كيف تم إكتشاف أفران مصنع لصناعة الفخار ملحق بمعبد كوم أمبو ، فى البداية يجب القول بأن هذا الإكتشاف الأثري الهام كان فى كوم أمبو عام 2003.
وهذا الإكتشاف عبارة عن أفران لصناعة الفخار بمثابة مصنع للفخار ملحق بمعبد كوم أمبو، ويلغي نظرية تاريخية إفترضها كبار علماء الآثار ويسقطها من التاريخ، والمكتشف هو الأثاري النخيلي محمود رفاعى.
قصة الإكتشاف كما يرويها المكتشف
لقد حصلتُ عام 2003 على موافقة لعمل حفائر في التل الأثري بكوم أمبو في المنطقة المواجهة للنيل والواقعة جنوب متحف التمساح وتحديدا في المنطقة المحصورة حاليا بين رامب النزول من معبد كوم أمبو وبين متحف التمساح وبين سور معبد كوم أمبو اللبني الحديث المنشأ في بداية القرن العشرين (حيث كانت الحفائر قبل إنشاء متحف التمساح).
وكان إختيار هذا المكان له أسباب وجيهة في نظري وذلك لكشف هذه المنطقة التي كان لونها يختلف عن باقي لون التل الأثري لمعبد كوم امبو والذي مساحته (أي التل الأثري حوالي 29 فدان) ؛ فقد كان لون هذه البقعة وما يزال لونها أحمر. وتحتوي هذه البقعة على بقايا كثيفة من الرماد ومخلفات الحريق، كما كانت تكثر في هذه البقعة الكسور الفخارية بدرجة كبيرة، وكذلك كانت تكثر فيها بقايا أواني واضحة المعالم، كما كان يكثر في هذه البقعة الطوب اللبن الذي يبدو من لونه انه كانت تشتعل فيه النيران، كما كان يتناثر بالموقع كتل وبقايا من الطوب الأحمر.
ولقد دفع هذا كله عدداً من كبار علماء الآثار ومنهم على سبيل المثال الدكتور محيي الدين عبد اللطيف صاحب كتاب “كوم أمبو”، وكذلك (جيمس بيكي) صاحب كتاب “الآثار المصرية في وادي النيل”، والعالم الكبير الدكتور سليم حسن في موسوعته “مصر القديمة” وغيرهم من العلماء أن يقولوا بنظرية مفادها أن كوم أمبو القديمة إنتهت بحريق أتي عليها ودمرها وعجل بنهايتها وإستندوا في هذه النظرية على هذه البقعة، واعتبروا لون التربة الأحمر في هذه البقعة وما فيها من مخلفات الحريق وكل ما ذكرته عن هذا المكان دليلا على حدوث هذا الحريق الذي افترضوه واعتبروه نظرية مؤكده بدون دليل من الحفائر أي بدون أن يقوموا بحفائر في هذه المنطقة ليتبينوا مدى صدق نظريتهم أو ليعطونا الدليل على صدقها.
ولكنني حينما قمت بعمل الحفائر في هذه البقعة عام 2003 اكتشفنا أن هذه البقعة كانت مصنعا للفخار أي ورشة عمل للفخار كانت ملحقة بالمعبد؛ حيث وجدنا العديد من الأفران التي كانت تستخدم لصناعة الفخار والتي لعلها كانت تمد المدينة والمعبد باحتياجاته من الأواني والمنتجات الفخارية. حيث وجدنا عدداً من المداميك التي كانت تشكل الأفران. لقد كان بعض هذه الأفران من عدة مداميك مشيدة من الطوب اللبن، وكان بعض هذه الأفران على شكل دائري وبعضها على شكل بيضاوي ومنها المربعة الشكل (انظر الصور المرفقة).
ووجدنا كذلك العديد من الأواني الفخارية الكاملة على هيئة مجموعات متداخلة في بعضها البعض والموجودة في هذه الأفران حيث كان يتم حرقها على هذه الحالة من التداخل في بعضها البعض، وكذلك وجدنا عددا آخر من الأواني المختلفة الأشكال والأنواع والأحجام منها الكامل ومنها المكسور، ومنها ما هو بقايا لأواني. وكانت تلك الأواني عبارة عن أنفورات وأطباق وأواني على هيئة السلطانية وأواني بيضاوية مخروطية الشكل نحيلة ضيقة في قاعها تتسع كلما اتجهنا للحافة كانت لصناعة الخبز والحلويات …الخ.
كذلك وجدنا العديد من الأوستراكا (الكسور الفخارية المكتوب أو المرسوم عليها ) كان مكتوب عليها بالحبر الأسود؛ كل ذلك وجدناه متناثرا في داخل هذه الأفران أو حولها في الموقع في نفس البقعة.
ومن الجميل أنني وجدت وعاءً مستطيلاً صغير الحجم من الحجر الرملي كان بمثابة محبرة يوضع فيها الحبر لاستخدامه في الكتابة على الأواني الفخارية أو زخرفتها والرسم عليها (انظر الصور المرفقة) وهذا الوعاء أو هذه المحبرة مسجلة بسجلات المخزن المتحفي بكوم أمبو باسمي كمكتشف).
