتة البدعة، ونفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد وفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فانطلق الأمازيغ معه غزاة مظفرين في البلاد فنشروا الإسلام ووصل إلى آفاق كانت مرتعا للخرافة والرذيلة، وتوطد الأمن وتآخت القبائل وتوحدت بعد عهود من الصراع والنزاع، فظهرت لأول مرة في شمال أفريقيا دولة إسلامية تحمل كل معاني الدولة الحقيقية.
المرابطين
ان المرابطين لهم دورا كبيرا أيضا ف الإسلام معهم تبدأ دورة جديدة حارية إسلامية في شمال افريقيا وتكون على يد رجل صوفي من الامازيغ وهو (عبد الله بن ياسين) من قبيلة (لتمونه) فكان عبد الله تلميذ المربى الصوفي (وجاج بن زلو) ورفيق الرجل الصالح (يحيى بن إبراهيم الكدالى) فشرع يعلم القبيلة ويكبحهم عن كثير من مألوفاتهم الفاسدة مثل الزواج بأكثر من أربعة، وابعادهم عن الفتن والمؤامرات والصراعات.
وفى بادئ الامر وجد منهم صعوبة كاملة ولم ينصاعوا له، فلما رأى إعراضهم عنه قرر الرحيل فأشار عليه يحيى الكدالي باعتزالهم في رباط يقيمون به للتعبد والتنسك ما بقي من حياتهما إلى جانب سبعة آخرين من قبيلة كدالة.
وتسامع الملثمون بهم فصاروا يتواردون عليهم حتى بلغ عددهم المآت وتقبلوا دعوته عن طواعية واقتناع، وقد سماهم ابن ياسين (المرابطين) للزومهم رابطته.
وفى عام 1044 م، وجه ابن ياسين إنذارا للملثمين وأعيانهم بعد أن وعظهم وحاول إقناعهم باللين حتى يغيروا منكراتهم، فقد كان أمراؤهم يتصرفون في الرعايا بشدة العسف والظلم وحملهم على مقتضى الشهوة والغرض فلم يلتفتوا إلى نصحه فأخضعهم بالقوة، فبدأ بلتمونة وكدالة ثم مسوفة فدخلوا في طاعته وبيعته بعد أن تابوا عما هم عليه.
وفى عام 1057 وبرغبة من فقهاء قبيلة سجلماسة دخل إليها فوضع حدا لمظالم بني وانودين وقتل أميرها (مسعود بن وانودين) كما استولى على درعة. ثم واصل المرابطون فتوحاتهم وتخليص البلاد ممن يسوس الناس بالقهر والظلم. فأسندت قيادة الجيش إلى (يوسف بن تاشفين) وقد كان ممن قبل دعوة ابن ياسين عن طواعية وصحبه في رباطه، فزحف إلى السوس فاستولى على تارودانت ثم أغمات فتادلا ثم شرع المرابطون في جهاد البرغواطيين أثخنوا فيهم قتلا وتشريدا حتى أعادوهم إلى الإسلام، وهناك استشهد عبد الله بن ياسين، هكذا تنتهي حياة هذا الرجل العظيم وقد أمضى عشرين عاما في الدعوة والجهاد وتربية الرجال وقيام خلافة المرابطين.
وبعد انقضاء دولة المرابطين، اتسع نفوذ الفقهاء ذوي الفكر المتشدد فكرسوا عقلية متحجرة في التفكير والمعتقد وضيقوا على حرية المذاهب، كما تحكمت النساء في كثير من وظائف الدولة. أما الوضع الاجتماعي فقد انحل وطغى الفساد واستشرى البغي والخمر بين الناس وفسدت الأخلاق، ووسط هذا الوضع المتأزم الذي طال كل ميدان كان لابد من رجل يعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي، رجل يكرس حياته لبناء ما تهدم، ويجدد في الأمة قوتها وحيويتها، فكان الامازيغى محمد ابن تومرت.
