قبل تناول البحث عن الحصن الروماني ذو القصر الإمبراطوري في نجع الحجر بكوم أمبو يجب ان ننوه بأنه قد ربما اتخذت قرية “نجع الحجر” اسمها الحالي من كثرة انتشار الأحجار الأثرية في الموقع الأثري المجاور لها.
وذلك كعادة السكان المجاورين للأماكن الأثرية في اشتقاق أسماء قراهم وبلدانهم من صفات تلك المواقع. وكذلك وجود بعض كتل حجرية أثرية غير منقوشة كانت تتخلل شوارع القرية منذ أزمنة ليست بالقريبة. بل ويوجد بعض أحجار أثرية غفل بلا نقوش وبقايا أعمدة تشكل مداميك في بعض الحوائط في بعض منازل سكان القرية استخدمها الأهالي منذ أزمنة بعيدة في البناء حيث تم حصرها وتم عمل قائمة بها. كما استخدم الأهالي الطوب اللبن الذي جلبوه من الموقع في البناء أيضا.
كما توجد مجموعة هامة من الأعمدة الجرانيتية الضخمة من أحجام مختلفة ذات لون وردي وأحدها جرانيت أسود، والتي أحضرها الأهالي من الموقع منذ حوالي مائتي سنة واستخدموها في بناء مسجد القرية ثم لما قاموا بتجديد بنائه بمواد البناء الحديثة أخرجوا الأعمدة ووضعوها أمام المسجد وهي ما تزال على ذلك حتى الآن مما سيلي شرحه وإيضاحه.
جانب من تخطيط الحصن |
موقع قرية نجع الحجر
وتقع قرية نجع الحجر على بعد حوالي 17 كم جنوب مدينة كوم أمبو وعلى بعد حوالي 25 كم شمال مدينة أسوان. وتتبع قرية نجع الحجر مجلس قروي الجعافرة الذي يتبع بدوره مركز دراو التي كانت من فترة تتبع مركز كوم أمبو. ولكن المنطقة الأثرية تتبع تفتيش آثار كوم أمبو.
والمنطقة الأثرية تقع في نهاية القرية من الغرب، على الضفة الشرقية للنيل مباشرة في منظر جميل. وتبلغ مساحة الموقع الأثري حوالي 12 فدان في شكل مربع تقريبا كان معظمها تحت الأرض الزراعية وهذه المساحة مملوكة للآثار. وهذه المنطقة الأثرية قابلة للامتداد خصوصا في الجهة الشمالية تحت الأراضي الزراعية.
ويحد المنطقة الأثرية من الغرب نهر النيل. وفي الشرق سكن أهالي قرية نجع الحجر. ومن الشمال أرض زراعية خاصة بالأهالي. ومن الجنوب أيضا سكن الأهالي أيضا.
ويمكن الوصول إليها عن طريق مدق مرصوف يشق القرية بادئا من الطريق العام أسوان القاهرة متجها من الشرق إلى الغرب وينتهي بالمنطقة الأثرية على النيل.
والمنطقة الأثرية تتميز بالهدوء والجمال ساهم في ذلك وقوعها على نهر النيل وتواجد أشجار الأثل والسنط على حدودها الغربية على النيل. وكذلك وجود بعض نخيل البلح ونخيل الدوم في الموقع نفسه والتي نمت منذ أزمنة بعيدة. وتتناثر في الموقع الأثري بكثافة الشقافات الفخارية الأثرية، وبقايا الأواني الفخارية وكتل حجرية وقطع من الطوب اللبن والطوب الأحمر وكلها أثرية. كما تتناثر أجزاء من أعمدة تمثل تيجان وأبدان وقواعد أعمدة من الحجر الرملي ومن الجرانيت من فترات مختلفة. كما نرى أساسات مباني وأرضيات مرصوفة أو مبلطة وبقايا حمامات وشبكة صرف مما سنلقي عليه الضوء.
المنطقة الأثرية |
أعمال الحفائر في نجع الحجر وبداية اكتشاف الحصن الروماني
تمت أعمال حفائر في هذا الموقع في الفترة من عام 1984 وحتى عام 1989 بمعرفة منطقة آثار أسوان (ممثلا في الأستاذ/ محيي الدين مصطفى عليه رحمة الله كبير مفتشي آثار أسوان آنذاك، والأستاذ/ أسامة عبد الوارث مفتش آثار أسوان آنذاك أمد الله في عمره) وكانت بالاشتراك مع المعهد السويسري للآثار بالقاهرة بمعرفة عالم الآثار د/ هوريس ياردز، وكذلك د. بيير زنياني.
