الحج إلى أبيدوس لم تعرف فى اللغه المصرية القديمه كلمة محدد تشير الى مفهوم الحج، فاذا اردنا ان نحدد بدقة ماهو المقصود بكلمة حج فهو زيارات يقوم خلالها الافراد بمغادرة أماكن اقامتهم الى اماكن اخرى بدافع دينى بحت، ويرفض فيلدونج اعتباران كتابات الزائرين من المقيمين بالقرب من مركز دينى كتابات حج وعموما فان يويوت يبدو محقاً فى اعتبار ان الحج بهذا التعريف المحدود يعتبر نادراً جداً فى مصر القديمة، لسبب اساسى وهو ان الغالبية العظمى من شعب مصر كانت ذات دخل محدود لا يسمح لها بوجود فائض يكفى لتغطية نفقات مثل هذه الرحلات المكلفه.
لهذا فقد كان بعض الموظفين يستغلون فرصة تكليفهم بمهام رسميه بالقرب من أحد تلك المراكز الدينيه ليقوموا بتحقيق تلك الامنيه العزيزة وهى زيارة هذا المكان وترك لوحة أو نقش لدى المعبود لينول البركه. ومن امثلة تلك الزيارات ما ذكره الموظف (خنت ام سمى تى) رقم 574 بالمتحف البريطانى والتى يذكر فيها ان الملك قد ارسله فى مهمه تفتيشيه للجنوب فإستغل وجوده فى الفنتين وقام بتقبيل الارض امام خنوم سيد الشلال ثم ايضا عند عودته ثبت لوحة باسمه (فى مكان المعبود أوزير بابيدوس اله الغربيين خنتى امنتيو سيد الابديه وحاكم الغرب الاعلى اكل خبزه واخرج لضوء النهار ولعل روحى تتمتع بالشعائر التى يقيمها الناس).
وكذلك لوحة تورين 1465 المكرسة لاوزير وايزيس معاً بواسطة كاتب أملاك معبد رمسيس الثانى فى هليوبوليس المدعو محو والذى كرسها ايضاً باسم اسرته.
أبيدوس ومكانتها قديماً
تسمى عرابة ابيدوس (العرابه المدفونه سابقاً) وهى تتبع حالياً مركز البلينا بمحافظة سوهاج وهى تتبع الاقليم الثامن من اقاليم مصر العليا القديمه واسمها القديم ابيجو.
اكتسبت ابيدوس نصيباَ من القداسه لوجود معبد الإله خنتى امنتي امام الغربيين او عالم الموتى على حافة الاراضى الزراعيه المؤديه اليها وعلى حافة الطريق المؤديه الى مقابر الملوك فيها، وزادت قدسيتها بعد عصر بداية الاسرات بعد ان اعتبرها المصريون مقر لضريح المعبود اوزير.
ففى عصر الاسرة الثانيه عشر اعتبر المصريون مقبرة الملك جر احد ملوك الاسرة الاولى هى مقبرة المعبود اوزير عندما قرأوا اسم جر على انه خنت وربطوا بينه وبين المعبود خنتى امنتى ونظرا للتشبيه الذى ساد بين المعبود اوزير والمعبود خنتى امنتى اعتبروه قبراَ له وأضافت نصوصهم ان روح اوزير تعيش فى ارض بكر قرب ابيدوس.
المعبود خنتى امنتى
كان اله الغرب فى اقليم تاور (ابيدوس) وطبقاً لقائمة سنوسرت الاول كان الإله خنتى امنتى المعبود الرئيسى لابيدوس وكان يرمز له بحيوان ابن اوى مثل انوبيس واقدم ما عثر له هو كسر من اوان حجريه ترجع لعصر التأسيس ويذهب البعض ان الاله اوزير قد جاء من الدلتا الى ابيدوس واستقر بجوار الإله خنتى امنتى ثم ما لبس ان اندمج الالهان واصبحا اوزير خنتى امنتى.
الحج إلى أبيدوس
حرص الافراد منذ الدولة الوسطى وحتى عصر الرعامسه على الاقل على تصوير رحلتى الذهاب والاياب الى ومن ابيدوس على جدران المقابر فى بنى حسن وطيبة حتى وصلت لحوالى 35 مقبرة صورت مشاهد هذه الرحله وبلغ من شعبيته أن عثر على حوالى 2000 لوحة بها غير موائد القرابين والتماثيل وغيرها من اللقى الجنائزية التى خلفها زوار هذا المكان، كما اننا نعرف لوحات كثيرة. قد جاءت من وادى المقاصير والتى كانت تكون سلسله من ا لمقاصير النذريه الصغيره على امتداد طريق مواكب اوزير فى ابيدوس وهى تعبر عن ورع الطبقتين الوسطى والعليا فكانت بوجودها فى طريق المواكب تضمن لصاحبها أن يشارك للابد فى احتفالات أوزير كان ينظر اليها باعتبار مقر اوزير الفعلى وليس مدينته الاولى.