محمد بن تومرت وتأسيس دولة (الموحدين)
ولد محمد بن تومرت في عام 1194 م، فشب قارئا محبا للعلم وكان يكن (أسافو=الضياء) لكثرة ما كان يسرج من القناديل بالمساجد لملازمتها. ورحل إلى المشرق طالبا للعلم فحج ودخل العراق فلقي العلماء وفحول النظار وأخذ عن الأشاعرة وكان في جملة من لقي من العلماء الذين أخذ عنهم العلم الشيخ الإمام (أبو حامد الغزالي) رضي الله عنه وارضاه، لازمه لاقتباس العلم منه ثلاث سنين، فكان أبو حامد الغزالي إذا دخل عليه المهدي يتأمله ويختبر أحواله الظاهرة والباطنة، فإذا خرج عنه يقول لجلسائه: لابد لهذا البربري من دولة.
وهكذا صبح رجلا له من قوة الطموح ما يمكنه من الثبات أمام كل العقبات التي قد يصادفها، وله من العلم والبصر بأمور الدين والدنيا ما يؤهله لوضع خطة كفيلة بإخراج البلاد من أزماتها. وهكذا أقيمت خلافة او دولة الموحدين ولقد كتب كتابا قيما وهو في لبه سيأسى دينى والمزج بين الامرين. وأطلق على هذا الكتاب اسم (أعز ما يطلب) وهو يقوم على ممارسة السياسية لتجسيد عقيدة
قوامها التوحيد والتنزيه المطلقان الأمر الذي دعا إلى اعتماد وسائل متعددة، منها وسيلة تعلم التوحيد واكتسابه، ووسيلة الحرب والتقتيل من أجل التوحيد. وذهب إلى أبعد من ذلك، فقرر وجوب العلم بالتوحيد وتقديمه على العبادة، ثم قرر أن إثبات العلم بالتوحيد لا يكون إلاّ عن طريق العقل. ولقد سنة لم تكن موجودة من قل في الأمور السياسية الخاصة بالدولة فقرر انشاء عدة مجالس تساعده في الحكم وهي:
- مجلس العشرة: على غرار صحابة الرسول العشرة من خيرة المساندين للحركة الموحدية. وتميز هؤلاء الأعضاء العشرة بالعلم والقدرة على القيادة وروح التضحية ومن أبرزهم (عبد المؤمن بن علي) والذي يعتبر فعلا اول حاكم على دولة الموحدين.
- مجلس الخمسين: وضم رؤساء خمسين قبيلة سباقة لمساندة الحركة الموحدية وهو مجلس ذو طابع استشاري
- جماعة الطلبة: دعاة الحركة في البداية والذين مارسوا فيما بعد التربية والتعليم والإدارة والجيش
ولقد شملت دولة او خلافة الموحدين الدول الاتية: ليبيا، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا وكانت عاصمتها مراكش.
وهكذا كان تاريخ مختصر لأعظم دولتين اسلاميتين في الشمال الافريقى وبقيادة الامازيغ أنفسهم، سواء مرابطين او موحدين وهكذا سنة الحياة أيضا بين ارتفاع وهبوط وبداية انتهاء دولة الموحدين واضطراب الأحوال، وظهر فيها علماء الفتنة واستبداد رؤساء العشائر بالإدارة ونمو الشعور بالقوة الفردية فتفككت دولة الموحيدن تماما. وهكذا تفككت وحدة الشمال الافريقى ونتج عن لك ظهور ثلاث أمارات او دول إسلامية في الشمال الافريقى متنازعة ومتحاربة للأسف الشديد وهي:
- دولة بنى حفص شرقا
- دولة بنى زيان بالأوسط
- دولة بنى مرين غربا
العثمانيين والشمال الافريقى
بعد انهيار الاندلس وظهور قوة وسطوة الاسبان والبرتغاليين وجماعة فرسان القديس يوحنا بدا الشمال الافريقى يتعرض لهجمات وغزوات من الغرب لم يكن يعرفها من قبل، ولذلك احتل الاسبان مناطق مرسى كبير، وهران، بجاية، طرابلس الغرب وجربه بداية من عام 1505 حتى عام 1511، وظل الأسبان يركزون احتلالهم على الساحل دون التوغل في داخل إفريقيا بسبب الصعوبات وعنف المقاومة المحلية التي كانت تواجههم، ولانشغالهم في حروب أخرى في الجبهة الأوروبية.