ومن الجدير بالذكر أنني عملت شخصياً في هذه الحفائر موسم عام 1986 حيث كنت حديث التخرج (بعد تخرجي من كلية الآثار بحوالي خمسة شهور) مع الأستاذ/ أسامة عبد الوارث مفتش آثار أسوان في ذلك الوقت، واستمرت الحفائر حتى عام 1989 ثم توقفت.
ثم قامت البعثة السويسرية باستكمال الحفائر عام 2005، وعملت أنا معها في ذلك الوقت كمفتش مرافق. وفي عام 2006 عملت مع البعثة كعضو عامل من الجانب المصري (مع البعثة المصرية السويسرية المشتركة). ولا تزال البعثة تعمل في الموقع.
وقد كشفت لنا الحفائر على مدى تلك المواسم عن وجود حصن روماني معقد التركيب يحتوي على قصر إمبراطوري، ويعتبر القصر بناء مركزي رئيسي. كما يحتوي الحصن على سكن للجنود والضباط بالحصن وحجرات للموظفين والجنود الموجودين بالحصن. هذا بالإضافة إلى حجرات للمعيشة وحمامات، وشبكة للصرف. كما تمت في عصور لاحقة إضافة كنيستين من العصر المسيحي المتأخر.
الحصن الروماني ذو القصر الإمبراطوري في نجع الحجر
وكما قلنا فقد أسفرت الحفائر التي تمت في الفترة من 1984 وحتى 1989 عن وجود أساسات وبقايا حصن روماني يعود إلى العصر الروماني المتأخر ربما يعود تاريخه إلى أوائل القرن الرابع الميلادي (ربما حوالي عام 300 ميلادية). وهذا الحصن يحتوي على قصر إمبراطوري لحاكم الإقليم.
وتعود أهمية هذا الحصن إلى أنه لأول مرة نرى حصنا رومانيا من ذلك العصر يحوي في داخله قصر إمبراطوري؛ فجميع التحصينات الرومانية سواء في الشرق أو الغرب لا تحتوي على قصر إمبراطوري سوى حصن نجع الحجر. ويقع حصن نجع الحجر على بعد حوالي 45 كيلو متر شمال الحصن الموجود على الحدود الجنوبية للمقاطعة الرومانية حينذاك لإقليم الصعيد “ثيبات” حيث يقع حصن ثيبات (Thebais) بالقرب من فيلة وسييني (أسوان).
تخطيط الحصن الروماني ذو القصر الإمبراطوري
والحصن الروماني بنجع الحجر معقد التركيب، مربع الشكل بمساحة 142م × 142م و أنشئ حوالي عام 300 ميلادية (ربما في بداية القرن الرابع الميلادي) وعلى النيل مباشرة.
وقد بني بكتل ضخمة مربعة من الحجر الرملي؛ وهذا الحصن عبارة عن بوابات وأبراج تتخلل الحصن تأخذ شكل حرف U الانجليزي البارز للخارج، ويعتبر ذلك نسخة من التحصينات الرومانية التي تعود للعصر الروماني المتأخر. أما الأبراج التي توجد في زوايا الحصن فهي مربعة الشكل، وهي أيضا نسخة من ملامح التحصينات العسكرية الرومانية التي تعود للعصر الروماني المتأخر.
منطقة الحصن |
وقد شيد هذا الحصن بحيث يواجه النيل ويحيط بالحصن سور؛ حيث تم بناء السور في الناحية المواجهة للنيل (الناحية الغربية من الحصن) من الحجر الرملي من كتل مربعة الشكل، وذلك لحماية الحصن من هذه الناحية المواجهة للنيل، أما باقي السور في النواحي الشمالية والشرقية والجنوبية فإنه تم بناءها من الطوب اللبن.
