قبل تناول البحث عن الزراعة في مصر ننوه بأنه قد تميزت الحضارة المصرية القديمة بطابعها الزراعى حيث قامت الحضارة حيث استقرار الإنسان المصرى القديم وزرع الأرض. وكانت الزراعة أساس رخاء البلاد وثروتها فقد أحسن المصرى القديم استغلال الأرض وموارد مصر الطبيعية لسد حاجاته.
وكان نهر النيل يعتبر من أهم العوامل الطبيعية التي ساعدت على قيام الحضارة المصرية وقد راقب المصريون القدماء نهر النيل وعرفوا كيف يستفيدون من مياهه عن طريق إقامة المقاييس، إقامة السدود، حفر الترع والقنوات واستخدموا الشادوف والمنجل والمحاريث التى تجرها الثيران. وبذلك يصبح المصرى القديم سباق للأمم كلها في الزراعة بل علم العالم القديم الزراعة وكان مما نسيه التاريخ حضارة البدارى الأولى والثانية في تاريخ مصر قبل عصر الاسرات.
مما لاشك فيه على الاطلاق بان المصرى القديم كان يؤمن بالتوحيد ووجود إله أعظم، وقد كانت الزراعة لها شأنها ولها من ذلك الإلهه العظيمة، فهم كانو يرعون شؤون الزراعة على أساس دينى وعقائدى ولذلك كانوا يتفنون في الزراعات المختلفة حبا فى تلك المعبودات المصرية ولذلك احبوا الزراعة بكل جد وإخلاص.
ولذلك كانت الزراعة تعتبر العمل المقدس عند المصرى القديم طوال تاريخه القديم المشرف وكان دائما يعمل على تطويرها واعتبرت من العلوم الهامة جدا عند المصرى القديم مما دفعه بالاهتمام بنظم الرى المتطور من عصر الى اخر، وكذلك مراقبة فيضان النيل وعمل مقاييس النيل في كل المعابد المصرية للاحتراس من الفيضان عند قدومه من اغراق الأرض وما الى غير ذلك.
وكذلك اهتم المصرى القديم بالحيوان صديق الانسان والذى يساعده في الزراعة وكان هناك اطباء بيطريين يقومون بذلك ويعتبر الطب البيطرى كذلك من فكر وانشاء المصرى القديم.
آلهه الزراعة في مصر القديمة
كان هناك آلهه مصرية قديمة للزراعة ومنها ما ارتبط بالزراعة على النحو التالي:
الاله اوزير
يعتبر الاله اوزير من اشهر المعبودات المصرية القديمة وخاصة انه احد افراد تاسوع هليوبليس، ولذلك ذكر في اقدم الاساطير التي كتبت عنه بانه هو الذى ادخل الزراعة في مصر واعتبر اله الزراعة والخضرة ثم بعد ذلك اله البعث والبعث المرتبط بفيضان النيل.
الالهه ايزيس
وهى زوجته الالهة اوزير وكانت رمزا للوفاء لزوجها ورمز الفلاحة المصرية والسحر والجمال.
الالهه سخت
واعتبرت الالهة سخت في العقيدة المصرية القديمة الهة الحقول واسمها مرسوم على رأسها، وهي تحمل مائدة قرابين عليها البيض والطيور وزهور اللوتس وأسفلها زهور اللوتس والسمك، واسم سخت يعنى الحقل (سخت = الحقل).
الاله نبرى
وكان يعتبر اله الحبوب او اله الحصاد وله أيضا رسومات ونراه متوجا بسنابل القمح ويحمل في يديه حزمتين من القمح، ويظهر نبرى في شكل رجل ممتلئ وصدره متتدلي لاسفل مرسوم علي جسده حبوب الغلال وهو يشبه الاله حابى الذى يقال عنه خطا بانه اله النيل.
وقد جاء تمثيل نبري في هذا الشكل علي قطع حجرية من الحجر الجيري والتي كانت يوما جزء من الطريق الصاعد للمجموعة الهرمية للملك ساحورع في ابو صير من الاسرة الخامسة.
الالهة رنوت
واعتبرت ربة الخصب الزراعى وسيدة الشون الشون والهه الكرم فنشاهد على جدران احدى مقابرالاقصر من الدولة الحديثة العمال يقطفون العنب ويقومون بعصره بينما القرابين موضوعة أمام تمثال الالهة الممثلة فى شكل حية.
وكانت تصور على شكل ثعبان او امرأة براس ثعبان واعتبرت كذلك اما الاله نبرى. واعتبرت كذلك الهة القدر ومن هنا جاء اسمها (رنوت او زننوت= القدر). وارتبط اسمها بالقدر والذى كان يكتب في المصرية القدية (شاى) هو يعنى القدر او المصير والذى اتخذ شكل آدمى وفى عصر متأخر اتخذ شكل ثعبان.
توت او تحوت
وهو الاله المصرى القديم تحوت اله العلم والحكمة والمعرفة وواضع التقويم أيضا.
بى تبدت
قيل عنه بانه اله الزراعة في مصر او الاله المختص بحماية الزراعة عند بداية الزراعة.
