قبل تناول البحث عن بطليموس سوتر وكيفية تأسيس دولة البطالمة في مصر ننوه بأنه فى نوفمبر عام 333 قبل الميلاد انتصر الإسكندر الأكبر على الفرس بقيادة داريوس فى معركة إسوس التاريخية الحاسمة. بعد المعركة توجه الإسكندر الى مصر بدلا من مطاردة قلول الفرس فى الشرق. فمصر بموقعها الجغرافى، ومكانتها الثقافية، وأهميتها الاقتصادية كمركز رئيسى لإنتاج الغلال، كانت بالنسبة للإسكندر فى تلك المرحلة أهم من مطاردة الفرس فى الشرق.
بداية دخول الاسكندر مصر
دخل الإسكندر مصر وفى صحبته جنراله بطليموس لاجوس، الذى وصف رحلة الإسكندر إلى مصر فى كتابه الذى دونه فيما بعد عن سيرة الإسكندر الأكبر.
بطليموس لاجوس، الذى عرف أيضا باسم بطليموس المقدونى وايضا بإسم بطليموس سوتر، كان من كبار قادة الإسكندر، وكانت أمه أرسينوى عشيقة الملك المقدونى فيليبوس الثانى أبو الإسكندر الأكبر. إنضم بطليموس لجنرالات حرس الإسكندر (سوماتوفيلاكس) فى سنة 330 ق.م.
هولاء الجنرالات، بالإضافة لحراستهم للإسكندر، كانوا أيضا مستشاريه وحاشيته. بطليموس كان من المقربين للإسكندر، وكان الإسكندر يقدره ويحترمه، من جهة بسبب حنكته فى التكتيكات العسكرية، ونجاحه فى الحملة العسكرية التى قادها فى آسيا ضد سكان الجبال فى المنطقة المعروفة الأن باسم باكستان، ومن جهة ثانية بسبب قدراته الأدبية وولعه بكتابة التاريخ.
بعد أن أكد كهنة معبد الوحى فى واحة سيوة للإسكندر بأنه ابن الإله المصرى آمون، الذى كان عند اليونانيين يوازى الإله زيوس، وبعدما إطمئن على سيطرته على مصرغادر الإسكندر مصر مع بطليموس لمطاردة الفرس فى آسيا سنة 331 ق.م.
موت الاسكندر قبل عودته الى مصر
وعد الإسكندر بالعودة إلى مصر، لكنه لم يعد إليها أبداَ بسبب وفاته فجاءة فى بابل فى صيف عام 323. بموت الإسكندر صارت امبراطوريته بلا حاكم، فاجتمع جنرالات جيشه ونصبوا أخيه الغير شقيق أرياديوس خليفة له ولقب باسم فيليبوس.
الجنرالات كانوا يدركون أن أرياديوس مجرد شاب صغير بلا قدرات ذهنية ولا طموحات، مما سيمكنهم من السيطرة عليه وتسييره، إلى أن تأتى اللحظة المناسبة لتقسيم الامبراطورية فيما بينهم.
بطليموس سوتر
عين الجنرالات بطليموس نائبا لفيليبوس أرياديوس، لكن بطليموس الذى كان يرى أن تقسيم الامبراطورية على الجنرالات أفضل من توريث العرش لأرياديوس، سرعان ما ترك منصبه للجنرال برديكاس، مفضلاً على ذلك أن يكون حاكماً على مصر.
كان بطليموس سوتر يدرك أن مصر بموقعها الجغرافى وإمكانياتها الاقتصادية والبشرية الهائلة تتفوق على كل ولايات الامبراطورية، وأنه اذا ولى عليها فلسوف يتمكن من تحويلها إلى مملكة مستقلة قادرة على الصمود أمام طموحات برديكاس الذى كان يطمع فى حكم كل الامبراطورية.
بطليموس سوتر وتولى حكم مصر
ولى بطليموس على مصر ووصل إليها سنة 323 ق.م. بعد أن ولاه الجنرالات عليها، هى وملحاقاتها فى ليبيا ومناطق أخرى فى شرقها، وبدأ يخطط للإستقلال بها، فإستقطب أعداداَ كبيرة من ضباط وجنود جيش الإسكندر، وتخلص من الحاكم المساعد كليومينيس، الذى كان الإسكندر قد عينه حاكما على مصر ليجمع له الضرائب والمكوس، بإعدامه بتهمة الفساد.