وفى نفس الوقت تاريخيا كان ظهور العثمانيين بقوة ورغبتهم في تسيد الشمال الافريقى وانضمامهم الى الخلافة العثمانية الكبرى وكان البداية مع البحار التركي الكبير (عروج باشا) ومحاولته لإنقاذ الشمال الافريقى وتكم هكذا الاتراك من طرد الاسبان وبداية تشكيل حكومات محلية صغيرة اعترفت بها الدولة العثمانية بشكل تدريجي ولكن هذه الحكومات لم تكن حكومات مستقرة، فقد واجهت اضطرابات محلية، كما أنها لم تكن حكومات منظمة خاصة في المجالات الإدارية وإنما ظلّت تستند على القوة العسكرية والجهاد البحري ضد سفن النصارى وبحارتهم الذين واصلوا هجومهم على المناطق الإسلامية في شمال إفريقيا.
وعلى الرغم من أن تبعيّة الدويلات القائمة في مناطق شمالي إفريقيا للدولة العثمانية كانت اسمية، إلا أن تلك الحكومات تقوت بفضل احتمائها وتبعيتها الاسمية للعثمانيين الذين كانوا أسياد الموقف الدولي أنداك، وقد كانت المواجهات البحرية بين تلك الدويلات وبين الغزاة الأسبان فاتحة الطريق أمام وجود عثماني مركز في شمالي إفريقيا.
وهكذا ظهر الحكم العثماني في الشمال الافريقى ومركزهم الكبير في منطقة طرابلس الليبية، ولكن كان هناك بعضا من التخوفات الى حد ما من منطقة المغرب والحكم العثمانى. وخاصة ان منطقة المغرب آنذاك كانت تشكل حلقة تضاد بين الصراع المسيحي المتمثل في إسبانيا والبرتغال، والعالم الإسلامي متمثلاً في الإمبراطورية العثمانية، وبحكم التقارب المذهبي السني بوجه خاص والديني على وجه العموم لهذه الأخيرة مع المغرب.
وبالرغم من هذا التقارب المذهبي الا انه في حقيقة الامر والدراسة الحقة لابد ان نعترف بانه بالرغم من كل المشاكل التي كانت تعانى منها المغرب آنذاك وبالرغم من الدول العثمانية كانت سيدة العالم آنذاك أيضا الا ان المغرب كان دائما ضد التبعية الكاملة للخلافة العثمانية، وتأزم الامر بينهم تماما وخاصة بعد اغتيال الاتراك في فترة حكم الولي المغربي الأمازيغى (محمد الشيخ السعدى) في عام 1557.
نعم وحقا فان الشمال الافريقى فعلا استنجد بالعثمانيين لنجدتهم من اليد الاسبانية والبرتغالية وقام الاتراك فعلا بحمايتهم وطردهم من مناطق الشمال الافريقى ورضوخ الكثير من المناطق للسيادة العثمانية الا منطقة المغرب فكان لها رأى اخر تماما وكان السبب في المقام الأول (السعديين) الذين يدعون بأنهم من اهل البيت اما الاتراك ولو حتى كانوا مسلمين فهم أصلا من العجم وليس من اهل البيت، وبالرغم من تسيد الاتراك آنذاك بعض مناطق المغرب الا ان ذلك لم يثنى المغاربة في رفض اية سيطرة تركية على المنطقة.
وعن طريق بعض الخيانات الأوروبية حدث التصادم بين الاتراك وبين السعديين وأصبحت المنطقة غير هادئة تماما وأصبحت العلاقة متوترة بين العثمانيين والسعديين متواصلة حتى انتهاء كلاهما ودخول العالم الى العصر الحديث وقيام الحرب العالمية الأولى.
الشمال الأفريقى بعد أحداث الحرب العالمية الأولى
بعد قيام الحرب العالمية الأولى وافول نجم الخلافة العثمانية في عرف التاريخ، ظهر الشمال الافريقى في عدة تمردات وخاصة بعد انهيار الدولة العثمانية فظهر التمرد او التمردات السنوسية ضد الايطاليين، وكذلك التمردات المغربية وخاصة جزء منحاز للدولة العثمانية ضد البريطانيين والايطاليين وجزء موالي للحكم الذاتي والبعد عن كل الأطراف المتنازعة ولكن وضح عالميا بان الاتراك لم يصبح لهم كلمة عالمية بعد الان وخاصة بعد معاهدة لوزان بسويسرا.