(امام رع الذى فى السماء ، وامام اوزير الرب العظيم الذى فى ابيدوس)، وايضا عبرت متون الاهرام من خلال تلك الفقرات التى تشير الى اتمام الشعائر الجنزيه: (الغسل فى امعائه بواسطة انوبيس والدوران الذى داره حور فى ابيدوس (ساعة) لف اوزير) والمقصود هنا هو تحنيط اوزير فى ابيدوس ودوران حور حول ابيه ليحيطه بلفائف التحنيط بالاضافه الى اكثر من نص يعبر عن استقرار اوزير فيها (الواقف بلا وهن فى قلب ابيدوس) حتى اصبحت فى نهاية عصر الدولة القديمه اعز امنيه لكل مصرى ان يدفن فيها.
ومن ثم فقد دفنت هناك منذ الاسرة السادسه اعداداً من الناس لاحصر لها ليكونوا قريبين من الاله ليتلقوا هدايا الالهه من قرابين وبخور واصبح الدفن فيما بعد فى ابيدوس صعباً فأصبحت اقصى الامنيات ان يزور الواحد منهم ابيدوس ولو لمرة فى حياته وان ينقش اسمه قرب الاله حتى يضمن لنفسه مكاناً بين المتميزين من الموتى وحتى يتمكن من المشاركه فى اعياد اوزير واستقبال السفينه الالهيه التى ينتقل فيها.
واما من اراد ان يدفن خارج ابيدوس فيقيم لوحا تذكارياً واستغل العديد من الموظفين ايام عصر الدولة الوسطى ثرائهم فى اقامة لوحات جنزيه واقامة تماثيل صغيرة فى معبد اوزير بابيدوس ففى مقبرة خنوم حتب فى بنى حسن يصور رحلته الى ابيدوس وكيف التقى باوزير وشارك معه فى اعياده ثم عاد ودفن فى مقبرته فى بنى حسن وكان هناك اعتقاد بان المتوفى ينال بركه خاصه بوجوده بجانب اوزير ولان بعضهم كان يرغب فى ان يدفن فى موطنه فكانوا يطمحون فى ان تكون لهم مقبره رمزيه فى ابيدوس فقد بنى احمس لجدته تتى شرى مقبرة رمزيه فى ابيدوس.
وهناك نصوص للوحات كان الافراد يقيمونها فى جبانتهم خاصة فى عصور الدولة الوسطى واهمها ترجع الى سنوسرت الثالث وامنمحات الثانى وهى لوحة (ايخر نفرت) بمتحف برلين – لوحة سحتب ايب رع فى متحف القاهرة – لوحة منتوحتب بالقاهرة ويذكر الثلاثه انهم شاركوا فى الاحتفالات السنويه فى ابيدوس والبعض اعتبر ابيدوس مملكة اوزير والبعض اعتبرها وسيلة للاقتران بالسماء للوصول الى دروب العالم السفلى.
وقد تم الربط بين اعياد اوزير فى ابيدوس فى الدولة الوسطى واعياد سوكر فى الدولة الحديثه واحتفالات اوزير فى شهر كياك فى ا لعصور المتاخره فالثلاث اعياد ذات اصول واحده وكان عادة يقوم بها الرجل وزوجته اثناء حياتهم وكان فى الغالب يرتدون ملابس خاصه من الكتاب الابيض واستدل على ذلك من النقوش والمناظر المصورة وكانت ملابس حابكه ضيقه تغطى جسد الرجل والمراه بينما تدل مناظر العودة على تحللهم من هذه الملابس وارتبطت طقوسهم بناشيد معينه.
رحلة المتوفى الى ابيدوس
كانت الشعائر الجنزيه فى مصر القديمه تهدف الى اعطاء المتوفى الحياة وهى احدى الطرق التى أمن بها المصريون القدماء خلودهم بعد الموت وجاءت معرفتنا بهذه الطقوس من تصويرها على حوائط القبور والنصوص التى حفظت فى المقابر مثل نصوص الاهرام او البرديات، وكان طبيعياً ان يهتم المصريون القدماء باليوم الذى يحمل فيه المتوفى الى القبر بقدر اهتمامهم باختيار القبر المناسب، وكانت الطقوس تختلف باختلاف الطبقات ولا يوجد مده محدده تفصل بين يوم الوفاة، وتشييع الجنارة والذى كان يتاخر بسبب رحلة ابيدوس كان الميت يوضع على سفينة مطرزة يصحبها الكهنه أما الاقارب والاصدقاء فيصحبونها فى سفينة أخرى.