وبالتالي وبفضل هذا الكشف الأثري الهام تأكدنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذا المكان ما هو إلا أفران لحرق الفخار كانت ملحقة بالمعبد، أي أن هذا المكان كان أفران ومصنعا للفخار وورشة عمل لصناعة الفخار لخدمة المعبد وربما لخدمة مدينة كوم أمبو القديمة أيضا؛ حيث كان يتم إستجلاب التربة الخاصة بصناعة الفخار إلى هذا المكان ثم بعد تصنيعها في هذا المكان على الهيئة التي كانوا يريدونها كانوا يحرقونها في هذه الأفران.
ولعل تاريخ هذا المصنع بهذه الأفران يعود للعصر الروماني وربما بدأ من قبل العصر الروماني في العصر البطلمي. ومن هنا وبكل تأكيد فإن هذا الكشف الأثري الهام قد أبطل النظرية التي قال بها العلماء بأن مدينة كوم امبو إنتهت بحريق استنادا إلى شكل هذه البقعة بعد أن كشفنا بمعولنا الأثري خبايا هذا المكان وأثبتنا بطلان هذه النظرية حيث أن الفيصل في إثبات النظرية التاريخية هو الإكتشافات الأثرية.
ولقد قمت بعمل تقرير مرفق به العديد من الصور والرسومات (كثير من الصور ليست عندي الآن ـ انظر بعض الصور المتبقية المرفقة مع المنشور) وأوضحت في ذلك التقرير كل ما سبق ذكره بصورة علمية مفصلة وأرسلت منه عدة نسخ آنذاك إلى منطقة آثار أسوان والنوبة ونسخة إلى المجلس الأعلى للآثار عن طريق المنطقة واحتفظت بنسخة في تفتيش آثار كوم امبو آنذاك. كما تشكلت لجنة حيث قمنا بتسجيل ما يستحق تسجيله من هذه المكتشفات من أواني وهي موجودة حاليا في المخزن المتحفي بكوم امبو ومسجلة بسجل آثار المخزن باسمي (اسم المكتشف أثري/ النخيلي محمود رفاعي ـ حفائر التل الأثري بكوم أمبو موسم حفائر 2003).
فريق العمل على الإكتشاف
وقد أعلنت يومها هذا الكشف لجميع زملائي وجميع المهتمين. وكان فريق العمل الذي عاونني وتشرفت بقيادته أثناء العمل في تلك الحفائر كالآتي:
- أثري/ النخيلي محمود رفاعي (مدير الموقع والمشرف على الحفائر)
- أثري/ حمدي خليل حسن أثري بالموقع
- فني ترميم/ سيدة مرتضى.
- مصطفى محمد على (مراقب أمن ومسئول حضور وانصراف عمال الحفائر).
- محمود محمد ابراهيم (رئيس عمال) وكان معنا عدد من العمال.
وكان مدير آثار كوم امبو وقتها الزميل الفاضل الأستاذ الأثري/ أحمد سعدي أحمد.
وفي عام 2008 وأثناء مشروع تطوير المنطقة الأثرية لمعبد كوم أمبو وكنت يومها مدير منطقة آثار كوم أمبو وكانت لجنة تطوير منطقة معبد كوم أمبو وإنشاء متحف التمساح تتابع أعمال التطوير على قدم وساق وهم: الدكتور/ صبري عبدالعزيز رئيس قطاع الآثار المصرية آنذاك وأحد أبرز المسئولين عن تطوير منطقة معبد كوم أمبو وإنشاء متحف التمساح آنذاك، والدكتور/ محمود مبروك مستشار الأمين العام آنذاك لشئون المتاحف وأحد المشرفين على تطوير منطقة آثار كوم أمبو وإنشاء متحف التمساح وصاحب رؤية سيناريو العرض بمتحف التمساح آنذاك والذي كان يشغل قبلها منصب رئيس قطاع المتاحف، وكذلك الدكتور خالد عبد الهادي أستاذ الهندسة ومدير عام الإدارات الهندسية آنذاك ثم المهندس وعد الله من بعده كلفوني باستكمال الحفائر في نفس البقعة التي ذكرتها وتنظيف ما قمنا باكتشافه من أفران ومصنع للفخار وتنظيف للتل الأثري في تلك المنطقة القريبة من متحف التمساح ليتمشى ذلك مع مشروع تطوير المنطقة الأثرية بكوم أمبو آنذاك (حيث تم تطوير منطقة معبد كوم أمبو وإنشاء متحف التمساح في عهدي كمدير لآثار كوم أمبو).
ولقد قمت بوضع نتائج هذا الإكتشاف الهام وبطلان نظرية حريق مدينة كوم أمبو القديمة في كتاب لي سيخرج للنور قريبا (في المطبعة الآن) بعنوان “كوم أمبو ومعبدها العظيم” والذي وصل عدد صفحاته إلى خمسمائة صفحة. ودفعني إلى كتابته عدم وجود كتاب شافي يليق بعظمة وجلال معبد ومدينة كوم أمبو. وعلى الله قصد السبيل.