الشمال الأفريقى بعد أحداث الحرب العالمية الثانية
وهذا يرجع الى التاريخ الحديث واحتلال جميع مناطق الشمال الافريقى بل وبتسيد كامل حيث أصبحت ليبيا احدى المقاطعات الإيطالية اما دول المغرب العربي (تونس الجزائر المغرب) فتحت السيادة الفرنسية، وفى ذلك تاريخ خاص للفرنسيين في منطقة الجزائر بلاد المليون شهيد.
وبعد بداية العالم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية انتهى أيضا التاريخ الحضارى لشعب الامازيغ تماما بل ولشعوب إسلامية أخرى مثل فلسطين وبعض مناطق الجنوب الأسيوي المسلمة ولم يتكلم أحدا عن الامازيغ بالرغم من المحاولات التي ظهرت في فترة الثمانيات انتهاء باتسيس المعهد الامازيغى في مملكة المغرب كما سبق القول في عام 2001.
الأمازيغ في وقتنا المعاصر
ان الأمازيغ في وقتنا المعاصر وحسب احصائيات المعهد الملكي للأمازيغ في مملكة المغرب ينقسمون الى ثلاثة قبائل رئيسية:
- قبيلة الطوارق: وهم بدو الأمازيغ الأصليين السكان الأصليين للصحراء الكبرى.
- قبيلة الزنتان: وهي القبائل التي تقطن في شمال غرب ليبيا.
- المور: وهم أمازيغ موريتانيا وهم السكان الأصليين لموريتانيا أيضا.
احصائيات موثقة من عام 2014، من المندوبية السامية للتخطيط التابعة لليونيسكو.
الأمازيغ فى المغرب
يشكل الأمازيغ 26% من أجمالي عدد السكان ومقسمين على مجموعة من المدان المغربية الكبرى في ثلاثة مناطق.
- منطقة الشمال والشرق: وتمتد على مساحة حوالي 50. 000 كيلومتر مربع ويسكنها الناطقون بالريفية والزناتية. ويوجد الناطقون بالريفية والزناتية بالإضافة إلى تواجدهم بمدن الشمال الغربي (طنجة تطوان) أيضا ببعض المناطق في الأطلس المتوسط وإقليم فكيك.
- منطقة الاطلس المتوسط: (كافران وخنيفرة واموزار مرموشة) هي منطقة واسعة متنوعة جغرافيا ومناخيا لا تطل على البحر، وتبلغ مساحتها ما لا يقل عن 50. 000 كيلومتر مربع، وتتميز بقساوة في المناخ تتراوح ما بين البرد القارس في أعالي جبال أطلس وجفاف الصحراء الشرقية
- مناطق سهل سوس: وهي مناطق واسعة متنوعة تبلغ بها لهجات (تاشلحيت / تاسوسيت)
الأمازيغ فى الجزائر
تنتشر اللغة الأمازيغية في الجزائر بمناطق كثيرة أهمها:
- منطقة القبائل: وتنتشر بها اللهجة القبائلية في المنطقة الواقعة شمال الجزائر ويبلغ عدد المتكلمين بها حوالي خمسة ونصف مليون نسمة مستعملة في منطقة القبائل التي تضم كل من ولايات ولاية تيزي أوزو، ولاية بجاية، بومرداس، البويرة وجزء من ولاية سطيف وولاية برج بوعريريج وولاية البليدة وولاية المدية والجزائر العاصمة لتواجد الولايات الأخيرة على الحدود مع تيزي وزو وبجاية.
- منطقة الشاوية: تستعمل اللهجة الشاوية في الجزائر من حيث التعداد البالغ قرابة 3. 5 مليون نسمة مستعلمة في ولايات باتنة، وخنشلة وأم البواقي وتبسة وسوق اهراس وقالمة.
- بنو مزاب: تتركز اللغة المزابية أساسا بولاية غرداية (تغردايت) الواقعة في الخط الأحمر بين الشمال والجنوب وهي الشبكة الجغرافية المسماة (وادي مزاب) يبلغ تعداد المتحدثين بالمزابية حوالي 100 ألف نسمة.
- الطوراق: يستعملون اللهجة التارقية عند الطوارق الذين يفضلون تسمية تماجيغت، يتواجد الطوارق في ولايات: تمنراست واليزى وأدرار وبشار. يبلغ عدد المتحدثين بها نصف مليون نسمة، كما أن الطوارق يتواجدون كذلك في ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو
- الشناوية: يتواجد استعمال هذه اللهجة بجبال الشنوة بولاية تيبازة وأيضا ولاية الشلف يبلغ تعدادها حوالي 600 ألف نسمة.