وللحصن ثلاثة أبواب وشارعين رئيسيين؛ حيث توجد البوابة الرئيسية في الناحية الغربية منتصف السور الحجري المواجه للنيل، وتؤدي إلى طريق مستقيم مرصوف بالدبش يمتد من الغرب إلى الشرق ويبلغ عرضه 12.5 متر. ولعل هذا الطريق كان مسقوفا، ويتقاطع هذا الطريق مع طريق آخر يخترق الحصن أيضا من الشمال إلى الجنوب عرضه أيضا 12.5 متر، بحيث يشكل الطريقان شكل صليب مقسما القلعة إلى أربعة أجزاء.
وبذلك يكون للقلعة ثلاثة أبواب؛ بوابة في الغرب على النيل وهي البوابة الرئيسية، وبوابة في الشمال وبوابة في الجنوب. ويحيط بالبوابة الرئيسية التي على النيل برجين دائريين على شكل حرف U البارز للخارج، أما أبراج زوايا الحصن فهي مربعة الشكل.
وبالطبع يوجد سلم أمام البوابة الرئيسية التي على النيل يؤدي إلى ميناء على النيل أمام الحصن. وكان هذا الحصن هو حصن الحاكم الأعلى لمقاطعة مصر العليا وهو نفس الحاكم العسكري لمقاطعة ثيبات Thebais، وأيضا كان هذا الحصن لاستقبال السفراء الأجانب المسافرين من النوبة إلى القسطنينية (قسطنطين بولس) (اسطنبول حاليا) التي كانت تربطهم علاقة تبادل مع الإمبراطور الروماني.
ويبدو أيضا أن زعيم قبائل البلمين اصطحب الجنود الرومان من الحدود إلى نجع الحجر مكان الحصن الآن وأيضا القائد الروماني “دقليديانوس” الذي بقي بالحصن في نجع الحجر خلال رحلته إلى مصر العليا عام 268 بعد الميلاد.
شكل منطقة الحصن |
القصر الإمبراطوري في الحصن الروماني بنجع الحجر
ومن البوابة الرئيسية للحصن والتي تقع على النيل ندخل الطريق الرئيسي المتجه إلى الشرق داخل الحصن حيث بعد عدة أمتار نتجه يمينا إلى مدخل القصر (Palatium) الذي كشفت عنه حفائر المواسم من (1984 وحتى 1989) والذي يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الحصن.
ويعتبر القصر مبنى مركزي رئيسي، وهو قصر معقد التركيب يعود إلى نفس عصر الحصن وهو العصر الروماني المتأخر.
وهذا القصر مربع تبلغ أبعاده 55م × 55م، وهو بذلك يشغل سدس مساحة القلعة.
وهذا القصر المهم يتكون من المدخل الذي يؤدي إلى عدة ممرات وعدة وأروقة وحجرات وقاعات أهمها القاعة الرئيسية الواسعة وهي قاعة الاجتماعات المركزية (aula). والتي نجد في نهايتها مكان ترتفع أرضيته ارتفاعا خفيفا لعله كان يجلس فيه الإمبراطور أو الحاكم على كرسي مرتفع حتى يعلو الوفود التي يستقبلها في القاعة المركزية.
ويحيط بهذه الحجرة أو القاعة المركزية عدة حجرات أخرى في تتابع متقن منها الحجرات الخاصة بالنوم، ومنها الخاص بالطعام، ومنها الخاص بالخدمة، ومنها الخاص بكبار الموظفين. كما توجد صالة ذات أعمدة في داخل القصر تقع في الجزء الشمالي الغربي منه. وأرضية القصر مرصوفة بالحجر الجيري.
وقد كشفت حفائر عام 2005 وما تم عمله من قطاعات ومساقط أرضية وجانبية عن ظهور طبقات وتطورات حدثت في أرضيات القصر، حيث أوضحت الدراسات وجود تغيرات عديدة صغيرة في هذه المنطقة السكنية منها أن الصالة ذات الأعمدة التي تقع في الشمال الغربي داخل القصر قد أضيفت في مرحلة لاحقة.
كما أن التغييرات الأكثر أهمية يمكن ملاحظتها في صالة الاستقبال (aula) حيث نعرف من أرضيتها وجود مستويين من الرصف للأرضية أي وجود أرضيتين تعلو إحداهما الأخرى؛ ومواد رصف الأرضية السفلى تختلف عن مواد رصف الأرضية العليا مما يدل على أن الأرضية العليا لهذه الصالة تم عملها في مرحلة لاحقة. وتظهر نفس التغييرات في مستويات الأرضيات في الحجرات المحيطة بهذه القاعة المركزية التي يجلس بها الحاكم للاجتماعات.
