قبل تناول الحديث عن أماكن العواصم في مصر القديمة وطريقة اختيار الحكام المصريين لها يجب ان ننوه بأنه لطالما كانت مصر بلدا زراعيا من الطراز الأول. وكان مجتمع مصر زراعيا في المرتبة الأولى. فقد كان لا بد من وجود شريان للحياة يروي تلك الأراضي الزراعية ويشق هذه الأراضي شقا كي ينبت فيها حبا وزرعا بإذن الله تعالى. ولقد كانت ومازالت المياه هي سببا رئيسيا في وجود الحياة والبشر وكل شيء حي كما ذكر رب العالمين في كتابه العزيز ((وجعلنا من الماء كل شيء حي)) سورة الأنبياء – صدق الله العظيم.
ولوجود الماء عظيم الأثر في وجود مدن ومجتمعات عمرانية وأيضا الاستقرار. ولما كانت المدن والقرى هي التكوينات والوحدات الرئيسية التي يتكون منها المجتمع. لذا كان من اللازم الإهتمام بما تحتاجه هذه القرى والمدن من لوازم الحياة. ولما كانت العاصمة هي المكان الذي يستقر فيه الحاكم. فكان لابد من توفير كل ما هو طيب وجميل وتسخيره لخدمة هذا الحاكم.
طريقة اختيار الحكام أماكن العواصم في مصر القديمة
ولذلك ومنذ قديم الأزل ومنذ بداية العصور المصرية القديمة نجد الحكام يتخيرون أماكن العواصم بالقرب من المجاري المائية. وذلك لأن العاصمة هي المقر الرئيسي والحضاري لأي دولة.
فقبل التوحيد كانت عاصمتي الشمال والجنوب تقعان كل منهما بالقرب من النيل. ففي الشمال بوتو أو تل ابطو أو تل الفراعين عاصمة الشمال تقع في مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ حاليا. وفي الجنوب نجد عاصمة الجنوب نخب تقع في مركز ادفو بمحافظة أسوان حاليا.
ففي الأسرة الأولى عندما وحد الملك نعرمر القطرين جعل العاصمة في منف ((قرية ميت رهينة مركز البدراشين محافظة الجيزة حاليا)).
ومن المعروف أن الجيزة تقع بالقرب من النيل. ومن بعد ذلك اتخذ ملوك الدولة الوسطى عواصم هي الأخرى قريبة من النيل.
ففي عصر الأسرة الحادية عشر نجد العاصمة في ((اهناسيا)) أهم مدن محافظة بني سويف.
وفي الأسرة الثانية عشر نجد العاصمة تنتقل للجيزة مرة أخرى حيث اثت تاوي حاليا قرية اللشت مركز العياط محافظة الجيزة.
ثم بعد ذلك في عصر الدولة الحديثة نجد العاصمة في طيبة وهي الآن محافظة الأقصر وكانت تتبع من قبل محافظة قنا ولقنا علامة مميزة على الخريطة المصرية بثنية النيل المشهورة.
عواصم العصر المتأخر واواخره
بعد ذلك نأتي للعصر المتأخر وعواصمه الشهيرة التي تكاد تقترب من كل فروع النيل في الشمال. ففي بداية العصر المتأخر ورغم انقسام البلاد إلى شطرين ما بين سمندس في الشمال وحريحور في الجنوب بقية كل من عاصمة الشمال والجنوب بالقرب من مجاري النيل المائية. ففي الشمال كانت العاصمة ((جعنت)) أو ((تانيس)) صان الحجر مركز الحسينية محافظة الشرقية.
وفي الجنوب ظلت طيبة بآثارها الشامخة العريقة عاصمة للجنوب ثم تأتي الأسرة الثانية والعشرون بعاصمة جديدة بجوار الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية الحالية وتتبعها إنها بو-باستت تل بسطة مقر عبادة المعبودة باستت.
اما في الأسرة السادسة والعشرون تنتقل العاصمة من شرق الدلتا إلى غربها فنجد في قرية صا الحجر التابعة لمركز بسيون محافظة الغربية اليوم والتي كانت تسمى ساو باللغة المصرية القديمة مقرا لهذه الأسرة المهمة التي طهرت مصر من براثن احتلال غاشم على يد الآشوريين.
وفي آواخر العصر المتأخر في الأسرة التاسعة والعشرون نجد المقر ينتقل لتل الربع أو منديس أو تل منديس أو كما يطلق عليها في اللغة المصرية با – نب – جد، وهي تتبع مركز السنبلاويين بمحافظة الدقلهية. وتقع بالقرب من نهر النيل ثم تختم الأسرات المصرية عواصمها ومقرات استقرارها في غرب الدلتا مرة أخرى في سمنود أو سبنتيس أو ثب – نثر كما كان يطلق عليها في اللغة المصرية القديمة وهي مركز سمنود التابع لمحافظة الغربية الآن.
انتهاء عصر الاسرات المصرية
بعد انتهاء عصر الأسرات المصرية ودخول مصر في العصرين اليوناني والروماني واتخاذ الإسكندرية عاصمة للبلاد نجد أن النيل يصب بها.
وأيضا نجد أن ترعة المحمودية الحالية والتي كانت تسمى قديما ترعة شيديا وفي بعض الآراء خليج الإسكندرية القديم (رأي عمر طوسون) كانت تمد المدينة بالماء العذب.
إذا فالماء في كل العصور يعتبر صانع الحياة والحضارة والمخلفات الحضارية أساسها الحياة وأساسها الماء ترى فهل هناك علاقة بين الماء والحضارة؟