هاتور او اثور
وكانت تعتبر الهة الحب عن المصرى القديم ولكن لا توثيق مؤكد بذلك.
كا ها كا
فكان المسمى الحقيقى ما يعرف باسم العجل ابيس المقدس.
ولاهتمام المصرى القديم بالزراعة فانه كان يقيم لها عيدا هاما يحتفل به كل المصريين وهو عيد الحصاد.
عيد الحصاد او عيد نبرى
وظهر هذا العيد جليا في إقليم الفيوم عندما كانت عاصمة مصر في الدولة الوسطى وكان يقام فى اليوم الأول من فصل الصيف وكان البعض آنذاك يحتفل به كعيدا لميلاد الاله نبرى.
وكان من اهم الأعياد المصرية فكرا وعقيدة كذلك لان المصرى القديم اعتقد بان الاله (اوزوريس) اله الزراعة والبعث هو الذى علم المصريين القدماء زراعة الكروم وصنع النبيذ منها ونظرا لاهتمام المصريين القدماء بزراعته فى جميع أنحاء البلاد فكان يحتفل بقطف العنب وعصره وتقديم القرابين.
وكان عيد الحصاد من الأعياد الرسمية التي تحتفل بها كل مصر بل كان من اهم الأعياد لان عيدا يمزج بين الأعياد الدينية وبين الأعياد الوطنية والمحلية لانه في كل مكان كان المحصول يختلف من مقاطعة الى أخرى وهو الحصاد الكبير من خيرات ارض مصر وغذاء اهل مصر.
وهذا كله يدل باختصار شديد يدل على أهمية الزراعة في مصر القديمة وما اجمل ما قاله العالم و. ج. برى في كتابه (نمو الحضارة) عن الزراعة في مصر القديمة ((الزراعة كانت اهم نشاط في مصر القديمة ومن اجلها عمل المصرى القديم التقويم الزراعى وشق الترع وبنا السدود والقنوات وصنع الالات ولذلك كانت مصرالمكان الأول والاوحد في العالم التى اخترعت الزراعة وهى اول مكان يصدر الزراعة لمناطق العالم)).
شهور السنة وعلاقتها بـ الزراعة في مصر القديمة
ولذلك قسم المصرى القديم شهور السنة الى ثلاثة فصول من اجل الزراعة في مصر وهذه الفصول كانت لها أيضا مغزى عقائدى ومن ناحية المسمى كذلك وهذه الفصول الثلاثة هي:
تقويم مصري قديم عن شهور السنة وبداية السنة المصرية الجديدة من عصر الاسرة 26.
ومن المعروف بأن بداية السنة في التقويم المصرى القديم تبدا فىأول شهر توت الموافق 11 سبتمبر من كل سنة عادية، ويوافق 12 سبتمبر من كل سنة كبيسة.
فصل الفيضان (اخت) ومسمى الشهور بالمصرية القديمة وباللغة القبطية.
توت هو الأسم المصرى القديم والقبطى والتقويم الميلادى له هو 11 سبتمبر حتى 10 أكتوبر.
بى تبدت هو الأسم المصرى القديم وبابه هو الأسم القبطى له والتقويم الميلادى من 11 أكتوبر وحتى 10 نوفمبر.
هاتور: وهو الأسم المصرى القديم والقبطى والتقويم الميلادى من 11 نوفمبر حتى 9 ديسمبر.
كا ها كا: وهو الأسم المصرى القديم وكيهك هو الاسم القبطى له والتقويم الميلادى من 10 ديسمبر حتى 8 يناير.
فصل الزراعة (برت) وهو فصل خروج الزرع من الأرض ويقال عنه أيضا فصل الشتاء.
امسو أو خم هو الإسم المصرى القديم وطوبة هو الأسم القبطى له والتقويم الميلادى هو 9 يناير حتى 7 فبراير.
مير هو الإسم المصرى القديم وامشير هو الأسم القبطى له والتقويم الميلادى هو 8 فبراير حتى 9 مارس.
بامونت هو الإسم المصرى القديم وبرمهات هو الأسم القبطى له والتقويم الميلادى هو 10 مارس حتى 8 ابريل.
رنوده او رنو هو الإسم المصرى القديم وبرموده هو الأسم القبطى له والتقويم الميلادى هو 9 ابريل حتى 8 مايو.
خم: شكل من اشكال الاله امون رع.
امشير: يقال عنه اله الزوابع.
بامونت: يقال انه اله الحرارة.
رنوده: يقال عنه اله الرياح.
فصل الصيف (شمو) – وهو فصل الحصاد وفصل عيد الحصاد.
خنسو وهو الإسم المصرى القديم ويسمي بشنس باللغة القبطية وتقويمه الميلادى هو من 9 مايو حتى 7 يونيو.
با اونى وهو الإسم المصرى القديم ويسمى باؤونة باللغة القبطية وتقويمه الميلادى هو من 8 يونيو حتى 7 يوليو.
هوبا وهو الأسم المصرى القديم ويسمي ابيب باللغة القبطية وتقويمه الميلادى هو من 8 يوليو حتى 6 أغسطس.