بعدها توسع بطليموس سوتر جغرافياً بضم قورينة (برقة حاليا) وملحقاتها إلى مصر سنة 322 ق.م، ثم قام بنقل جثمان الإسكندر إلى مصر. الإسكندر كان قبل وفاته قد أوصى بدفنه فى معبد آمون فى واحة سيوة. لكنه لما توفى دفن فى بابل، وبقى جثمانه هناك إلى أن أمر الجنرال أرياديوس بنقله إلى ايجا فى مقدونيا ليدفن هناك مع أبيه.
لكن عندما وصل الجثمان إلى سوريا كان بطليموس سوتر فى انتظاره على رأس جيش خرج به من مصر، أخذ بطليموس جثمان الإسكندر من أرياديوس، بعد أن أخبره بأنه قد قرر نقله إلى مصر كى يدفن فى معبد الإله أمون. اصطحب بطليموس سوتر الجثمان إلى منف ودفنه هناك إلى حين انتهائه من بناء مدينة الإسكندرية. بنقل جثمان الإسكندر إلى مصر لم ينفذ بطليموس سوتر وصية الإسكندر فحسب لكنه قصد بالأحرى تعضيد نفوذه وشرعيته فى حكم مصر.
سيطرة بطليموس سوتر على مصر
إعدام بطليموس سوتر للحاكم المساعد كليومينيس، ونقله لجثمان الإسكندر إلى مصر، واستقطابه للضباط المقدونيين، وعقده تحالفات مع ملوك قبرص، جعلت فيليبوس برديكاس نائب الامبراطورية يتيقن من أن بطليموس قد جعل من نفسه ملكاً غير متوج على مصر، وأنه يخطط للإستقلال بها.
وفى سة 320 خرج برديكاس على رأس جيش لمحاربة بطليموس سوتر واصطحب معه الملكين فيليبوس أرياديوس والطفل الإسكندر ايجوس ابن الإسكندر الأكبر الذى كانت روكسانا فى تلك الغضون قد أنجبته ونصبه الجنرالات ملكاً مع فيليبوس أرياديوس.
بطليموس سوتر من جهته أقام تحصينات وحاميات وقوى دفاعات المدن المصرية، وخرج بجيش إلى بيلوسيوم (الفارما حاليا) لملاقاة برديكاس. إلا أن برديكاس تجنب الإشتباك مع بطليموس فى بيلوسيوم، وتوجه فى جنح الظلام مباشرة إلى منف. لكن عند منف، وبينما برديكاس يتأهب لعبور النيل، وقع تمرد فى صفوف جيشه بزعامة بايثون، اسفر عن انضمام عدد كبير من ضباطه وجنوده إلى صف عدوه بطليموس، فحدث ارتباك كبير فى جيشه، وانتهت غزوته بإغتياله على يد جندى من جنوده.
بمقتل برديكاس انتهت الواقعة وتصالح بطليموس سوتر مع قواد الجيش الغازى، ووقعا فى يده الملكان فيليبوس أرياديوس والإسكندر ايجوس. كان يمكن لبطليموس أن يستغل الملكين فى اصدار أوامر لكافة نواحى الامبراطورية، لكنه لم يفعل ذلك لأنه بحكمته كان يدرك أن فعلة كهذه ستؤلب عليه أعداد كبيرة من القادة. بدلا من ذلك كافأ الجنرالان بياثون الذى خلصه من برديكاس، وأرياديوس الذى أعطاه جثمان الإسكندر، بتعيينهما وصيين على الملكين.
سيطرة بطليموس على الدول المجاورة
بينما تلك الأحداث جارية فى مصر، نشبت فى آسيا الصغرى حرباً مابين الجنرالين أومينيس وكراتيروس انتهت بهزيمة ومصرع الأخير. تلك الحرب عرفت باسم “حرب الوراثة الأولى”. بقتل برديكاس وكراتيروس أصبح الطريق ممهداً أمام بطليموس سوتر للإستيلاء على جنوب سوريا (سوريا الجوفاء) وفينيقيا، حيث لم يعد هناك من يحميهما.
استولى بطليموس سوتر على المنطقتين وعلى أورشليم وضمهم إلى مصرعن طريق جيش كان يقوده نيكاتور. فبل ضم المنطقتين كانت مصر معزولة عن الشرق عن طريق الصحراء والبحر، وكانت التجارة المصرية تجارة داخلية تتم مابين الصعيد والدلتا عن طريق المراكب النيلية، وكانت ثروة البلاد تتركز فى الصعيد.