- الشلحة: متواجدة بولاية تلمسان ولاية البيض على الحدود الجزائرية المغربية مستعملة ببني بوسعيد، يبلغ عدد المتحدثين بها حوالي 13 ألف نسمة وأصل أمازيغ المنطقة من قبيلة زناتة.
- أمازيغ تقارقرانت: ويتواجدون بالقرب من ورقلة وتوقرت ونقوسة عدد مستعمليها غير محدد. كما يتواجد بالجزائر الكثير من المناطق الأمازيغية المعربة حيث تستعمل هذه المناطق الكثير من الكلمات الأمازيغية مثلما هو الحال في ولاية جيجل وسكيدة وحتى بعض المناطق بغليزان. كما نجد لهجة تزناتيت بتيميمون ولاية ادرار ولهجة أخرى يكلمونها في اقلي ولاية بشار وأخرى بالبيض (بوسمغون) ويوجد بولاية البليدة أمازيغ بني صالح وبني ميصرة وبني مسعود
الأمازيغ فى تونس
يشكل الأمازيغ اليوم في تونس 100,000 نسمة ينتشرون في مطماطة، تطاوين، جزيرة جربة، قبلي، سوق الأحد، ڨفصة، الڨصرين وتكرونة والكاف وسليانة.
الأمازيغ فى ليبيا
يتركز الناطقون بالأمازيغية في جبل نفوسة ويستعملون اللهجة (الجبالية) وفي الشمال الغربي بمدينة زوارة (تامورت) أو (أتويلول) و(الغدامسية) في غدامس وفي الشرق جالو وأوجله وواحة الجغبوب.
مع الإشارة إلى الكثير من المناطق التي تعرب لسانها وبقت اسماءها أمازيغية كتاجوراء ذو الأصول أمازيغية حيت كانت تاجوراء تسمي قديما تاگوراء ومرادفها بالأمازيغية المشي، بالاضافئ إلى زليتن ومصراتة وورفلة وترهونة وككلة وسرت ومسلاتة وغريان وجنزور وزناتة والغرارات والغار في طرابلس وغيرها.
وتعني كلمة سرت باللغة الأمازيغية (خليج) وأصل تسمية مصراتة يرجع إلى كلمة مسراتة وهي مشتقة من الجذر مسر الذي هو الجذر مصر في اللغة العربية الفصحة ويعني المدينة أو طمي السيول (الطين الأحمر) حسب ما ورد في لسان العرب لابن منظور، أما الألف والتاء فكما يقول ابن خلدون ان الامازيغ إذا ارادوا جمع كلمة ما زادوها الف وتاء
الأمازيغ فى مصر
السيوي هم المجموعة العرقية الأمازيغية المتواجدة في مصر، ويقطن معظمهم في واحة سيوة. يوجد بالواحة حوالي 23000 نسمة ويتحدثون اللغة السيوية، وهي لغة أمازيغية شرقية، حسب لغات العالم. كما يوجد عدد كبير من الأمازيغ في قنا والذين ينتمون لقبائل الهوارة.
الأمازيغ فى موريتانيا
تعتبر موريتانيا للأنصاف التاريخي حتى قبل قدوم العرب اليها أقدم مملكة أمازيغية ورمزا للحرية وملجأ الثوار الأمازيغ الأشاوس الفارين من غزاة روما. ثم فيما بعد في التاريخ الإسلامي انطلقت أكبر دولة أمازيغية مغربية تحت قيادة أمير المرابطين الأمازيغي يوسف بو تشفين والتي امتدت حدودها من تخوم السنيغال والسودان القديم (مالي ونيجر) إلى عمق بلا د الأندلس ارتقت هذه المملكة الأمازيغية بفضل أبطالها ومقاتلي الصحراء إلى مكانة عالية ترهب الأعداء وتتوعد كل من سولت نفسه المساس بكرامة الشعب الأمازيغي في شمال إفريقيا. يبلغ الامازيغ في موريتانيا حوالى 80 % من السكان والمعروف بان عدد سكانها الإجمالي الان 3 مليون و300الفا نسمة.