ماسى وهو الإسم المصرى القديم ويسمي هوبا باللغة القبطية وتقويمه الميلادى هو من 7 أغسطس حتى 10 سبتمبر.
خنسو : اله القمر.
هوبا او هابى: فكان اله الفرح.
ومن المعلومات الهامة عن مصر القديمة وخاصة محصول القمح لاهميته الكبرى فكان بداية حصاده في شهر مايو (خنسو) من كل عام ولذلك كان يقام له عيدا وهو الى عرف بعيد الحصاد او عيد الزراعة بصفة عامة.
وأخيرا نقول بان المصرى القديم المحب للزراعة قد اهتم بها من ناحية أخرى لأغراض دينية بحتة وهذا ما نراه على جدران المعابد والمقابر بما يعرف باسم (مائدة القرابين) وما بها من أنواع مختلفة من الأطعمة والخضراوات والفواكه وأنواع أخرى من الطيور والسمك وخلافه.
ولا ننسى أيضا نبات الكتان والذى كان يصنع منه لفائف الموتى في التحنيط.
الزراعة في مصر القديمة
بلا جدال او تشكيك يعتبر المصرى القديم رائدا في علم الزراعة ولقد اثبت جميع العلماء المتخصصين بأن اول منطقة في الأرض عملت بالزراعة وبكل توثيق اثرى وعلمى هي منطقة البدارى او حضارة البدارى الزراعية والتي تعود الى ما قبل عصر الاسرات وتوحيد القطرين بما لا يقل عن ثلاثة او أربعة قرون.
حضارة البدارى
هى قرية على الضفة الشرقية لنهر النيل فى محافظة اسيوط. وحضارة البدارى الزراعية دليل مؤكد على وجود الزراعة فى عصر ما قبل الاسرات. ثم ظهر هذا جليا فى حضارة البدارى الثانية وظور غلات زراعية اجود من حضارة البدارى الأولى ثم من ناحية أخرى هناك توثيق مؤكد بان الفكر المصرى كان معتمدا على الزراعة في تلك العصور السحيقة في التاريخ البشرى لانه الزراعة في الفكر المصرى القديم لها علاقة بحياته وغذاءه على الأرض ولها أيضا علاقة برحتله الى العالم الاخر. ويتمثل لك في ثلاثة نقاط رئيسية هامة وهى:
كان اول ما تنبه له المصرى القديم هو بطبيعة الحال الفيضان واثره على الزراعة والمحصول.
اللغة المصرية القديمة وبها من حروف ورموز زراعية مثل الادوات زراعية والنباتات.
عقيدة البعث واثرها فى العمل وطبعا الزراعة كان اول عمل قبل الصناعة مثل زراعة الكتان في عملية التحنيط والدفن وكذلك ورق البردى والورود وكلها أشياء يحتاجها المصرى في رحتله الى العالم الاخر.
والدليل على ذلك وجد في حضارة البدارى القديمة على أدوات مختلفة مثل الأسهم والأدوات الزراعية والمحاصيل مثل القمح والعدس وكذلك بعض المحاريث من الخشب (سيكا = محراث).
تماثيل وأدوات وأواني حضارة البدارى من عصر ما قبل الأسرات في مصر |
وتتميز البداري بأنها من أقدم الحضارات في التاريخ، وهو ما تشير إليه آثار قرية الهمامية (محافظة أسيوط اليوم) تعتبر هذه الحضاره أول دليل على نمو الزراعة في مصر وشمال أفريقيا حوالي ٥٠٠٠ قبل الميلاد. وقد تم اكتشاف أكثر من ٤٠ موقع و٦٠٠ مدفن يدلون على تقدم التقسيم الاجتماعي بين طبقات كذلك.
وفى هذه الحضارة السحيقة القدم نجد بان المصرى القديم قد اهتم ببعض الزراعات الهامة والاساسية وقد تم عمل جدول لذلك ونجد منها ما يلى:
البيض (سوحيت)
هو رمز الخروح الى الحياة، لان الكتكوت مثلا يخرج الى الحياة من جماد وهى البيضة، ولذلك كان المصرى القديم عندما يقوم من النوم فى هذا اليوم كان ياكل البيض كرمز للميلاد او الخروج الى الحياة. ولكن تلوين البيض بالالوان وبالاخص باللون الاحمر فجاء فى العصر القبطى فقط وليس قبل ذلك بكل تاكيد وبتوثيق مدقق تاريخى لا شك فيه على الاطلاق.
البصل (حجو)
كان البصل يرمز للقيامة وكانوا يقوموا بتعليقه على الجدران فى المنازل وكما يفعل الكثيرين حتى الان. وكان من اشهر الاطعمة لزيادة القوة والفحولة ولقد ذكر كثيرا فى النصوص المصرية وكذلك فى نصوص الاهرامات، ولذلك كان المصرى القديم يقوم من النوم فى هذا اليوم وهو عيد شم النسيم ليبدأ بشم البصل لتتفتح رئته ويستنشق العبير الجديد لهذا اليوم العيدى الكبير.