ووجود قصر عظيم ومتسع بهذا الحجم في مثل هذا الحصن من نفس ذلك العصر الروماني المتأخر يعتبر أمرا غير عادي؛ لأنه حتى الآن فإن هذا القصر المعقد التركيب الذي يحتوي على قاعة اجتماعات مركزية لم يكشف عن مثله في الحصون الرومانية التي تعود للعصر الروماني المتأخر سواء في المقاطعات الرومانية التي في أوربا أو في الشرق الأوسط أو حتى في شمال أفريقيا إلا في نجع الحجر فقط. وهذا قد أكسب حصن نجع الحجر أهمية خاصة بين الحصون الرومانية.
وهذا القصر يوضح لنا علاقة كبار الموظفين مع الإدارة الرومانية. ويذكر د. زنياني أن هذا القصر هو البلاط (Palatium) الخاص بحاكم مصر العليا والذي كان في ذلك الوقت الحاكم المدني والقائد العسكري لمقاطعة (Thebais) التي كانت تجاور فيلة بأسوان. وربما كان من أغراض هذا القصر أيضا استقبال السفراء الأجانب القادمين من النوبة والمتوجهين إلى القسطنطينية “قسطنطين بولس” (استانبول حاليا) للتداول مع الإمبراطور الروماني. وقد كانت الحدود الرومانية في ذلك الوقت تمر بجوار فيلة.
مجموعة من الانشاءات داخل الحصن الروماني ذو القصر الإمبراطوري |
ويبدو أن زعماء عشائر البلاد الأصلية أو مبعوثيهم الخصوصيين الأقوياء كانوا يُصطَحبون بجيش روماني من تلك الحدود الجنوبية إلى نجع الحجر، وفي نجع الحجر كانوا يجدون الترحاب من الحاكم الروماني في هذا القصر العظيم، وبعد ذلك كانت ترافقهم حامية حتى الإسكندرية ومنها يسافرون بالسفينة إلى مدينة القسطنطينية.
ومن الممكن أن يكون الإمبراطور الروماني (دقليديانوس) قد أقام في هذا القصر بنجع الحجر أثناء رحلته النيلية الثانية في مصر العليا عام 268 بعد الميلاد. كما يحوي الحصن كذلك مساكن للضباط والعسكريين في الناحية الشمالية من الحصن كانت مقر قائد الجيش الروماني بالحصن.
وظهرت أرضيات من الطوب الأحمر الجيد الصنع حيث كان هذا ربما مكان لسكنى قائد الجيش الروماني للحصن. وظهرت أرضيات أيضا من الحجر إلى جانب وجود بعض الأعمدة. وربما كان هذا المكان أيضا امتداد لسكنى قائد الجيش الروماني وذلك من خلال الأرضيات الحجرية الموجودة في هذه المنطقة.
كما كشفت حفائر تلك المواسم عن وجود حمامات وشبكة صرف لهذه المنشآت تقع شرق القصر، حيث نجد خزانات للمياه مشيدة بالطوب الأحمر ومبلطة وبها فتحات لمرور المياه تؤدي إلى قنوات مبنية بالطوب الأحمر المبلط وقنوات من الفخار. وتوجد مساحة مرصوفة بالطوب الأحمر كانت تمر فوقها قنوات للمياه من الطوب الأحمر كذلك ومن الفخار، وكان يوقد تحت هذه القنوات لتسخين المياه للحمامات.
ومن الجدير بالذكر أن شبكة الصرف هذه منها ما هو للمياه النظيفة حيث تكون ضيقة ومصنوعة من مواسير من الفخار ضيقة أو مشيدة من الطوب الأحمر ومبلطة الجوانب لتحمل المياه النظيفة للحمامات، أما المجاري التي تنقل المياه القذرة من الحمامات للخارج فإنها تكون أوسع وهي تبنى من الطوب الأحمر وغير مبلطة الجوانب و مواسير فخارية واسعة خشنة.
