حين نبدأ الحديث عن علاقة مصر ببلاد اليونان (الاغريق) ينبغي بداية ان نشير الي ان هذه العلاقة لم تبدأ كما يدعي الكثيرون من العصر المتأخر وتحديدا العصر الصاوي ولكن سبقتها امثلة كثيرة ظهرت تباشيرها من الدولة الوسطي الفرعونية حيث كشف عن تمثال للمدعو وسر في اثينا.
وبعده عثر علي العديد من الامثلة الفرعونية التي ترجع لعصر الدولة الحديثة وهناك نماذج عليها اسم تحتمس الثالث تحديدا مثل ختم علي شكل المصطبة المدرجة عثر عليه في منطقة اركانيس وكذا بعض التماثيل منها ماهو لحتحور وغيرها من المعبودات.
كلمة الكفتيو
وتشير كلمة الكفتيو التي ظهرت في عصر الدولة الحديثة الي مجموعة من المرتزقة كان المصريون يتاجرون معهم واعتقد البعض انهم قد يكونوا الفينيقيين ولكن تميل العديد من الدراسات الان انهم من فصائل الاغريق الذين تاجروا مع مصر وسبق الدولة الحديثة نص رائع يتحدث عن الملكة اياح حوتب ام الملك احمس الاول يذكرها بالعالمة سيدة الحاونبو والحاونبو هي جزر بحر ايجة المعروفة وقبل السرد في العلاقة المباشرة التي قامت بين مصر والاغريق نشير الي ان كلمة اليونان التي تأتي في العديد من المصادر مشتقة من الديموطية المصرية وينن والتي يترجمها الكثيرون بالمهاجر، لذا لانجد هذه الكلمة علي الاطلاق في النصوص اليونانية الكلاسيكية.
كلمة الاغريق
اما كلمة الاغريق فهي كلمة لاتينية تشير الي منطقة هاجر اليها الهيلينيون في منتصف القرن الاول قبل الميلاد واطلق عليهم الجرايكة واسم بلاد اليونان كما جاء في مصادرهم هو هيليس. وقد استعان الملك بسماتيك الاول بمجموعات كبيرة من الايونيين المرتزقة والتي منها ربما اشتقت كلمة اليونانيون طلبوا من الملك ان يأخذوا مستحقاتهم من خلال وزنات محددة مسكوكة فكانت العملة في القرن السابع قبل الميلاد.
وبعدها بدات هذه الجماعات في الاستقرار في مصر وبدات المشكلات تدب بينهم وبين المصريين الامر الذ اضطر معه الملك احمس الثاني امازيس الذي كان يعرف بصديق الاغريق ببناء مدينة خاصة للجاليات الاجنبية هي نوت قار اس اي بيت ربة السماء وهي المعروفة باسم نقراطيس وموقعها الان كوم جعيف بحيرة، وهي اول مدينة يونانية صريحة حيث كانت كل مقاصيرها مخصصة لالهة يونانية ولم يكن فيها اي مؤشر مصري.
الاسكندر المقدوني
وفي المراحل التالية استمرت العلاقة تتارجح بين الخير والعلاقات الحسنة والشر والعلاقات السيئة بين الطرفين حتي عام 356 حين انجبت زوجة حاكم مقدونيا فيليب الثاني السيدة اوليمبيا نجلها الاسكندر المقدوني وربته في بلاط ارسطو وعام 336 مات الاب وخرج الابن مكملا مشروع ابيه وحارب الفرس عام 333 وانتصر علي الملك دارا الثاني في معركة ايسوس وزحف الي الشرق حتي وصل الي مصر عبر فرع النيل البيلوزي ومنه الي منف.
وهنا يبرز السؤال لماذا منف تحديدا ببساطة لانها مركز تتويج الملوك في مصر القديمة كما ان الاسكندر لم يكن يستطيع دخول الصعيد الذي كان رافضا لاي حكم اجنبي.