الخص (عيب)
وكان يعتبر من النباتات المقدسة وكان المصرى ياكله بصفة عامة وكذلك بعد اكله سمك الفسيخ ليطرى على صدره وقلبه، كما ان الخص كان يعتبر مقويا للفحولة والقوة الجسدية ايضا.
ولقد ذكر الخص فى (بردية أبرس) اكثر من ثلاثة عشر مرة فى وصفات نافعة لتجنب الجنب وقتل الدود والنزلات الحادة وامراض الجهاز الهضمى والعصبى وقرحة المعدة. ولذلك وصى الاطباء المصريين القدماء بانه على المصرى بعد اكل الفسيخ ان يكثر من اكل الخص تجنبا لمثل هذه الامراض ولذلك كان المصرى يكثر من اكله فى هذا اليوم على وجه الخصوص.
زراعة الكتان وحصاده وهو يمثل القطن الان |
وأخيرا نقول بان المصرى القديم لم ينسى أيضا الزراعة في امثاله اليومية وما اكثرها من أمثال ميزت المصرى القديم أيضا عن غيره من أصحاب الحضارات القديمة، ومن الامثال التي قيلت عن الزراعة وتعود الى عصر الدولة القديمة ومازالت تقال حتى الان بين المزارعين مثل:
إزرع كل يوم تاكل كل يوم.
الزراعة امل ترويها بالعمل وثمارها كل خير.
من زرع حصد.
مقبرة من الاسرة السادسة من عهد الملك بيبى وفيها شهور السنة المصرية |
المحاصيل الزراعية في مصر القديمة
ان الزراعة في مصر القديمة كانت مقوماً أساسيا من مقومات الدولة وأرتبطت أرتباطاً وثيقاً بنهر النيل وكذلك بالعقيدة الدينية والفكرية ولذلك تنوعت زراعات المصرى القديم ووضح ذلك جليا في زراعات الدولة القديمة وظهور أنواع كثيرة من المحاصيل من الحبوب والنباتات والخضراوات التي اشتهرت بها مصر في هذه الفترة من الدولة القديمة مثل:
الفول، العدس، الذرة العويجة، الحلبة، الخيار، البصل والخس.
ومن الفواكه: التين، العنب، النبق، الجميز والبلح.
ومن المحاصيل الزيتية:- السمسم، الخروع.
اما عن زراعة الزيتون فهى بكل تأكيد موثق بدات من الاسرة الثامنة عشر اى في عصر الدولة الحديثة.
وذلك لا يمكن انى ننسى كانت بمصر آنذاك حدائق للزهور وهو يدل على ذوق المصرى القديم والذى احب باقات الزهور واكاليلها وهذا ما نراه من صور ملونة جميلة ومرسومة على ارضيات القصور.
الورود
زهرة اللوتس واهميتها في العقدية المصرية وزهرة الاقحوان او ذهبى الزهر وهو جنس نباتي ينتمي إلى من الفصيلة النجمية ويضم حوالى في عصرنا الحديث 30 نوعا عرف منها المصرى القديم العديد منها.
وكذلك ازهار الغلال الزرقاء وهى وردة زرقاء تشبه لون الامل وهو لون السماء الزرقاء الصافية واهتم بها المصرى القديم لانها كانت تمثل له الرفض الكامل لكلمة المستحيل واعتبرها أيضا رمزا للوفاء والخيال.
وعرف ورزع أيضا المصرى القديم النبات المعروف باسم (اللفاح) وكانوا يعتقدون أنه تعويذة أو دواء يثير في الشخص عاطفة الحب وكانوا يعتبرون ثماره رمزاً للحب.
وعرف المصرى القديم أيضا نباتات برية تنمو على ضفاف النيل وفى الصحراء مثل اعشاب الكرفس وكانوا يستخدمونه في طهى الطعام او في العطور، وعرف كذلك نباتات الزنية مثل اللبلاب والسوسن ونباتات الصباغة والنباتات الطبية مثل شجرة التربنتين.
وهذا ما اثار جدل كبير بين العلماء في عصرنا هذا وخاصة انهم قالوا بان مصر طوال تاريخها الطويل لم تعرف الأشجار وخاصة مثل هذا النوع من الأشجار؟؟ ولكنهم تناسوا احراش الدلتا القديمة وما بها من أشجار مصورة وموثقة ولم يتم التعرف عليها من علماء الزراعة والأشجار والنباتات.
ولقد اندهش العلماء عندما وجدوا بان المصرى القديم استخدم أشجار التربنتين واستخرجوا منه سائل عديم اللون او مائل للاصفرار وهو سائل شديد الاستعال وذو رائحة نفاذة ولقد استخدمه المصرى القديم في معالجة الحشرات والافات كمبيدات لقتل الجراثيم بل واستخدم أيضا في بعض العقاقير الطبية.
وأخيرا نذكر نبات البردى واهميته الكبرى في مصر قديما والذى استخدم في صناعة الورق وهو نبات طويل تمتد سيقانه إلى أعلى وهي ذات مقطع مثلث الشكل، وعرف هذا النبات باسم (فا فرعا او بابرعا) مما يدل على العظمة والاهمية. وكان من النباتات الهامة في دلتا النيل.