فاذا وصل الى ابيدوس حيا الالهه بالكلمات الاتيه: (السلام عليك ايها الاله العظيم) (ياسيد تاور العظيم فى ابيدوس) (لقد أتيت إليك فأنت صاحب؟ العطف) (واستمع لندائى ولب ما أقوله) (فانى أنا واحد من عابديك) وبما أصابت الجثه ما يكفيها من قرابين أوزرير وكان عليها ان تعبر النيل فى موكب مكوناً من قارباً مزين يتوسطه التابوت وبجوار الجثه النسوة من أقارب المتوفى بندبن ويولولن فى الوقت الذى يقوم فيه الكاهن بتقديم القربن وحرق البخور أمام المومياء، ويضم القارب الذى يسبق الجثة عدد من النسوة يولون فى أتجاه الجثه ويضم قارباً ثالثاً الاقارب الذكور ويمتلئ الرابع بزملاء المتوفى وأصدقائه يحملون عصيهم وفى تقويم مقبرة نفرحتب فى طيبه الغربيه حدد موعد الرحلة الى ابيدوس باليوم الثامن من الشهر الاول من فصل الفيضان وفى تقويم معبد حابو ذكر عيد (برت عات) وكانت احتفالات اوزير فى ابيدوس تجرى فى الشهر الاول للفيضان.
وفى لوحة ايخر نفرت والتى صور فيها العيد فى صورة تمثيليه تستغرق عدة ايام يشارك فيها العديد من الربات فى صورة معركة رمزيه بين فريقين يمثل احدهما ابناء اوزوريس والاخر ست والتى نتنهى بانتصار اوزير وعودته الى مقبرته فى ابيدوس وكان الكهنه يرتدون الاقنعه ويمثلون دور الالهه وكان الجانب الجنائزى فى هذه الاعياد يتمثل فى الطواف الجنائزى بتوابيت الموتى.
ففى لوحة ترجع الى احد ملوك الاسرة 13 ويدعى سخم رع نفر حتب تروى نصوصها (ان الملك جمع مستشاريه وبحث معهم فى وثائق معبد اتوم فى اونو على حقيقة اوزير من اجل صياغة تمثاله فى ابيدوس فارسل الملك رسولا الى ابيدوس لا ستقباله فى ابيدوس ووصل الملك الى ابيدوس ويصل موكب اوزير يأمر الملك بان تقدم له القرابين) وتهشم النص ثم نجد فى السطر 18 يقول (دحر الاعداء على المركب)، وهى عبارة وردت ايضاً فى مقبرة ايخر نفرت، وهى دليل على تمثيل الصراع ضد اعداء اوزير، ولكن لا توجد اشاره هنا الى برت عات وهو اهم مناسك الحج وكانت الرحله تتم احيانا بالتماثيل حيث يقوم الكهنه بدفن تمثالا بشكل مومياء وكانت هذه الاعياد تستمر من اليوم الثامن للشهر الاول من الفيضان حتى اليوم 26 من نفس الشهر وكانت ذروتها فى اليوم 22 من نفس الشهر.
كما شهدت مناظر مقابر اشراف الدولة الحديثه فى طيبه الغربيه تصوير بعض المناظر زيارات رمزيه استوحت من بوتو وسايس وهليوبوليس فاقيمت مقاصير رمزيه تحمل اسماء هذه المدن وطافت بيه مراكب تحمل تمثال المتوفى خاصة عندما اتخذ النعش شكل المركب من الاسرة 18 وطوال عصر الرعامسه ليكون جر المركب والمومياء تماماّ للزيارات الرمزيه وكانت مناظر الطقوس الجنزيه لاشراف الدولة الحديثه تتم فى الصاله الطوليه للقاعة الثانيه التى على هيئة حرف تى المقلوب لكن فى عهد امنحوتب الثالث نقلت الى الجدار الايسر من القاعه الاولى مثل رعموزا وفى عهد الرعامسه كانت على الجدارين الايمن والايسر للقاعه الاولى وكانت هذه الطقوس فى عهد الاسرة ال18 تتم فى حماية كل من الاله امننت اله الغرب وانوبيس اله التحنيط واوزوريس رب محاكمة الموتى.
رحلة العودة
كان فى رحلة العوده يتحرك نفس الموكب وعندما تصل القوارب الى الشاطئ الغربى يبدأ الاحتفال بتشييع الجنازة بوضع التابوت على زحافة يجرها اربعة ثيران كان أهم ما فى الاحتفال بالدفن ويتم فتح فم المتوفى وصب المياه أمامه ويتخلل هذه الطقوس ولولة الزوجه وهى تحتضن المومياء وتحيطها بذراعها قائلة (أنى أنا أختك مريت أمون – أيها العظيم لا تتركنى.