أشهر المأكولات الأمازيغية الشهيرة
ان المأكولات الأمازيغية لها أيضا تاريخ كبير وخاصة انها اطعمة مفيدة صحيا وتتفق مع الطبيعة الصحراوية وكذلك مع الصحة العامة للإنسان في أي مكان ويظن الكثير من الناس انها اكلة مغربية الأصل ولشهرة المغرب في هذه المأكولات او البعض منها معروف في جميع دول الشمال الافريقى، ومن اهم هذه الاكلات الامازيغية شواء كانت مطبوخة او من الحلويات ما يلي:
الكسكسي – الهريسة – خبزة مرفوسة بالثومية – زميطة – شربة اللوسة (شربة الطمام) – رشتة البرمة – ركوكش بالحريقة.
الخلاصة الهامة في هذا البحث
يتأكد لنا من المتابعة البحثية بان هناك من يحاول بعد هذا التاريخ كله ان يهاجم الإسلام وكما هي العادة في عصرنا الحديث تحت أي مسمى من المسميات واتهام الإسلام بأجبار الامازيغ في السابق في الدخول فيه او ان الإسلام هو سبب ضياع واضمحلال حضارة الامازيغ.
وفى حقيقة الامر لقد تابعت كل الآراء المؤيدة والمعارضة لهذا الامر، وأحب ان اؤكد من ناحيتي الخاصة بان الإسلام نفسه كان دائما منبع قوة الأمازيغ وسدى قومتهم ونهضتهم وصانع تاريخهم ما كانوا يناضلون بعيدا عن الدين ولا كانت مواقفهم تصدر عن غير الإسلام.
فمنذ تأسيس الحركة الثقافية الأمازيغية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بدا واضحا تقاطع السياسي والثقافي داخل الملف المطلبي الذي سعت هذه الحركة إلى تبنيه، دفاعا عن الحقوق الثقافية واللغوية التي نادى بها النشطاء الأمازيغيون، مطالبين بإنصاف الدولة والمجتمع. وقد تركزت أبرز مطالب الحركة في البداية في دسترة الأمازيغية، وإدماجها ضمن السياسة التعليمية المتبعة بالمغرب.
وقد بدا واضحا كذلك أن موضوع العلاقة بالإسلام يشكل موضوع تجاذب داخل أروقة النقاش حول المسآلة الأمازيغية حيث صرنا نلاحظ لدى بعض نشطاء الحركة، إما السكوت عموما عن الموضوع الديني كعنصر أساسي في بناء الهوية المغربية، أو المجاهرة بعدائه صراحة، والتصرف في معالجة الموضوع. وفى هذا الإطار ظهر الصوت المنادى بعول فم من النشطاء وخاصة في المغرب دون اية منطقة أخرى امازيغية بان الإسلام عنصر دخيل فرض على الامازيغ سكان المغرب الاولين بالقوة ومن هنا بدا الصراع السياسي الديني حول حقوق الامازيغ.
وعلى الجانب الاخر ظهر الصوت العالي الذي يقول (الرؤية الأمازيغية المتطرفة) ومن الذي ورائها من الغرب سواء كانت فرنسا او اسبانيا. ولكن للإنصاف التاريخي الحديث فهناك الكثير من الامازيغ أنفسهم وكذلك في المغرب يقولون بالنص الصريح في مؤتمراتهم ((أن مثل تلك التصورات المتطرفة تكذبها وقائع التاريخ، فهؤلاء لا يرون أن الإسلام ما كان ليمتد داخل الجغرافيا المغربية لولا احتضان الأمازيغ المغاربة أنفسهم للفاتحين المسلمين ولولا انصهار أواصر الدم والقرابة لدرجة يستحيل معها الحديث عن عرق ودم خالصين))
وفى ذلك نقاط بحثية كثيرة رواها لنا المدافعين في ردهم على المهاجمين بدون سند تاريخي او قانونى على الاطلاق وحتى انه في اثناء عصور المغرب مع الخلافة العثمانية فان المغاربة كما سبق القول لم يكونوا ضد السياسة العثمانية بل ضد السيادة العثمانية على أراضيهم، فالامر ههنا كان سياسيا وليس دينيا على الاطلاق، وفى هذا الامر اود ان اطرح على حضارتكم عدة نقاط هامة توضيحية من علماء فندوا هذه الاقاويل ولنتمشى معها خطوة خطوة لتكذيب هؤلاء المنافقين في عدة نقاط هامة ولقد افرد الأستاذ (احمد عصيد) رئيس المرصد الامازيغى للحقوق والحريات والذي ألف كتابا رائعا باسم (الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي) وذلك في عام 1998 ونقتبس من هذا الكتاب الرائع عدة نقاط ردا على كل ذلك مثل:
- أولا: القول بأن بعض الأمازيغ يعادون الإسلام هو كلام مبالغ فيه وغير دقيق لأنه عندما نتصفح جيدا ما يقال أو ما يكتب سوف نجد أنه لا يتعلق بالدين تحديدا، بل يتعلق بتوظيفاته وأشكال استغلاله الإيديولوجية. فالأمازيغ يرفضون كل أشكال الوصاية، ومن بين أنواع الوصاية تلك التي تحاول السلطة أو القوميون العرب ممارستها عبر استعمال الدين. فعندما تقول إن للأمازيغية حقوقا يقال لك إن العربية لغة القرآن، وهي لغة أهل الجنة والإسلام يجمعنا. . . إلى غير ذلك من العبارات التي هدفها استعمال الدين من أجل حرمان الأمازيغ من حقوقهم. فإذن المعركة الرئيسية هي معركة ضد كل أنواع الحيف أو الوصاية بما فيها تلك التي يستعمل فيها الدين الإسلامي، هذه الأشكال من الاستعمال التي أساءت إساءة بالغة إلى الدين الإسلامي.
- ثانيا: تقول الأستاذة المغربية (فاطمة زهيد) باحثة جامعية من الأصل الامازيغى في دراسة شيقة منشورة لها حول هذا الموضوع كمسلمة أمازيغية حتى النخاع، أعتقد أن المسألة مرتبطة بفهمنا للهوية وهذا ما يفسر عداء بعض النشطاء الأمازيغ للإسلام، فهناك خلط بين الهوية والدين الذي هو شيء آخر. فمن الممكن ان أكون فارسيا أو كرديا أو تركيا، لكن لا يمنع من اكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا، إذن فهم الهوية هوالذي يطرح إشكالا لدى بعض النشطاء الأمازيغ.
- ثالثا: القول بوجود استغلال للدين من قبل السلطة والقوميين العرب، يعني أن الطرف الآخر له الحق في استغلال الدين بينما أنت لا حق لك في ذلك، في حين أن الإسلام هو مكون أساسي للمسلم الأمازيغي كذلك. هويتنا الجماعية هي هوية إسلامية أمازيغية شئنا أم أبينا، وهذه الهوية لايمكننا أن نتنصل منها، لأننا ورثناها من أجدادنا المسلمين الأمازيغ الذين أسلموا مع حسان بن النعمان وعقبة بن نافع وبايعوا إدريس الأول. وتنصلنا من هذه الهوية لا يتناغم مع الإيمان الكبير لقبيلة (أوربة) وزعيمها (إسحاق بن عبد الحميد)
- رابعا: الإسلام أعطى للأمازيغ البعد الأخروي وربطه بالله عز وجل، والأمازيغ آووا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طرد من المشرق وذبح آل بيت رسول الله وقتلوا تقتيلا فاستقبلهم الأمازيغ وزوجوهم بناتهم. والأمازيغ آزروا الإسلام وجاهدوا تحت أسوار القدس رفقة الكردي صلاح الدين الأيوبي وكانوا تحت إمرة يوسف بن تاشفين الصنهاجي أسد المرابطين في معاركه بالأندلس.
- خامسا: التطرف موجود في مختلف الحركات في العالم، ولا يمكن للحركة الأمازيغية أن تشكل استثناء. فمن داخلها هناك متطرفون، لأن من يناقش الإسلام والأمازيغية ويسعى إلى خلق صراع بين الأمازيغية والإسلام، فأكيد جدا يمكن اعتبار هذا الشخص متطرفا أو متشددا. يسعى إلى إثارة المشاكل للأمازيغية، علما بأننا بعيدون كل البعد عن هذا السؤال. فنحن نعتبر أن أمازيغ شمال إفريقيا اعتنقوا جميع الديانات التي تعاقبت على هذه المنطقة ومن بينها الدين الإسلامي. كما أن الأمازيغ ساهموا في نشر الدين الإسلامي بمختلف ربوع شمال إفريقيا وصولا إلى الصحراء الكبرى، وهم أيضا من تحملوا نشر الإسلام في الأندلس. وفى هذا الشأن يقول الأستاذ الباحث (رشيد الحاجي) المنسق الوطني للتنسيق الوطني الامازيغى بالمغرب والذي ألف كتابا باسم (الأمازيغية والمغرب المهدور) وخصص فيه فصلا كاملا بعنوان (الأمازيغية والإسلام) لمناقشة موضوع العلاقة بين الثقافي والديني.