وفى العصر البطلمى هناك مواثيق تؤكد بان الازدهار الاقتصادى للاسكندرية آنذاك كان يعتمد على تجارة أوراق البردى والذى ظل يستخدم في الكتابة في مصر وغيرها من الأقطار حتى بداية القرن الخامس الميلادى.
ويقال بان مصر استخدمت الكتابة على ورق البردى منذ عام 3000 ق.م منذ بداية عصر الارسات ولكن للأسف الشديد هناك الالاف والالاف من هذه الأوراق تم تدميرها بدون قصد عن طريق الاكتشافات الفرنسية في القرن الثامن عشر مع بعثة نابليون بونابارت وغيرها.
ولاهمية الزراعة واهتمام المصرى القديم بالزراعة فلقد عرف المصرى القديم العديد من الزراعات الهامة قبل اية حضارة أخرى على الاطلاق لما اشتهرت بها الأراضى المصرية بتربتها النيلية ومناخها المعتدل معظم العام. وقد وجد العديد من النباتات واثارها الطبية فى البرديات الفرعونية والرسوم على جدران المعابد مما يدل على اهتمام مصر الفرعونية بزراعة النباتات واستخدامها فى علاج الامراض، ومن أشهر النباتات المصرية المؤكدة وبتوثيق كامل وهى:
نبات اليانسون
الموطن الاصلي لنبات اليانسون مصر حيث عثر علماء الاثار على ثمار اليانسون في مقابر الصحراء الشرقية لمدينة طيبة، كما ورد اليانسون في المخطوطات الفرعونية ضمن عدة وصفات علاجية. فاليانسون نبات مصرى قديم احتل مكاناً علاجياً هاماً عند الفراعنة ومازال يزرع بكثرة حتى اليوم في صعيد مصر.
لقد جاء مغلي بذور اليانسون في (بردية ايبرس) كشراب لعلاج ألام واضطرابات المعدة وعسر البول.
وجاء في (بردية هيرست) ان اليانسون طارد للارياح واستخدمه المصريون القدماء كمنبه عطري معرق منفث وضد انتفاخات الامعاء بطرد الغازات وكذلك ضمن غسيل للفم وعلاج لآلام اللثة والاسنان.
نبات الآسنبات الآس
هو عبارة عن شجيرات صغيرة دائمة الخضرة تنمو غالباً في الأماكن الرطبة والظليلة، وللنبات أفرع كثيرة تحمل أوراقاً متقاربة جلدية القوام ذات رائحة عطرية فواحة.
ولقد اطلق الفراعنة على نبات الآس اسم (خت آس وتعني ريحان القبور). حيث يعتبر من النباتات المصرية القديمة التي رسمت فروعه على جدران المقابر الفرعونية في أيدي الراقصات، كما عثر العلماء على فروع النبات في بعض المقابر الفرعونية بالفيوم وهواره.
وقد جاء نبات الآس ضمن العديد من الوصفات العلاجية في البرديات الفرعونية لعلاج الصرع والتهاب المثانة وتنظيم البول وإزالة آلام أسفل البطن على شكل جرعات عن طريق الفم.وكذلك كدهان لعلاج آلام أسفل الظهر وضد حمرة البطن والصداع والسعال ولزيادة نمو الشعر.
نبات العرقسوس
عرقسوس عبارة عن نبات شجري معمر ينبت في مصر والجزء المستخدم منها الجذور نبات العرقسوس. ولقد عرف القدماء المصريون والرومان والعرب هذا النبات وورد وصفه في كثير من المراجع القديمة، وأن منقوعه المخمر يفيد في حالات القيء والتهيج المعدي.
وهذا النبات له قيمة علاجية عالية لدى المصريين منذ قديم الأزل، وكان يطلق عليه (شفا وخمير يا عرقسوس) لما له من تأثير شافي للعديد من أمراض الجهاز الهضمى، فهو فعال جداً في علاج حالات قرحة المعدة.
وعرفت جذور نبتة العرقسوس المصريون القدماء وأعدوا العصير من جذوره،و قد وجدت جذور العرقسوس في قبر الملك توت عنخ أمون. فقد كان الأطباء المصريون القدماء يخلطونه بالأدوية المرة لأخفاء طعم مرارتها وكانوا يعالجون به أمراض الكبد و الأمعاء.
نبات الكمون
عرف المصريون القدماء الكمون الذى كان يزرع بكثره على ضفاف النيل وقد عرف الفراعنه خاصية الكمون في التحليل والترويق والتنظيف فكانوا يقدمونه كهدايا للمعابد
وجاء الكمون في البرديات القديمه في أكثر من 60وصفه علاجيه،وجاء الكمون في (بردية ابرس) لعلاج حالات الحمى والدودة الشريطية وعسر الهضم والمغص المعوي وطارد للأرياح. كما صنع المصريون من الكمون دهاناً مسكناً لألام المعده واوجاع الروماتزم والمفاصل ونزلات البرد ولشفاء الحروق وضد حالات الجرب واستخدموا الكمون أيضاً من الخارج لغيار القروح والجروح ذات الرائحة الكريهة وبخاخات موضعية لخراج الفتق والحروق.
