الكتب الدينية في الحضارة المصرية قبل تناولها ننوه بأنه قد اعتقد “المصرى القديم” فى إستمرار الحياة بعد الموت، فلم ينظر للموت على انه نهاية الحياة. ولكن نظر اليه على انه مرحلة ميلاد جديد خاصة للأرواح الطيبة لتصل الى مبتغاها لمصاحبة رب الشمس فى رحلته اليومية، ومن ثم الفوز بالنعيم والحياة الأبدية فى حقول “أوزير” السماوية.
شأن كل شئ آخر فى حياة “المصريين القدماء” فقد خضع مفهوم الدين والعقيدة للتطور بشكل واءم الحياة اليومية لأهل مصر، الذين كانوا يرون أرضهم “مصر” أو “كيميت” بلغتهم وقتها على انها صورة للسماء أو إنعكاس للكون على الأرض.. العبور للعالم الآخر حيث الأبدية والسكينة والسلام، هو محور كل الكتب الدينية التي ظهرت على إمتداد تاريخ مصر القديمة.. فى هذا المقال سنعرف عن 5 من أهم الكتب الدينية فى مصر القديمة والتي وصلتنا أخبارها، دون ان ننسى ان جزء كبير من تاريخ مصر القديمة مازال غير مكتشف حتى الان.
نصوص الأهرام من اشهر الكتب الدينية في الحضارة المصرية
أقدم الكتب الدينية المعروفة حتى الان، وجدت نصوصه مسجلة على الجدران الداخلية لهرم “ونيس” فى سقارة وفى معظم أهرامات ملوك الأسرة السادسة وزوجاتهم. وهذه النصوص تعود الى فترة أقدم من وقت الأسرة السادسة وان كان قد بدأ تدوينها فى هذه الفترة، وهى نصوص لا تتسم بالتجانس بل وبعض فقراتها يضاد البعض الآخر فى عدة حالات، كما ان النصوص الخاصة به قد وجدت موثقة بأكثر من شكل.
تناقض النصوص أو اختلافها يعود الى التطور المصاحب للتطور الفكري والأخلاقي لمصر عبر ألاف الأعوام وما خضع أليه من إعادة صياغة ليخرج منه بأفضل النتائج. تنوعت نصوص الأهرام ما بين مشاهد درامية، أساطير، تعاويذ للحماية، أناشيد وصلوات. وقد تم اكتشافها فى بدايات القرن التاسع عشر على يد الفرنسي “ماسبيرو”.
وتلقى النصوص الضوء على تكوين العالم الآخر وكيفية وصول المتوفى اليه، ومحور الكتاب يدور حول عبادة “رع” رب الشمس.. وتلعب الطقوس دورا هاما فى “نصوص الأهرام” كطقس “فتح الفم” وهو من أهم طقوس دفن الملك ويقوم به الكهنة باستخدام أداة حديدة معينة، بجانب طقوس التطهير والقرابين والبخور والصلوات.. تشكل نصوص الأهرام صورة بلاغية قوية من “المصرى القديم” ضد الموت وعدم الاعتراف به إلا كميلاد جديد وصيرورة الى عالم أفضل.
نصوص التوابيت
استمدت اسمها من نصوصها الموثقة على توابيت الملوك والعوام على السواء وهى تعد تطور بشكل ما لنصوص الأهرام -التى اقتصرت على الملوك- وان كانت منصبة على الأدب الجنائزى. وتزامنت شهرتها وانتشارها مع تقديس “أوزير” رب العالم السفلى وأقرب الأرباب الى قلوب المصريين.
تتكون النصوص من 1200 تعويذة تقريبا، تم تسجيلها على أسطح التوابيت من الداخل والخارج وعلى أوانى أحشاء المتوفى والتى تعرف بالأوانى الكنوبية وقد عثر عليها فى الكثير من الأماكن داخل مصر.
وفقا للنصوص فالعالم الآخر زاخر بالعقبات والألغاز والمواجهات التى تحتم على روح المتوفى ترديد التعوايذ للحماية، ليتمكن من إجتياز هذا العالم سالما بدون الوقوع فى أخطاره.. كما شملت تحول جوهرى فى الفكر الدينى المصرى بشكل عام بان أباحت هذا الحق الذى هو الخلود والأبدية الى المصريين بكافة طبقاتهم بعد ان كان مقتصرا على الملوك فقط كما رأينا فى نصوص الأهرام..
