فطر عيش الغراب عرفه المصرى القديم كنبات منذ آلاف السنين ويعتبر أيضا رائدا في معرفة هذا النبات واستخدامه له في الاكل وفى الطب كذلك. ولكن المصرى القديم لم يشرح لنا بطبيعة الحال أهميته ولكن يمكننا التوصل الى ذلك لأهمية عيش الغراب واستخدام المصرى القديم لهذا النبات وتصويره، وهذا ما وجدناه مصورا على احد جدران المقابر والتي يرجع تاريخها الى اكثر من ثلاثة الاف عاما من عمر التاريخ.
تسمية فطر عيش الغراب
وفى نصوص أخرى نجد المصرى القديم نفسه يطلق على هذا النبات اسم (غذاء الالهة) ويتضح من هذه التسمية الأهمية الكبرى لهذا النبات بدون اية تفكير على الاطلاق.
وهنا لى رأيا خاصا قد لا يكون موثقا وهو ان المصرى القديم قد عرف عيش الغراب عن طريق طائر الغراب نفسه. فمن المعروف قديما بان طائر الغراب من اقدم الطيور التي عرفتها البشرية وكان يعتبر احد الطيور صديقة الفلاح ومفيدة للفلاح في نفس الوقت حيث كان الغراب يتغذى على الافات والحشرات التي قد تضر بالزرع، شانه في ذلك شان طائر الهدهد وابو قردان.
إلا ان طائر الغراب يتميز بمستوى ذكاء مرتفع مقارنة مع الطيور الأخرى، ولكن الاغرب في ذلك كله ان هذا الطائر لا يخاف لا من النسر ولا من الصقر ومن المعروف من هو الصقر ورمزيته في الحضارة المصرية القديمة، بل ان طائر الغراب هو الطائر الوحيد الذى يمكنه الاقتراب من النسر والصقر بل ويطاردهم كذلك للحصول على طعامه. ومن الغريب أيضا بانه اذا حلق طائر الصقر حول فرخ الغراب فكان الابوين يطيران الى السماء ويبدأن في مطاردة الصقر حتى يختفى من المنطقة.
ولعل المصرى القديم تعجب من كل ذلك وفكر في كل ذلك وخاصة شجاعة طائر الغراب وانه من الطيور المحبب لها اكل نبات عيش الغراب ومن هنا اهتم المصرى القديم بهذا النبات.
حتى ان الطبيعة نفسها لم تنسى نبات عيش الغراب وهذا ما نجده من صخور جيرية على شكل نبات عيش الغراب موجودة فى الصحراء البيضاء بالواحات البحرية، وكان الطبيعة نفسها تشير الى أهمية نبات عيش الغراب.
فطر عيش الغراب في مصر القديمة
في احدى مقابر عصر الدولة القديمة نرى صورة فلاح مصري ومعه ابنه الصغير وهما يهتمان بزرعهما ولكن لاحظ ما يحمله الاب في سلة على ظهره وهذا بكل تأكيد نبات عيش الغراب.
منظر فطر عيش الغراب (المشروم) فى زراعة المصريين القدماء |
وهذه المقبرة تعود الى عصر الدولة القديمة وبالأخص في الاسرة الرابعة اى ما يقرب من 4400 عاما قبل الميلاد، ولذلك يعتبر المصرى القديم رائدا في معرفة نبات عش الغراب اى المشروم. ويلاحظ أيضا في النص كلمة (اونم بمعنى كل او أكل) وكذلك كلمة (حزيت اى الملك) ويمكننا ان نقول بالمعنى (اكل الملك) وطبعا القمح او الشعير لم يطلق عليهم المصرى القديم لفظة اكل الملك، فما كان نوع النبات المقصود من كلمة أكل الملك؟؟. ومما هو ظاهر في الصورة فيعنى بكل تأكيد نبات عش الغراب والذى وصف أيضا في نصوص أخرى باسم (غذاء الالهة).
ومما لا شك فيه أيضا بان ظهر نبات عش الغراب في جدران المعابد المصرية والتي أقيمت او تم تجديدها في العهد البطلمى بل اتخذت في مائدة القرابين كنوعا من الغذاء الهام للالهة والملوك بطبيعة الحال.