نبات الشمر
وهو من النباتات المشهورة والمعروفة وهو نبات عشبى معمر وتتميز الأغصان بأوراق خيطية تتدلى إلى الأسفل، ولونها يميل إلى الزرقة.
لقد استخدم الفراعنة الشمر تحت اسم (شمارى) وعثر علماء الآثار على ثماره في مقابر بن حسن ودهشور، بينما ورد ذكره في بردية هاريس الطبية تحت اسم (شامارن) وقد ورد الشمر في بردية هيرست كمنبه عطرى للمعدة. اما في بردية ابريس الطبية فعلاج انتفاخ البطن وكثرة الغازات.
نبات الكركدية
نبات الكركديه شجيرى يصل ارتفاعه إلى حوالى مترين وسيقانه حمراء ويزرع فى مصر و بالتحديد فى جنوب مصر والجزء المستعمل هو السبلات التى تحيط بالزهرة وهذه تكون بدء تجفيفها إما حمراء داكنة أو فاتحة.
لقد عرف الفراعنة زراعة نبات الكركديه واستعملوا ازهارها ضمن بعض الوصفات العلاجية وبالاخص كشراب مسكن لآلام الرأس وكطارد للديدان.
نبات الشيكوريا
أن نبات الشيكوريا ذا فوائد طبية عديدة إلي جانب أنه غذاء ذات طعم مميز إن الشيكوريا من النباتات المصرية المعمرة يصل ارتفاعها إلي متر.
وهو من النباتات المرة تؤكل الأوراق أو تضاف الى السلطة اما الجذور فتؤكل مسلوقة. وكان المصرى القديم يشوى الجذور وتطحن وتشرب حيث أنها تعطي طعم القهوة التي نعرفها الان. وكان يعتبرها أيضا غذاء طارد للسموم ومخفض للسكر إلي جانب ذلك فإنها مدرة للصفراء كما إن المستخلص الناتج من الجذور والأوراق والزهور يستخدم في علاج الإمساك.
نبات بذر الكتان
يسمى الكتان باللغة الفرعونية (فك) وما زالت نقوشه موجودة على جدران آثار الكوم الأحمر وبنى حسن ودهشور.
وعثر العلماء على بذور الكتان في مقابر كاهون وعلى كمية كبيرة من البذور تقدر بحوالي ثمانية أرادب في مقبرة شيخ عبد القرنة في حفائر مدينة طيبة. وكان الفراعنة يستعملون ثمار الكتان في صناعة النسيج واستخرجوا من بذوره الزيت وادخلوه ضمن الوصفات الطبية.
وكذلك استخدموه فى مركبات الروائح العطرية والتدليك لعلاج بعض الامراض والاصابات وحضروا من مسحوق البذور لبخات. وقد ورد في بردية (ايبرس) لعلاج الجروح والقروح والاكزيما الرطبة وطرد الحرقة موضعيا وضد انسكاب الدم والصلع ومسكنا موضعيا لالتهابات الاصابع بينما ذكر في بردية (هيرست) ضمن وصفة لعلاج البواسير.
نبات الصبار
الصبر مجموعة تزيد على مائتي نبتة تتسم أوراقها بالسمك، والصبار نبات صحراوي.
استعمل الفراعنة عصير الصبار عن طريق الفم كمشروب لازالة الصفراء وكملين للامعاء الغليظة واستعملوه دهانا من الخارج لعلاج تقرحات العينين وفوق الجروح والحروق بغرض سرعة شفائها. ويقال ان كليو باترا كان سبب جمالها هو استعمالها لعصارة الصبر كدهون لبشرتها؟؟.
نبات البردقوش
وهو نبات عشبي عطرى معمر وموطنه الأصلى مصر ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، وقد استخدمه المصرى القديم في علاج انتفاخ البطن.
واستخدمه المصرى القديم أيضا كمضاد للالتهابات الصدرية واللوزتين والتهابات القصبة والربو ويعتبر هذا النبات من النباتات المطهرة حيث يحتوي على مركبات كثيرة بها هذا التأثير.
نبات السنا
الجزء المستخدم من نباتات السنا هي الوريقات المجففة وكذلك الثمار. ويعتبر السنا من النباتات القديمة جدا المستخدمة في زمن الفراعنة وكانت تسمى في ذلك باسم (جنجنت) وقد ورد ضمن عدة وصفات فرعونية لعلاج بعض الامراض في البرديات المصرية القديمة.
نبات السرو
تكثر زراعته في الاجواء المعتدله وخاصة في مصر في شبة جزيرة سيناء حول دير سانت كاترين ومنطقة الدلتا.
كان الفراعنة يستخدمون اوراق نبات السرو في عدة أغراض من اهمها وصفه فرعونية قديمة لصبغ الشعر وكانت تستخدم جذور النبات بعد سحقها وعجنها بالخل ثم توضع على شعر الرأس على شكل لبخه بغرض تقويته وصباغته.