لكن بعد نجاح بطليموس فى ضم جنوب سوريا وفينيقيا انعكس الوضع مع تحول مركز مصر التجارى إلى شمال مصر والدلتا، وذلك بفضل تحول مصر إلى دولة بحرية بها موانىء تستقبل البضائع المنقولة بالسفن عن طريق البحر المتوسط. منذ ذلك الحين صار الساحل الذى تسيطرعليه مصر يمتد بنحو 1400 كم، من قيرنة غرباً إلى انطاكية شرقاً وفوق ذلك اصبح فى إمكان مصر الحصول على شجر الأرز من لبنان لإستخدام خشبه فى بناء السفن التجارية والعسكرية.
صراعات جنرالات الاسكندر في الشرق
بينما كان بطليموس يدعم سلطانه فى مصر نشبت صراعات وحروب فى الشرق بين جنرالات الإسكندر الأكبر. الجنرالات كانوا يسمون “ديادوجوى” ولذلك عرفت حروبهم باسم “حروب الديادوجوى”. فى سنة 317 ق.م. وقع فى الأسر فيليبوس أرياديوس الذى كانت ولايات امبراطورية الإسكندر تحكم باسمه، وقتل بأمر من أوليمبياس أم الإسكندر التى كانت تكرهه، وأصبح أنتيجونوس حاكما على آسيا الصغرى.
ولما استولى سلوقس على بابل حاربه أنتيجونوس وطرده منها، فهرب إلى مصر وأحتمى ببطليموس، وأقنعه بأن أنتيجونوس يطمع فى حكم كل الامبراطورية، وأنه بعد أن استولى على معظم سوريا، وعقد اتفاقيات مع ملوك قبرص، يستعد لغزو مصر.
غزو بطليموس سوتر لقبرص وفينيقيا لدخول اسيا الصغري
بطليموس سوتر الذى كان لا يتدخل فى صراعات الجنرالات فى الشرق عقد اتفاقيات مع كساندر والجنرال ليسيماخوس للتصدى لأنتيجونوس، وقرر توجيه ضربة له عن طريق مهاجمة قبرص. فقبرص كان الإسكندر الأكبر يعتبرها مفتاح مصر، أما بطليموس، وهو فى مصر، فقد اعتبرها مفتاحه لفينيقيا.
غزا بطليموس سوتر قبرص واستولى عليها، ثم نزل بقواته على ساحل شمال سوريا واستولى على بعض المدن، ومن هناك زحف إلى آسيا الصغرى واستولى على قيليقيا ومالوس، ثم ركب البحر وعاد منتصراً إلى مصر، بعدما تمكن بخطته من تشتيت جيش أنتيجونوس وابعاده عن جنوب سوريا. وفى سنة 313 ق.م.
خرج بطليموس سوتر بجيش ضم إليه المصريين إلى غزة وهزم هناك جيشاً يضم أفيالاَ كان يقوده ديميتريوس ابن أنتيجونوس، ثم انسحب إلى مصر مفضلاً ذلك على مواجهة جيش ضخم فى شمال سوريا تحت قيادة أنتيجونوس. وبهذا الإنتصار سيطر بطليموس على كل فينيقيا.
اتفاقية السلام بين جنرالات الاسكندر
وفى عام 311 ق.م. اتفق الجنرالات على عقد إتفاقية سلام فيما بينهم. هذه الإتفاقية أعطت كل جنرال الحق فى الإستقلال بالمنطقة التى يحكمها، وبذلك تم تقسيم امبراطورية الإسكندر الأكبر على أربعة جنرالات وهم:
- كاسندر فى مقدونيا لحين بلوغ الإسكندر ايجوس ابن الإسكندر الأكبر سن الرشد.
- ليسيخاماخوس فى تراقيا.
- انتيجونوس فى آسيا الصغرى.
- بطليموس لاجوس (سوتر) فى مصر.
إلا أن أتفاقية السلام بين الجنرالات الأربعة لم تضع حداً للصراعات. ففى مقدونيا قام كاسندر بقتل الإسكندر ايجوس وأمه روكسانا، وبذلك لم يتبق على قيد الحياة من عائلة الإسكندر الأكبر سوى أخته كليوباترا التى قبلت عرضاً من بطليموس للإقامة فى مصر، لكن أنتيجونوس قتلها وهى فى طريقها إلى مصر.
ومن جهة ثانية، ديمتريوس ابن أنتيجونوس الذى كان يطمع فى الإستيلاء على قبرص غزاها واشتبك أسطوله مع الأسطول المصرى فى 306 ق.م. أمام سالاميس، وانتهت المعركة بإنتصاره واستيلاءه على الجزيرة. وفى نشوة هذا الانتصار نصب انتيوجونس نفسه ملكاً على كل امبراطورية الإسكندر بما فى ذلك مصر. فقام كساندر بتنصيب نفسه ملكاً على مقدونيا، وبطليموس نصب نفسه ملكاً على مصر.