ومن المعروف جيدا لكل باحث بان المصرى القديم اطلق عليه اسم غذاء الالهة ثم في الحضارة اليونانية او البطلمية وفى مصر على وجه الخصوص تعرف اليونانيين على هذا النبات وعرفوا أهميته باحتكاكهم بالحضارة المصرية واتخذوه كغذاء للنبلاء والقادة لما به من أهمية غذائية كبرى ويعطى للإنسان القوة الجسمانية. ثم اتخذوه بعد ذلك كغذاء هام لجنودهم واثناء التدريبات حتى يعطيهم القوة والصلابة في الحروب والغزوات.
وفي الحضارة الرومانية اكتشفوه عند ظهروه بريا في الغابات وعن طريق اليونانيين عرفوا أهميته ولذلك استخدموه في المناسبات والاعياد وغذاء لكبار القوم أيضا.
وبعودتنا الى الحضارة المصرية القديمة وكما يعرف القاصى والدانى بان المصرى القديم قد تفاعل مع الطبيعة وكان يلاحظ الطبيعة ويدقق فيها كما يدقق في السماء واختلاف الليل والنهار. ولذلك لم يهتم الكثير من العلماء كيف اختار المصرى القديم مثلا شكل تاجه الأبيض او الأحمر او حتى التاج المزودج، وهى كلها أشياء لابد ان يكون المصرى القديم قد اتخذها من الطبيعة التي من حوله سواء كانت طبيعة نباتية او حيوانية. وهذا بكل تأكيد في اقدم تصوير للتيجان المصرية القديمة وخاصة التاج الأبيض وهل اتخذ من شكل نبات عش الغراب؟؟؟ وهذا سؤال مفتوح لعلماء المصريات وعلماء العلوم والنباتات بصفة عامة.
التاج الأبيض (حزيت)
التاج الأبيض يعود الى فترة ما قبل الأسرات وأنه كان تاج لحاكم مصر السفلى (الدلتا) قبل توحيد القطرين وهو يسمى (حزيت) اى الأبيض، وهل شكل هذا التاج له علاقة بنبات المشروم؟؟.
وهذا التاج اشبه بقلنسوة اسطوانية مصنوعة من الجلد مستطالة للأعلى تنتهى بشكل كروى فى الأعلى ومن أهم الدلائل على قدم التاج الأبيض هى لوحة الملك نعرمر (مؤسس الأسرة الأولى) الموجودة فى المتحف المصرى حاليا.
صورة الملك مينا او نعرمر موحد القطرين يلبس التاج الأبيض |
وكان يحتفل بهذا التاج قبل توحيد القطرين في شهر با-أونى (باؤونة) اى في شهر الحصاد وكما في تقسيم الشهور عند المصرى القديم وكما في الجدول الذى تم كتابته انفا وهو نفسه يوم تتويج الاله حورس.
وقد ذكر في كتاب الموتى من ضمن القاب الاله أوزير ووفقا لأسطورة تاسوع هليوبوليس ((اوزير أله العالم الأخر وسيد الأبدية والذى وجد منذ ملايين السنين والأبن الأكبر للألهه (نوت) وسيد التاج الأبيض)).
التاج الأحمر (دشرت)
وتزامن وجوده أيضا في عصر ما قبل الاسرات حيث انه كان رمزا لمصر العليا اى الجنوب ويعرف باسم التاج الأحمر، واقدم تصوير له أيضا على لوحة الملك نعرمر في الخلف من اللوحة.
صورة الملك مينا او نعرمر موحد القطرين يلبس التاج الأحمر |
وفى العصر البطلمى ظهر شكل جديد من تاج (الأتف) وهو مما لاشك فيه يأخذ بجانب الريشتان فطر عيش الغراب او المشروم حيث كان الاهتمام به كبيرا جدا في العصر البطلمى او العصر اليوناني في مصر وبلاد اليونان.
تاج الآتف |
ومما لاشك فيه أيضا لان المصرى القديم صنع او عمل لغته وابجديته من البيئة المحيطة حوله فنجد في الابجدية المصرية حروف نباتية وحيوانية بل وأدوات زراعية كذلك. ثم ان اللغة المصرية القديمة بها الكثير من الرموز والتي تتعدى 400 رمزا وبعضها مجهول حتى الان وخاصة ان المصرى القديم نفسه لم يشرح لنا هذه اللغة ولا حتى اسمها.