ولقد عثر العلماء على بعض اخشاب هذا النبات من عهد الاسرة السادسة ومن عهد الاسرة الثانية عشرة في مصر القديمة. كما نقشت أشجار السروعلى الجدران الخارجية لمعبد رمسيس الثالث بالكرنك، حيث كان هذا النبات مقدساً. وما زالت اشجار السرو تنمو في مصر، ويطلق المسيحيون على هذا النوع من النبات (الشجرة الحزينة) رمزا للحزن وزينة للقبور.
زراعة أشجار الزيتون
ان زراعة الزيتون في مصر يثار حوله الجدل بين العلماء حتى يومنا هذا.
وكان اول من يشير الى ذلك هو الاثارى الانجليزى (نيوبرى) حيث قال وكتب بانه عصر على اسم شجرة اليزيتون في عهد الاسرة الثالثة اما اسم زيت الزيتون فلم يعثر عليه على الاطلاق، ولذلك قال بان زراعة الزيتون في مصر كان منذ ما قبل عصر الاسرات، ولكن هناك اخرين عارضوا هذا الراى بشدة.
وهناك علماء اخرين قالوا بان المصريين القدماء عرفوا زراعة الزيتون في عهد فتوحاتهم العظيمة في اسيا اى في عهد الدولة الحديثة وبالأخص الاسرة 18 والملك تحتمس الثالث. ولقد عثر في مقبرة توت عنح امون على فروع صغيرة من الزيتون.
وتؤكد البرديات القديمة والتي تعود الى عصر الدولة الحديثة وخاصة في الاسرة الثامنة عشر انهم استخدموا الزيوت في الكثير من نواحى الحياة ومنها زيت الزيتون. وكان زيت الزيتون مستعملا لاضاءة المعابد.
وكانت توضع أكاليل من أغصان شجر الزيتون على رؤوس المومياوات في الفترة ما بين القرن التاسع والسابع قبل الميلاد وبكثرة وان كان البعض يقولون بانه كان قبل ذلك وخاصة انه في مقبرة الملك توت عنخ امون وجدوا ما يعرف باسم (تاج العدل) موضوعا على راسه.
ولكن في مقابر الدولة الحديثة عثر على صور كثيرة لبعض المزراعين وهم يستخرجون زيت الزيتون عن طريق الاعتصار.
نظام الرى المستخدم في الزراعة في مصر منذ عصر الدولة القديمة
لى رأى خاص على عكس ما يقوله الكثيرين من الاثاريين بان المصرى القديم اعتمد على الفيضان لان هذا الفيضان له مخاطر كبرى على الزراعة والمحاصيل بل كانوا يحسبون الأيام والشهور في انتظار الفيضان لتجنب مخاطره المدمرة.
ولكن فى نفس هذا الوقت وبعد الحماية من مخاطر الفيضان على قدر المستطاع كانوا يستخرجون منه الطمى الأسود واستخدامه في أمور عدة. والدليل على ذلك بانه منذ عصر الدولة القديمة كانوا يقيسون منسوب الفيضان من أجل تحديد قيمة الضرائب التي تفرض على المزارعين، فلو كان الفيضان له ميزات كانوا فرضوا ضرائب موحدة على الجميع كما انه أيضا كان هناك الكثير من الفلاحين تم اعفائهم من الضرائب كاملا نتيجة اغراق الفيضان لارضهم الزراعية واتلاف المحاصيل.
ولذلك فكر المصرى القديم في النشاء العديد من المشروعات المستحدثة في الرى منها حفر القنوات والترع والسدود من أجل نقل مياه النيل وتوزيعها للري والشرب. وهذا ما يؤكد تقدم نظم الرى في مصر القديمة منذ عهد الاسرات الأولى وكذلك الإدارة في الأقاليم أو المقاطعات في هذا العصر وإن كانت لا تزال معلوماتنا عنها ناقصة، على أن تقسيم البلاد إلى مقاطعات في هذا العهد أمر مؤكد، ل ويرجع إلى أقدم عهود التاريخ وإلى عهد ما قبل التاريخ، ففى بلاد مثل مصر حيث تكون الزراعة أهم ثروة للبلاد.
وكذلك كان يقع على كاهل حاكم المقاطعة الإحصاء، وقد شوهدت هذه العملية لأول مرة في عهد ومنذ بداية الأسرة الثانية قد اتبعت هذه العملية بانتظام في كل عامين.
فمن المؤكد التاريخى الذى لا شك فيه بان المصريين القدماء حفروا الترع لتوجيه المياه إلى أماكن بعيدة عن ضفاف نهر النيل، واستخدموا الشادوف لرفع المياه من نهر النيل أو الترعة إلى الحقول الأعلى.
الشادوف
الشادوف هو عمود طويل يرتكز على محور مرتفع، ويستخدم لخفض ورفع دلو يمتلئ بالماء، من النهر أو الترعة، وقد صور هذا في مشاهد من مقبرة (إبي) في دير المدينة.
الشادوف |
وكانت المياه تنقل أيضا في جرار تحمل بواسطة نير يستقر على الكتفين، وقد صور هذا أيضا في مشاهد من الحياة اليومية. وحفر قدماء المصريين ترعة طويلة للري تعرف (ببحر يوسف) لجلب المياه للرى من نهر النيل إلى منخفض الفيوم.