كتاب الخروج الى النهار
هو أحد أهم وأشهر الكتب الدينية فى مصر القديمة، وان كان اشتهر باسم آخر هو “كتاب الموتى” وأسم الكتاب يعبر عن نظرة المصريين للموت وانه إمتداد للحياة بشكل مغاير لما نعرفه. ويمكن النظر للكتاب على انه الصيغة النهائية لكتاب “نصوص التوابيت” ونجد العديد من النصوص المشتركة بين الكتابين. يتكون الكتاب من 200 فصل لكل منها أسم خاص، كتب بالمداد الأحمر للتمييز.
بل ويحتوى على العديد من المشاهد أو المناظر لمفهوم المصرى القديم عن العالم الآخر وما يحدث فيه لروح المتوفى خاصة الحساب ووزن قلب المتوفى وعقابه على الأخطاء ارتكبها أثناء حياته الدنيا.. لم يتم العثور على الكتاب فى صورة واحدة مجمعة بل كانت نصوصه مفرقة فى كل مكان خاصة فى المعابد وفى تعاويذ مكتوبة توضع بين لفائف التحنيط وجدران المقابر.
أيضا فبعض فصوله يكاد يكون مكرر وكان للكتاب شعبية هائلة؛ دعت العلماء الغربيين فى القرن 19 الى ان يطلقوا عليه أسم “إنجيل المصريين”.
كتاب الإيمى دوات من اهم الكتب الدينية في الحضارة المصرية
من الكتب الهامة التى سجلت نصوصها على جدران المقابر منذ عهد الأسرة 18 ويعنى أسمه “الحجرة الخفية” وأول ظهور له على جدران مقبرة “تحوتموس الأول” وظهر فى صورته النهائية الكاملة على جدران مقبرة الإمبراطور العظيم “تحوتموس الثالث”.
تدور أغلب موضوعات الكتاب عن رحلة الشمس الليلية، آى منذ غروب الشمس وحتى الشروق الجديد، الذى كان يعد انتصارا على قوى الفوضى والظلام ممثلة فى ثعبان “عبيب” الذى يواجهه “رع” كل ليلة وينتصر عليه. والكتاب مكون من 12 فصل تقابل ساعات الليل، وكل فصل منها مستقل عن ما قبله وما بعده إلا فى وجود الشمس فيه.
وكل ساعة من ساعات الليل فى الكتاب لها أسم مخصص وتعاويذ معينة يجب ان يتقنها المتوفى من أجل العبور منها.. تماثل نصوص “الإيمى دوات” تقريبا “نصوص الأهرام” فى كونها قاصرة على الملوك وتهدف لإنجاح رحلة روح الملك فى العالم الآخر والفوز بالجنة الأبدية أو “حقول يارو” كما كان يطلق عليها..
كتاب الكهوف
أحد أكثر الكتب غموضا، وأقلها شيوعا عن قدماء المصريين. يوجد منه نسختان كاملتان تعودان لعصر الرعامسة، ولا نعرف اذا كان هذا الأسم هو أسم الكتاب الفعلى أم لا. وهو مكون من 6 أجزاء تصف رحلة “رع” فى العالم السفلى لكن سيرا على قدميه وليس مبحرا فى قارب كالمعتاد.
ويتضمن وصفا تفصيليا للعالم الآخر وللمذنبين والعقاب الذى ينالونه. هو من أهم الكتب التى اهتمت برحلة الشمس فى العالم السفلى، وأكثرها ثراء بالمعلومات. وأهتم بشكل خاص بتوضيح مفهوم عودة الحيوية للأرباب التى أتعبها الموت مثل “أوزير” أو أنهكها الظلام مثل “رع”..
مازال الإرث المصرى القديم مليئ بالذخائر والنفائس الفكرية والأدبية والدينية، التى تبين المكانة الفريدة التى لعبها الدين والعلاقة مع الخالق العظيم من منظور قدماء المصريين. ومازلنا فى إنتظار ما ستكشف عنه الأيام..