أدى تدهور الحالة الاقتصادية إلى مجاعة حلت بمصر قبل موت الملك “رمسيس الثالث” بحوالي عامين، فزادت أسعار الحبوب وخاصة القمح ونقص المعروض منه للشعب، وساءت أحوال الناس المعيشية، فقام عمال دير المدينة بالإضراب، وكثرت خطابات الشكوى والتذمر التي تم إرسالها للمسئولين.
فأرسل الكاتب “نفر-حتب” خطاب شكوى إلى الوزير ” تو” شارحًا له ما آلت إليه أحوال العمال من فقر، وقد كُتبت هذه الرسالة على أوستراكا تم حفظها بمتحف معهد الشرقيات بفرنسا برقم (16991)، وهي وثيقة توضح الموقف الاقتصادي الحرج الذي ساد مصر قبل موت الملك بحوالي عام ونصف أي في العام التاسع والعشرين من حكم الملك “رمسيس الثالث”.
إضراب عمال دير المدينة
ففي الحادي والعشرين من الشهر الثاني من فصل “آخت” العام التاسع والعشرين لحكم الملك “رمسيس الثالث”، تأخر سداد أجور العمال عشرون يومًا، وفي اليوم العاشر من الشهر الثاني (أمشير) في فصل “برت” (الشتاء) من نفس العام، تأخر سداد أجور عمال دير المدينة ثمانية عشر يومًا، فبدأ العمال في التمرد، فغادروا مقار عملهم في دير المدينة واقتحموا الأسوار الخمسة، واكتسحوا أبواب معبد مدينة هابو، وواصلوا سيرهم حتى منطقة الدير البحري، واعتصموا خلف معبد “تحتمس الثالث”، وعجز الكاتب “آمون نخت” ورؤساء المجموعات ومفتشو غرب طيبة عن إقناعهم بالرجوع، فقضوا النهار كاملاً وجزءًا من الليل في اعتصامهم.
وفي اليوم التالي تخطى العمال بوابة الحد الجنوبي؛ حيث المعبد الجنائزي للملك “رمسيس الثاني”، وتعالت صيحات الاحتجاج وبدأت تأخذ طابع العنف، فتحركت وحدات عسكرية من قوات الشرطة، وحراس البوابة، وحراس حصن المقبرة، و”بنتاؤر” كاتب المنطقة الخارجية محاولين السيطرة على التمرد، وتم رفع الأمر إلى “بتاح إم حب” حاكم طيبة، وكان يشغل منصب رئيس التسعير، فأحاطه العمال بمطالبهم، وطالبوا برفع الأمر إلى الفرعون.
مظاهرات عمال دير المدينة
ولم تتوقف مظاهرات عمال دير المدينة بل ازدادت، وبدأت تتسم بصبغة سياسية، فطالبوا بفرض عقوبات ضد الإدارة، وقالوا: «لقد وصل الشر إلى هذا المكان الذي يخص الفرعون»، وأوشك الأمر أن يتحول من مجرد إضراب إلى ثورة شاملة على فساد الحكم والإدارة بما يشبه الثورة الاجتماعية في نهاية الأسرة السادسة التي أدت إلى سقوط الدولة القديمة وعانت فيه البلاد من عصر سادته الفوضى وهو عصر الانتقال الأول (حوالي 2160-2025 ق.م)، فأعلن العمال أن ما يحدث سببه الفساد وليس فقط الجوع.
وفي اليوم السادس عشر من أمشير ثاني أشهر “برت” (الشتاء) العام التاسع والعشرين لحكم الملك “رمسيس الثالث” اندفع العمال في أنحاء جبانة طيبة يطلقون صيحات الثورة والتمرد، وفي المساء كانوا يجوبون طرقاتها وقد أمسكوا بمشاعل نارية.
وفي اليوم الخامس عشر، الشهر الثاني، فصل الصيف، السنة الثانية والثلاثون من حكم الملك “رمسيس الثالث” – في نفس التوقيت الذي نفذت فيه عملية الاغتيال – أرسل المتآمرون شخصًا منهم، نعتته النصوص باسم “با ان نشن” والذي يعني “الشخص المنتمي إلى الثورة”، فإلتقى بالعمال الثائرين ووزع عليهم مقررات غذائية رغبة منه في الحصول على تأييدهم، أو على الأقل لصرف انتباههم عما يحدث من تآمر ضد الفرعون.
وبعد مرور ثلاثة أيام أرسلوا شخصًا آخر أطلق عليه اسم “بآن بآخنتي” أي “الشخص المنتسب إلى الحريم” ليسلم العمال تعيينات إضافية، ويتضح من خلال هذا الاسم أنه كان على علاقته وظيفية بالحريم الملكي، وهو المكان الذي تم فيه التخطيط والتنفيذ للمؤامرة، كما ظهر اسم هذا الشخص على شقفة مؤرخة باليوم الثاني والعشرين الشهر الرابع من فصل الصيف السنة السادسة والعشرين من حكم الملك رمسيس الثالث؛ حيث ذكر أنه قام بالاتصال بالعمال وتسليمهم مقررات غذائية، مع أنه لا توجد أية علاقة بين هذا المسمى الوظيفي والعمال.
تدارك إضراب عمال دير المدينة
وقد دفع هذا الأمر “رمسيس الرابع” إلى تدارك هذا الإجراء من قبل المتواطئين خشية تصعيد المواجهة بينه وبين العمال الثائرين، فأرسل هو الآخر مزيدًا من التعيينات المتنوعة إلى العمال على مدار أربعة أيام متتالية، قبل إعلان وفاة أبيه بشكل رسمي في اليوم السادس عشر الشهر الثالث من فصل الصيف السنة الثانية والثلاثون من حكم الملك “رمسيس الثالث”.