محاولة غزو انتيجونوس لمصر
فى نهاية شهر اكتوبر 306 ق.م. حاول انتيجونوس مهاجمة مصر بجيش برى وأسطول بحرى معتمداً على تدمير الأسطول المصرى فى سالاميس، لكن لسوء حظه دمرت الرياح سفنه أمام السواحل المصرية. وتمكن بطليموس سوتر من صد الجيش البرى. مما إضطر انتيجونوس إلى الإنسحاب إلى سوريا.
ولكن عندما حاول ديميتيوس غزو جزيرة رودوس المتحالفة مع بطليموس سوتر تمكنت الجزيرة من الصمود بفضل مساعدات بطليموس، إلى أن اضطر ديمتريوس إلى الإنسحاب بعد أن حاصرها لأكثر من سنة. عند انسحاب ديمتريوس هتف أهل رودس باسم بطليموس سوتر الذى ساعدهم ونادوا “سوتر..سوتر” أى “المنقذ..المنقذ”، وهو اللقب الملكى الذى اتخذه بطليموس لنفسه ودخل به التاريخ.
وفى ذكرى وفاة الإسكندر الأكبر الموافق 12 يناير 304 ق.م. فى التقويم الجريجورى نصب بطليموس نفسه ملكاً على مصر باسم “بطليموس سوتر”.
حرب الوراثة الرابعة
فى سنة 303 ق.م. قامت “حرب الوراثة الرابعه” بعد أن تحالف ثلاثة من الجنرالات، ليسيماخوس، وسلوقس، وبليستارخوس، ضد انتيجونس وابنه ديميتريوس. انتهت الحرب سنة 301 ق.م. بمعركة ابسوس التى قتل فيها انتيجونوس.
بطليموس سوتر لم يشارك فى حرب الوراثة الرابعة لكنه استفاد من نتيجة معركة ابسوس حيث تمكن من ضم جنوب سوريا وبيبلوس وربما دمشق. كان فى إمكان سلوقس الإستيلاء على كل سوريا من الفرات وحتى البحر المتوسط، لكنه لم يرغب حينها فى الدخول فى صراع مع بطليموس، إلا أنه فى ذات الوقت لم يتنازل له عن المنطقة، وتم تأجيل الصراع إلى القرنين الثالث والثانى ق.م. حين نشبت حروب ما بين مصر البطلمية والسلوقيين سميت “حروب سوريا”. تحالف بطليموس مع سلوقس وليسماخوس فى الهجوم على مناطق نفوذ ديميتريوس فى آسيا مكنت بطليموس من استعادة قبرص فى سنة 295 ق.م.
استكمال بناء الاسكندرية
استكمل بطليموس سوتر بناء مدينة الإسكندرية. غالبية المبان والمنشأت العامة شيدت على البحر أمام الميناء، وكان من بينها الحوض الملكى المخصص لبناء السفن الحربية، ومعبد بوسيدون، والمدافن الملكية (السوما) التى قيل أن الإسكندر الأكبر قد دفن بها.
داخل الإسكندرية وعلى أطرافها شيدت أحواض لبناء السفن، ومدافن عامة، ومحكمة، وقناة ملاحية متصلة ببحيرة مريوط، ومسارح مكشوفة واستاد رياضى ومضمار لسباقات عربات الخيل (هيبودروم).
ومن أهم المبان التى شيدت فى الإسكندرية فى عهد بطليموس كان “الموسيون” الذى عرف بإسم مكتبة الإسكندرية، ومن خلاله تحولت الإسكندرية إلى أهم مركز ثقافى فى منطقة البحر المتوسط بدون منازع. قبل بطليموس كان اليونانيون يكتبون على أقمشة الكتان والشمع والحجارة وورق الشجر.
ولكن اليونانييون اكتشفوا فى مصر ورق البردى الذى كان المصريون يستخدمونه فى الكتابة. هذا الإكتشاف يعد مساوياً لإختراع المطبعة فى العصر الحديث. بطليموس ذاته كان أديباً ومؤرخاً وله كتاب قيم عن تاريخ حروب الإسكندر الاكبر، وكان يعشق الفن والثقافة ويهتم بالشراء والمؤرخن والرسامين والنحاتين والعلماء وكان يحرص على جذبهم إلى مصر. وقد نجح فى جذب أعداد كبيرة من أهل العلم والفن والأدب، وبهم تحولت الإسكندرية إلى أكبر مركز ثقافى فى العالم المعروف حينها.