كما يوجد بموقع القصر شكل من الرخام ضخم جدا يشبه تابوت ضخم جدا مرتفع قد يزن 300 طن يرى البعض أنه حوض للاستحمام ويرى البعض أنه تابوت. ويوجد مثله من نفس الحجر ولكن يصغر عنه في الضخامة وليس عاليا وعليه غطاء بشكل تابوت وله غطاء من نفس المادة.
تابوت في الحصن الروماني ذو القصر الإمبراطوري |
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد في النهاية الشرقية للطريق الرئيسي الذي يبدأ من البوابة الغربية للحصن مجموعة من الأعمدة من الجرانيت الوردي ملقاة على الأرض يتراوح طولها من حوالي من 1.5 م إلى 3م في المنطقة الشرقية من الحصن في مواجهة الطريق المؤدي إلى الباب الرئيسي.
وهذه الأعمدة من طريقة نحتها تدل على أنها كانت جزءا من مبنى هام جدا وهو مبنى يمثل معبد روماني صغير يسمى باليونانية برينكيبيا (Principia) كان يلحق بأي حصن روماني، والذي في العادة يكون عبارة عن فناء مسقوف ذو أعمدة ينتهي بقدس أقداس، وربما كان يوضع فيه تمثال لإله الحرب وربما تمثال للإمبراطور.
وربما كان يحيط بقدس الأقداس مجموعة من الحجرات الصغيرة (وهو ما سوف تكشف عنه حفائر المستقبل في المكان). وهذا المعبد الصغير اعتاد الرومان أن يشيدوه في الحصون الرومانية ليتعبد فيه المقيمون بالحصن. وتتوالى الحفائر في هذا الموقع للكشف عن هذا المعبد.
أعمدة ملقاة على الأرض داخل الحصن الروماني ذو القصر الإمبراطوري |
اضافات لاحقة في الحصن عبر العصور
مرت المنطقة باتساعات وإضافات في عصور لاحقة أهمها في الناحية الجنوبية (في الزاوية الجنوبية الغربية) من الحصن. حيث تم إنشاء كنيستين من العصر المسيحي المتأخر كشفت حفائر المواسم من 1984 وحتى 1989 عن أساساتهما وعن أجزاء من عناصرهما المعمارية المتبقية؛ مثل بقايا أساسات، وأجزاء من الأعمدة تمثل قطع من أبدان أعمدة وتيجان وقواعد وكثير من هذه العناصر منقوش عليه رموز المسيحية المعروفة مثل الصليب والقواقع وخلافه.
كذلك ترك العصر الإسلامي بصمته في الموقع من الناحية الشمالية من الحصن حيث نجد شمال موقع مساكن العسكريين نجد أرضية مرتفعة ومرصوفة لونها بني داكن تعود للعصر الإسلامي ربما التركي، لم يتم دراستها بعد.
ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم التعرف على الإمبراطور الذي بني هذا الحصن حيث تم العثور على اسم الإمبراطور (فسبسيان ودقليديانوس وتراجان) على كتل حجرية. وربما حفائر المستقبل في هذا الموقع تكشف عن اسم مشيد أو مشيدي هذا الحصن على وجه التأكيد. كما أنه ربما تكشف الحفائر عن كتل حجرية تعود لعصر أسبق من العصر الروماني.
وقد قامت البعثة السويسرية موسم 2005 حيث عملت معها كذلك كعضو عامل من الجانب المصري بعملية نظافة لما أظهرته الحفائر السابقة وبمراجعة الرسومات القديمة لبقايا الجدران والأساسات الخاصة بالحصن وبالقصر الإمبراطوري.
وكذلك بقايا الأسوار المحيطة بالحصن والتي تم رسمها سابقا بواسطة المعهد السويسري في المواسم من 1984 وحتى 1989 والتي كانت بمقياس رسم (1 – 100)، فقامت البعثة بعمل رسومات تفصيلية جديدة ومساقط أرضية وجانبية بشكل أكثر تفصيلا بمقياس رسم (1 – 25) و (1 -50).
وكذلك مراجعة ورسم وتوثيق وتصوير ووصف كامل لبقايا العناصر المعمارية من بقايا الجدران وبقايا الأسوار وخصوصا بقايا القصر، وكذلك بقايا الأعمدة من تيجان وأبدان وقواعد.