كيف يحدث أن أكون الان بعيدة عنك؟ إنى ذاهب الان وحدى ….أنت يامن كان يحلو لك الكلام معى أصبحت صامتاً) وكان يجرى لذلك موكب أحتفال لتشييع الجنازة ولكن يختلف الى حد ما حسب المركز الاجتماعى باتصاف بعضه بنوع من التهذيب ففى الدولة القديمة واثناء جر تابوت المتوفى يطلق فيه الكهنه البخور وترافق المغنيات والراقصات الموكب وعلى سطح المصطبه ذات الطريق المنحدر كان يقدم القربان أمام التمثال قبل أن يختفى فى ظلمات الغرفة المخصصه له وكانت صناعة الجعه وعمل الخبز تلعب دوراً كبيراً عند الدفن وحيث تحفظ العديد من نماذج تماثيل الخدم الذين يقومون بهذا العمل فى المتحف المصرى.
وكانت هناك طقوس للمتوفى تتمثل فى تقديم القرابين وحرق البخور أيام الاعياد وذبح حيوان التضحية وهو مشهد هام عند المصريين فى الدولة القديمة والذى عادة يكون ثوراً أو بقرة وحشية حيث تربط الارجل الخلفية مع رجل أمامية ويربط حبل حول اللسان، ويشد هذا الحبل فيسقط الحيوان على الارض فإذا تم ضربة وجمع الدماء تبدأ عملية التقطيع والتى تبدأ بالارجل أفضل جزء فى الحيوان ثم تبقر البطن ويخرج قلب الحيوان ثم يأتى المشرف الذى لابد وأن يعلن أن الذبيحة طاهرة بشم الدم وتفحص اللحم ثم يقرر أنها ذكية فيتم وضع الافخاذ على مائدة القرابين وكان يقال عنها أنها (قربان يعطيه الملك) حتى وأن أحضره أقارب المتوفى ونظراً لما يحتاجه استمرار هذه الطقوس من تقديم للقرابين وغيرها لجأ العديد من المصريين فى الدولة القديمة الى حبس وتعيين أوقاف للانفاق على هذه العملية.
وقد صورت عودة المركب بعد مغادرة البقاع المقدسه فى قبر بتاح حتب حيث بدت السفينه الكبرى تحت سطر من الكتابه يقول (التقدم من دار النسيج الى الغرب الجميل تحت الاله العظيم) ولا نعرف المقصود بدار النسيج فربما هى الدار التى كان الجثمان يقيم فيها ايام الحج فى بوتو وكان الموكب اثناء عودته من الحج يهبط مرة اخرى فى دار التحنيط حيث يتهيأ لمرحلة الدفن وفى مقبرة د بحتى يوجد سطران يعبر اسفلهما عن نقل التمثال، اما السطر الاعلى فلم يبق منه الا جماعة من الرجال يجرون شيئاً ما لعله التابوت وبجواره جمله بقى منها (صنع له من المحنط الى القبر) وهى دليل على ان ما ورد فى القبر صدر عن دار التحنيط ومنها الى المدفن حيث يحمل التابوت فى زحافه يجرها ثوران او يستبدل احيانا التابوت بناووس بداخله تمثال يعبر عن المتوفى وكان المشيعون يرتلون الاناشيد والدعوات لطقوس يتم من اعلى الى اسفل.
وخلاصة الامر ان المصريون قد عرفوا شعائر الحج منذ القدم والتى ربما لاحظنا كيف انها تتشابه فى بعض الامور مع شعائر الحج عند المسلمين فنجد المصريون فى حجهم يمارسون الطواف بعيدا عن ما يطوفون حوله وهى نفس الشعيره التى عرفها المسلمون وهى الطواف كما ان المناظر التى نقشت على المقابر تدل على المصريين ارتداء ملابس خاصه بالحج وهو نفس الامر عند المسلمون وايضا تحللهم منها بعد انتهاء الشعائر وهو نفس الامر عند المسلمين.
ومما سبق نستطيع ان نستنتج ان ممارسة الشعائر الدينيه قد تتشابه فى كثير من الاحيان رغم اختلاف المعتقد ولكن ممارسة التعبد هى فطره عند الانسان والمصرى القديم كان يبحث دائما عن السبب فى وجود هذا العالم وعرف ايضا ان هناك قوه عظمى هى التى تدفعه فالكثير من الامور وظل الانسان يبحث دائما عن هذه القوى ويحاول التقرب منها بمختلف الطرق وان اخطا فى بعض الاحيان حتى انعم الله على هذا الانسان بارسال الانبياء ليدله على هذه القوى العظمى ومثلما هى امنية كل مسلم هو زيارة بيت الله الحرام فان امنيه كل مصرى كانت زيارة ابيدوس وبعض المسلمين ايضا يتمنون ان يدفنوا فى البقاع المقدسه كما كانت امنية كل مصرى فالدين ليس له زمان.