نظام حكم بطليموس سوتر في مصر
سار بطليموس على نهج الإسكندر حينما كانت مصر ولاية مقدونية. عاش الجنود المقدونيون داخل معسكراتهم أو فى مدينة الإسكندرية تحت أحكام القوانين اليونانية. أما المصريون فقد عاشوا تحت أحكام القوانين المصرية بإشراف الكهنة والقضاة والموظقين المصريين.
ولم يفرض بطليموس ضرائب على الأراضى التابعة للمعابد المصرية، التى ظلت مفتوحة وتتمتع بحريتها واستقلاليتها، وكان يتم بنائها وترميمها، إضافة إلى اجراء طقوس دفن العجل أبيس المقدس، على نفقة الدولة. الديانة المصرية وليست الديانة اليونانية كانت الديانة الرسمية فى مصر.
فى فترة حكم بطليموس هاجرت أعداد كبيرة من اليونانيين إلى مصر، غالبيتهم استقروا فى شمال مصر. الإسكندرية والمدن لمقدونية كانت تسرى فيها القوانين اليونانية، لكن رغم ذلك لم تكن هناك مدن مغلقة على اليونانيين والمقدونيين وكان يعيش فى الإسكندرية اعداد كبيرة من المصريين غالبيتهم كانوا موظفين وأصحاب حوانيت وتجار وبائغين فى الاسواق.
وكان هناك زواج مختلط بين المصريين واليونانيين. أحياناَ كان المصريون يسمون مقدونيون وكانت الخطب السياسية الموجهة للمصريين تبدأ عادة بعبارة : “يا رجال مقدونيا”. بطليموس كان مهتماً بالوفاق بين المصريين واليونانيين لأنه كان يدرك أنه لن يتمكن من السيطرة على رعاياه المصريين (الأغلبية) ورعاياه اليونانيين (الأقلية) بدون خلق ألفة دينية وثقافية بينهما.
فمصر بتاريخها وإرثها الثقافى والحضارى لم يكن من السهل تذويبها فى ثقافة خارجية وافدة. وعليه ترك بطليموس المصريين كما كانوا ولم يحاول استبدال ثقافتهم ونظمهم الإجتماعية. ورغم زيادة استخدام اللغه اليونانية، مع تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين اليونانيين، إلا أنه لم يحاول فرض قوانين خاصة باللغة، وترك كل مواطن من رعاياه يستخدم اللغة التى تحلوا له.
ديانة الكهنة المصريين وبطليموس
ولكن رغم ذلك اخترع الكهنة وعلى رأسهم الكاهن المصرى “مانيتون” لبطليموس توليفة دينية كان هدفها توحيد المصريين والمهاجرين اليونانيين دينياً تحت حكمه. اخترع الكهنة اله يدعى “سيرابيس”، وهو إله اعتبروه زوجاً لإيزيس وأباً لهاربوكراتس. كان هذا الإله يتمثل للمصريين على هيئة العجل المقدس أبيس، ولليونانيين على هيئة الإله زيوس.
ورغم اختلاف العلماء والباحثون بخصوص هوية ذاك الإله المبتدع إلا أنهم متفقون على أنه لا يخرج عن كونه الإله المصرى “أوزوريس-أبيس” الذى اشتق منه اسم “سيرابيس” ومعناه “العجل المقدس أبيس بعد موته”. شيد لسيرابيس معبداً فى منطقة أبوقير فى شرق الإسكندرية ظل قائماً حتى تم تدميره بعد دخول المسيحية مصر.
سك العملة
من ضمن أعمال بطليموس سوتر الأخرى فى مصر كان سك العملة. فقبل عهد بطليموس كان التعامل التجارى فى مصر يتم بمبادلة السلع والمنتجات بالذهب والفضة بعد وزنهما، لكن بطليموس حول الذهب والفضة والنحاس إلى عملات ذات أوزان ثابتة، وعلى عكس المدن اليونانية التى كان يتم التعامل فيها بعملات خاصة بكل منها، كل نواحى مصر كانت تتعامل بعملات موحدة، نقش عليها رسم لرأس بطليموس واسمه ورسم لصقر فوق صاعقة وهو حرف هيروغليفى يعنى “فرعون”.
وفاته
بعد انتصار بطليموس على ديميتريوس وسيطرته على جنوب سوريا وقبرص مرة أخرى، نصب ابنه بطليموس فيلادلفيوس ملكاً مشاركاً فى السنة الثامنة والثلاثين من حكمه. توفى بطليموس سوتر فى شتاء 262-283 ق.م بعد أن أسس الدولة البطلمية التى حكمت مصر إلى سنة 30 ق.م.