فكلمة (هيروغليفية) فهى مشتقة من اللغة اليونانية وتعنى اللغة المقدسة، اما اسم هذه اللغة في مصر قديما فلم يكتبها لنا المصرى القديم على الاطلاق ولا حتى القواعد النحوية لها، بخلاف التطور اللغوى من الدولة القديمة الى الدولة الوسطى (الهيراطيقية) والتي قلت فيها الرموز ثم الى الدولة الحديثة والعودة الى الرموز الكثيرة وبعضها لأول مرة في تاريخ الكتابة المصرية وما الى غير ذلك.
ثم اتى العصر البطلمى تحت عرش الملك بطليموس الاول (سوتر) ادخل الاغريق على هذه اللغة سبعة احرف لم يكن لها مثيل فى الاصل المصرى او الاغريقى وهذا ما نسميه اليوم (اللغة الديموطيقية) فى العصر البطلمى، وكل هذا ما جعل هذه اللغة حتى يومنا هذا مثار جدل واختلاف في الترجمات بين المدارس الاثرية المختلفة المهتمة بالحضارة المصرية القديمة.
ولذلك فمن الناحية النباتية فنجد هناك رموز مثار جدل حتى يومنا هذا، ولذلك نتسائل ما هذا النبات مثلا:
ففى هذا المنظر نجد علامة معروفة جدا وهى علامة (غنخ = الحياة) ولكن ما تمسك هذه العلامة في يدها؟ ولايمكن ان تكون مروحة لتهوية الملك على سبيل المثال، فهل كان المصرى القديم يقصد بها علامة عيش الغراب (المشروم) ويقصد بانه غذاء الحياة.
ولا ننسى بانه في الحضارة الصينية اطلق على هذا البنات لفظ (اكسير الحياة) فعلى علماء اللغة القديمة وعلماء العلوم والنباتات الاهتمام بهذا الامر، لان مثل هذه الرموز ظهرت في العصور المتأخرة المصرية وبطبيعة الحال في العصر البطلمى.
وهذا منظر اخر حيث ان علامة تعنى (واسط = القوة) والسؤال أيضا ماذا تمسك هذه العلامة في يدها فهل كان المقصود بان القوة نجدها في نبات عش الغراب؟؟ فكل ذلك امثلة غير مجاب عليها ويمكن نحتار في الإجابة عليها ولكن لا ننسى أولا وأخيرا بان المصرى القديم استخدم في لغته وكتاباته ورموزه العناصر النباتية والحيوانية طبقا للبيئة التي كانت تحيط بها فاستخدم هذه الرموز في كتباته.
ونتمنى في يوما من الأيام بان يظهر لنا علماء التخصص كل ذلك او ان تجود علينا باطن ارض مصر بمعلومات جديدة عن تاريخنا الزراعى العظيم بل تجود علينا باطن ارض مصر بكل ما هو جديد عن حضارتنا القديمة ليس في الزراعة فقط بل في كل المجالات والتخصصات العلمية التي ادهشت العالم قديما وحديثا لان الحضارة المصرية حقا وبدون تغالى هي حضارة فجر الضمير الانسانى مهما قال عنها الحاقدون.
الخلاصة
شكر خاص من كل قلبى لمشاركة علماء الفطريات المصريين لتاسيس يوم الفطر وإعلان عن تأسيس الجمعية العربية للحفاظ على الفطريات يوم العشرين من فبراير 2016، واعتباره يوما وطنيا للفطريات
ويكون يوما نحتفل به كل عام، لزيادة الوعى العام بأهمية الفطريات، ويأتى هذا مواكبا للاهتمام العالمى بهذه الأنواع الهامة فى النظم الحيوية وثيقة الصلة بالإنسان فى كافة مجالاته الحياتية، كما تندرج أهداف هذه المناسبة ضمن الأهداف العامة لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجى.
مع ارق التمنيات والتوفيق للجمعية العربية للحفاظ على الفطيرات وعلى رساها استاذنا العظيم الأستاذ الدكتور احمد عبد العظيم – أستاذ العلوم بجامعة قناة السويس.