ومن الأعمال الهامة التي قامت بها البعثة في موسم 2005 هو القيام بالعمل لبضعة أيام داخل قرية نجع الحجر السكنية حيث تم عمل خريطة للقرية وتم حصر وتصوير ورسم وتوثيق جميع الكتل الحجرية الأثرية والعناصر المعمارية من أعمدة ومن أبدان وقواعد وتيجان والتي استخدمها الأهالي منذ أزمنة قديمة في مبانيهم من منازل وحدائق ومسجد.
حيث تم تصوير ورسم وتوثيق مجموعة هامة من الأعمدة الجرانيتية الضخمة من أحجام مختلفة ذات لون وردي وأحدها جرانيت أسود، ذات قواعد جيدة. وهذه المجموعة متجاورة ملقاة أمام مسجد القرية والتي أحضرها الأهالي منذ أكثر من مائتي عام واستخدموها في إنشاء مسجد القرية.
وحينما تم هدم ذلك المسجد وتم بناؤه بمواد حديثة منذ أكثر من خمسة وثلاثون عاما أخرجوا تلك الأعمدة الأثرية من المسجد وما زالت موجودة أمام مسجد القرية حتى الآن وقد تم تصويرها ورسمها وتوثيقها على يد البعثة السويسرية التي عملت بالموقع عام 2005 وكنت مرافقا لها، ومازال حجر تأسيس المسجد القديم موجود على جدار منزل مجاور للمسجد وهو منزل أحد أحفاد مؤسس المسجد القديم.
ويبدو أن هذه الأعمدة من عصر واحد ولكن من مبنيين مختلفين أو أكثر من حصن نجع الحجر، ويبدو أن طرازهم من أعمدة الشارعين المتقاطعين الذين كانا يقسما الحصن إلى أربعة أجزاء. وقد أثبت أنا ذلك في تقريري كما طلبت في التقرير وفي مكاتبة رسمية ضرورة نقل جميع تلك الناصر المعمارية للموقع الأثري وطلبت تشكيل لجنة لبحث كيفية نقل تلك الأعمدة وإعادة رفعها في أماكنها هي والكتل الحجرية الأخرى لتطوير المنطقة وإعادة بناءها وافتتاحها للزيارة.
كما تم تصوير ورسم وتوثيق مجموعة من قواعد الأعمدة الجيدة والمنحوتة من الحجر الرملي بطريقة دقيقة في منطقة القصر وخلفه من الناحية الجنوبية وربما هذه الأعمدة كانت جزءا من القصر. وهناك بعض تيجان الأعمدة الأصغر حجما من الحجر الرملي وجدت منتشرة في كل أنحاء منطقة القصر ولكنها تعود للعصر المسيحي وقد تم تصويرها ورسمها وتوثيقها بواسطة البعثة. وهناك تاجان كورينثيان تم تصويرهما وتوثيقهما وأحدهما بالمخزن المتحفي بكوم أمبو.
ومن الجدير بالذكر أن هناك قطعة هامة والتي تسمى Tabula ansata وهي مكسورة إلى جزأين وهذه القطعة مكتوب عليها باليونانية اسم الإمبراطور الروماني (تراجان)، وقد تم نقلها للمخزن المتحفي بكوم أمبو بعد تصويرها ورسمها وتوثيقها. كما توجد كتلة حجر أعيد استخدامها في الجزء الغربي من سور الحصن منقوش عليها اسم الإمبراطور الروماني (فسبسيان) والتي أيضا تم تصويرها ورسمها وتوثيقها.
وقد أثبتت الحفائر أن المنطقة أحدثت تبادل تجاري مع شمال أفريقيا “تونس” حيث عثر على فخار من نوع ممتاز ورد إلى منطقة نجع الحجر بصعيد مصر من تونس في القرن الرابع والسابع الميلادي. وهو فخار أحمر مائل للبرتقالي، يمتاز بجماله ودقة صناعته وصلابته وحسن صقله وخامته الجيدة التي تكثر فيها مادة المايكا. ولا يمكن للعين أن تخطئ فخار تونس بحال من الأحوال. هذا بالاضافة إلى الفخار المحلي، حيث تم العثور على أواني كاملة مصنوعة من الفخار مثل الأنفورات وخلافه من مواسم الحفائر القديمة بالموقع.