ولذا لم يدخل الاسكندر الي الصعيد ولكن اقام له الاتباع والمنافقون مقاصير هناك والاسكندر ليس له علي الارض المصرية من اعماله الا معبد في الواحات البحرية، المهم دخل الاسكندر منف واحتفل مع المصريين بطرد الساتراب الفارس اي الوالي الفارسي واقام جمنزيوم هناك لاراحة جنوده وماقيل عن ان الاسكندر قد اعلن تحالفه مع امون لم يذكر في عصر الاسكندر ولكنه ذكر مع كتاب القرن الثالث الميلادي، المهم خرج الاسكندر من منف في رحلته الي معبد امون في سيوة.
وبالمناسبة انا كتبتها بحرفي ميم قاصدا لانها هكذا نطقت عند كتاب الكلاسيكية عن معبد الوحي الذي كان احد اكبر المعابد السبع للوحي في العالم القديم واممون هو اله التراب مقارنة بامون اله الهواء ويميل البعض الان ان امون سيوة هو عامون اله صحراء مصر الغربية واعتقد في صحة هذا التحليل.
اتجه الاسكندر عبر الساحل الشمالي الغربي للدلتا الي سيوة وهنا السؤال لماذا اتجه الاسكندر عبر هذا الطريق ربما لان طبيعة الجو في طريق البحرية الي سيوة وهو طريق العودة كان مليئا بالرمال المتحركة في هذا الوقت من السنة، اضافة الي ان فلول الفرس في مصر هربوا الي احراش الدلتا فاراد الاسكندر التخلص منهم وفي طريقه مر الاسكندر امام قرية ووجد امامها جزيرة سأل عن اسمها فقالوا هذه جزيرة فاروس التي كتب عنها هوميروس في الالياذة والاوديسة.
وسال عن القرية فقالوا انها قرية يسكنها مجموعة من جنود الحدود المصريين وليس مجموعة من صيادي السمك كما يدعي البعض وهنا سأل الاسكندر عن اسم القرية فقالوا له ر-ع قدت وتعني حد المبني او الفناء واقترح الاستاذ جون يويوت اسم الحوش لها والحوش هنا ربما يكون حوش منطقة مقاصير للاله اوزيريس.
والمنطقة هذه هي المنطقة المعروفة الان بكرموز عند عمود دقلديانوس المعروف خطأ باسم عامود السواري وهي راقوتيس وهنا استدعي الاسكندر مهندسه دينوقراطيس وطلب منه انشاء مدينة بين القرية والجزية علي الطريقة الهيبودامية وفي 25 طوبة 331 قبل الميلاد وضع الاسكندر حجر اساس المدينة وكانت الطريقة الهيبودامية تقوم علي تقسيم المدينة الي خمسة احياء متقاطعة هي الفا بيتا جاما دلتا ايبسلون وهي الحروف الابجدية الاولي اليونانية
تقسيم المدينة الى الفا بيتا جاما دلتا ايبسلون
وهنا يبرز تسائل هل المقصود فقط هو الحروف الخمسة ام هناك تفسير اخر ويبدو ان الفرضية الثانية هي الاقرب فالحروف الخمسة المعبرة عن الاحياء ترمز الي: الفا اول حرف للاسكندر، بيتا اول حرف من كلمة يونانية تعني الملك وجاما اول حرف من كلمة تعني وليد، دلتا الحرف الاول من كلمة تعني الاله وايبسلون الحرف الاول من كلمة تعني يشيد فتكون الحروف الخمسة هي الاسكندر الملك وليد الاله يشيد ، وحي الفا هو الحي الملكي، بيتا حي كبار رجال الدولة، جاما حي اليونانيين، دلتا حي الجاليات الاجنبية ماعد اليونانيين، ايبسلون الحي الوطني.
واكمل لاسكندر رحلته الي سيوة عبر الساحل الشمالي وهناك دخل المعبد الذي كان مشيدا بالفعل من قبله وفي قدس الاقداس انفرد بتمثل الاله، وخرج ليقول لقد سمعت ماسرني عن قتلة ابي وعاد الاسكندر في وقت كانت الرمال المتحركة قد هدأت و اتجه من سيوة الي البحرية الي منف وفي البحرية اقام المعبد الوحيد له علي ارض مصر والمحاضرة القادمة ان شاء الله نتحدث سويا عن الاسكندر بعد رحلة معبد الوحي حتي وفاته شكرا جزيلا لحضراتكم.