هل يوجد ما يسمى بـ بردية سرقات المقابر ؟!، هل عملية نهب المقابر قديمة إلى تلك الدرجة؟! تعالوا بنا نعود بالزمان إلى الوراء وتحديدا في عهد الملك رمسيس التاسع من الأسرة الـ20.
الفساد وعلاقته بنهب المقابر
فبعد انقضاء عصور مجد الحضارة المصرية اضمحلت الدولة وانتشر الفساد وتدهورت الأوضاع وشاعت الرشوة، وانتشرت عصابات سرقة المقابر بشكل نظامي في أرجاء مصر، تأذى المواطنون والكهنة وحتى الملوك أنفسهم بسبب خروج الأمر عن السيطرة، للدرجة التي دفعت بعض الكهنة لتسجيل تلك الوقائع على بردية هامة جدا تعرف باسم بردية سرقات المقابر تشرح لنا بالتفصيل الصراع الذي كان موجودا بين حاكم طيبة الشرقية الذي كان رجلا أمينا ويدعي «با-سر»، وحاكم البر الغربي لطيبة، وكان لصا غير شريف ويدعي «بر-رع»، وكان الأخير يتزعم عصابة لنهب المقابر الملكية وكنوزها.
ظهر في تلك الآونة لص مقابر محترف يدعى «بو-خاف»، كون الرجل عصابة قوية لنهب المقابر وضم إلى أفرادها عناصر نسائية، لكن الأدهى من ذلك هو ظهور عصابة أخرى كل أفرادها من الكهنة ويتزعمها كاهن يدعى «بن أون حب»، وكان أسماء هؤلاء ضمن قائمة طويلة من الأسماء وردت فى محاضر التحقيق التى وصلتنا من هذا العصر، وكلها أسماء للصوص عاشوا وماتوا فى طيبة منذ حوالى ثلاثون قرنا.
استشرى الفساد اكثر وأكثر في عهد رمسيس التاسع حتى أن ثمن رأس الماشية قد بلغ ما يعادل 45 جرام من الذهب، ومعنى ذلك بلغة أرقام ذلك العصر أن الحالة الأقتصادية فى عصره قد بلغت أقصى درجات التدهور، ومن المؤكد أنها ساءت تماما بعد ذلك حتى حلول السنة التاسعة عشرة من حكم رمسيس الحادى عشر، وربما كانت سببا فى نهب المقابر فى عصره أيضا، وكذلك سببا وجيها للثورة عليه مما أدى إلى استيلاء الكهنة على السلطة وتأسيس الأسرة الحادية والعشرون.
بردية سرقات المقابر ومكان وجودها
معظم الوثائق الخاصة بتلك العمليات محفوظة الآن بالمتحف البريطانى، لكن تأتي على رأسها البردية الأشهر وهي بردية «أبوت» والمشتهرة باسم بردية سرقات المقابر ، ومنها عرفنا أن مقابر الملوك فى البر الغربى بـ«طيبة» كانت سليمة لم تمس حتى السنة الرابعة عشرة من حكم الملك رمسيس التاسع، باستثناء مقبرة واحدة نهبها اللصوص وهى مقبرة الملك “سبك إم ساف”.
أما بعد عهد رمسيس التاسع فلا نعرف ماذا حدث تحديدا، فمحاضر التحقيق الخاصة بنهب المقابر توقفت عند ذلك العصر، أما السنوات التالية والأخيرة فى حكم أسرة الرعامسة فلم يصلنا منها شيء، مع أن سرقة المقابر لم تتوقف بل أصبحت أشد وأخطر بكثير عما قبلها من عصور.
ظاهرة نهب المقابر
وحتى اليوم فعلماء المصريات مختلفون حول أسباب ظاهرة نهب المقابر فى عهد الأسرة العشرون، لكنهم جميعا متفقون على حقيقة واحدة؛ وهي أن قبور الملوك والملكات والأمراء والكهنة فى البر الغربى قد نهبت تماما على مدار ثلاثين سنة خلال حكم رمسيس العاشر ورمسيس الحادى عشر آخر ملوك الرعامسة!.
ولأسباب غامضة لم تنهب مقبرة واحدة وهى مقبر “توت عنخ أمون” والتى اكتشفها “هوارد كارتر” سنة 1922 وكذلك مقبرة الملكة “أعح حتب” أم الملك أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر والتى اكتشفها “مارييت باشا” سنة 1859م.
وبحلول عهد الملوك الكهان الذين أسسوا الأسرة 21 والمشتهرة بأسرة الكهنة، فقد قام كبير كهنة أمون “حوريحور” بالجمع بين السلطتين الدنيوية والدينية واستقل بحكم الصعيد ومع سنوات حكمه بدأت وقائع وأحداث الأسرة الواحدة والعشرون.
أما اهم القرارات التى أتخذها ذلك الملك الكاهن وأخطرها فكانت إعادة دفن مومياوات الملوك والكهنة التى أفلتت من التدمير بعد معالجتها ولفها بالكتان حيث كان اللصوص قد جردوها حتى من الكفن!، وعرفت تلك المقبرة لاحقا بـ «خبيئة الدير البحري»، والتي اكتشفها عائلة عبد الرسول في واقعتهم الشهير في القرن التاسع عشر.
وحتى آخر سنوات الأسرة الواحدة والعشرون أستمر الملوك الكهنة فى إنقاذ المومياوات الملكية وغيرها من المومياوات وأخفوها بعيدا عن أعين وأيدى اللصوص فى عصرهم والعصور التالية وهذا دليل علي حرص المصري القديم الشديد علي الحفاظ علي المومياوات من السرقة أو التلف، لأن وجودها ضروري لضمان الحياة في العالم الآخر وفقا لعقيدتهم، لذلك تجلى هذا الحرص من كهنة الأسرة الـ21 علي إعادة دفن مومياوات ملوك وملكات وكهنة مصر بعد تفشي أعمال السرقة في البر الغربي.