- سادسا: الأمازيغية كانت ضحية جفاء الفكر القومي والسياسات المركزية وان سؤالكم حول عداء الامازيغية للإسلام فيه الكثير من الاجحاف وسوء الفهم. وهذا ربما بسبب اعتمادكم في هذه المعاينة الخاطئة على بعض الافتراءات وما يروج له مناهضو الخطاب الأمازيغي في المغرب في حربهم الإيديولوجية المكشوفة، خصوصا منذ بروز الأمازيغية بشكل قوي في فضاء النضال الحقوقي والنقاش العمومي. فالحركة الأمازيغية لم تعاد أبدا كل ما هو إسلامي وما هو عربي. وكما يعلم الجميع فالفضل يعود للأمازيغ في المساهمة الكبيرة في تطوير اللغة العربية والإنتاج بها في رسوخ نموذج الإسلام المغربي المعتدل المنسجم مع إطارنا الثقافي والهوياتي والمناقض تماما للنماذج الشرقية والسلفية التي نرى اليوم نتائجها في عدة مناطق في العالم.
وهذا الشأن أيضا يقول الأستاذ الدكتور (محمد حنداين) رئيس مركز الدراسات الامازيغية والتاريخية والبيئية بأغادير أن الحركة الأمازيغية تعادي من يعادي الشعب الأمازيغي في لغته وثقافته وهويته، وفى نفس الوقت ارفض بشدة كل من يقول بان المغرب لم يعرف فتحا إسلاميا بل عرف غزوا إسلاميا. وحتى ولو قلنا مجازا الغزو الإسلامي، فتاريخ الإسلام مليء بمصطلح الغزو. فغزوة بدر وغزوة أحد موجودة بشكل عادي لدى المؤرخين العرب والمسلمين. فالمشكلة في شمال إفريقيا هو أن الإيديولوجية القومية العربية أرادت أن تلبس تلك الكلمة مفهوما إيديولوجيا، ونحن نرفض ذلك. أما الإسلام في الغرب الاسلامي فقد نشره الأمازيغ.
أما قضية معادة النشطاء الأمازيغ لكل ما هو إسلامي وعربي فهو غير صحيح، ولا يوجد في أدبيات الحركة الأمازيغية ما يشير إلى العداء بسبب الدين أو العرق، لأن مبادئ الحركة الامازيغية تتأسس على منظومة الحداثة والمساواة بين الناس بدون تمييز بسبب اللون أو الدين أو العرق.
وفى هذا الشأن يقول أيضا الأستاذ (عبد الإله استيتو) منسق الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف نطالب بإعادة كتابة تاريخ شمال افريقيا، وليست هناك أي توجيهات من الخارج في ما تسمونه أنتم في سؤالكم عداء للعرب والإسلام. وأنا أؤكد أن الحركة الأمازيغية ليست لها أي مشكل مع الدين الإسلامي ولا مع كافة الديانات. فالحركة الأمازيغية تدرك جيدا أن المغاربة دينهم الإسلام وخطاب الحركة الأمازيغية هو خطاب حداثي تقدمي علماني، وربما يكون هناك نوع من التأويل لخطاب الحركة الأمازيغية وتأويل مقصود من قبل أطراف تعادي الحركة الأمازيغية لتشويه الحركة الأمازيغية.
والنقطة الثانية تهم سوء فهم أطراف معينة لخطاب الحركة الأمازيغية. فالحركة الأمازيغية كما قلت لا تعادي الدين ولا العرق كيفما كان الحركة الأمازيغية تؤمن بحرية المعتقد. أما التصريحات التي تعادي الإسلام فهي شاذة ومعزولة جدا والحالات الشاذة لا يمكن أن تعمم والأفكار التي تحملها لا علاقة لها بخطاب الحركة الأمازيغية وهي لا تمثل إلا نفسها.