شق القنوات وحفر الترع
هناك مؤكد تاريخى لا شك فيه على الاطلاق ان فكرة انشاء القنوات وحفر الترع تعود الى عصر الدولة القديمة وكذلك الأهم من كل ذلك هو ربط البحر الاحمر بنهر النيل وان كانت المواثيق التى لا شك فيها تعود الى عصر الدولة الوسطى فى هذا الشان لربط البحر الاحمر بنهر النيل.
اما عن شق القنوات فى التاريخ المصرى فتعود الى عصر الاسرة الاولى حيث وجد فى النصوص بانه كان هناك موظفا ياخذ لقب (عج مر او عز مر = الذى يشق القنوات) وكانت له صلاحيات واسعة وكبيرة حيث انه كان مخولا له استصلاح الاراضى وزراعتها وشق القنوات الى الاراضى التى لا يصل اليها الماء، وكانت تعتبر من اهم الوظائف الكبرى في الدولة القديمة.
اما فى عصر الاسرة السادسة فنجد من النصوص الكثيرة النشاط الملحوظ فى مشاريع حفر الترع وشق القنوات سواء للرى او لاغراض الملاحة النيلية وكما فى نصوص عهد الملكين بيبى الاول ومرى ان رع وخاصة فى منطقة الدلتا ومصر الوسطى وكذلك عند الشلال الاول عند اسوان.
العمليات الزراعية
كانت الزراعة في مصر القديمة تمر بعدة مراحل بعد أن تنسحب مياه الفيضان من الأرض إلى نهر النيل. ويمكن تلخيص عمليات الزراعة في مصر القديمة فيما يلي:
أولا: العزق والحرث: يقوم الفلاح بعزق الأرض بالفأس وحرثها بمحاريث تجرها الثيران.
ثانيا: بذر البذور: يقوم الفلاح ببذر البذور وإطلاق الأغنام لتغرسها بأرجلها في التربة.
ثالثا: الرى ونظمه ومقداره.
رابعا: الحصاد: ينتظر الفلاح حتى ينضج المحصول فيقوم بعملية الحصاد وجمعه في شباك أو وضعه في شكل حزم لنقله إلى الأجران لتدرسه الدواب.
خامسا: التخزين: يقوم الفلاح بعملية تذرية الحبوب وغربلتها وتسجيل مقدار المحصول وتخزينه في صوامع لحفظه.
تخزين المحاصيل وعدها والمشرف عليها (مر شنوت = مسئول التخزين او الشون) |
الفطريات وعلاقتها بـ الزراعة في مصر القديمة
قبل الخوض في هذا الموضوع الشائك وخاصة لدراسات الفطريات في عصرنا الحديث يجب علينا أولا ان نعرف ما معنى الفطر وخطورته او أهميته وخاصة بان هناك نوعا من الفطريات الهامة والتي اتخذها الاسنان غذاء هاما له وهو ما يعرف باسم (عش الغراب).
أ- ما معنى الفطر- Fungi:- الفطريات هي عبارة عن كائنات حية غير متحركة وهى كائنات غير ذاتية التغذية لذا فهي إما أن تعيش مترممة على البقايا الميته للكائنات الحية سواء نباتية أو حيوانية أو تعيش متطفلة على عوائل حية حيوانية أو نباتية وهى كائنات واسعة الانتشار وتتواجد بصفة عامة في جميع المناطق التي تتوافر بها الرطوبة والحرارة المناسبتين، فهي توجد فى التربة والهواء والمياه العذبة والمالحة.
والفطريات بصفة شائعة الوجود فلا تخلو منها بيئة وهى ارض خصبة لتكوين الجراثيم وكذلك فطريات خطرة تؤثر على الزراعة والمحاصيل (الافات الزراعية) وكذلك تبعا تبعاً لنوع المحصول المزروع على التربة.
والفطريات مسئولة عن العديد من الأمراض التي تصيب النباتات في الحقول وفي المخازن، كذلك تسبب تلف الأغذية المحفوظة والمنتجات الغنية بالمادة العضوية،ومن أشهر أنواع الفطريات الخمائر التي تلعب دوراً هاماً في عملية التخمر في العديد من الأوساط الغذائية.
وهنا ياتى السؤال التاريخى الهام وهو: هل عرف المصرى القديم هذه الفطريات وطرق معالجتها للحفاظ على المحصول؟؟. فالعلم الحديث تصول الى الالاف والالاف من الفطريات ويعمل جهدا لتجنب خطورتها سواء على البشر او على المحاصيل الزراعية والتي تهمنا في بحثنا هذا. ولكن هذا العلم المتقدم هل عرفه المصرى القديم؟؟.
وخاصة ان المصرى القديم وفى عهد ما قبل الاسرات او الدولة القديمة كان يجابه في الدلتا الاحراش وما بها أنواع بلا حصر من البكتريا والفطريات الخطرة سواء على صحة الانسان او على المحاصيل الزراعية. وخاصة تلك الفطريات التي تنمو داخل أو بين أنسجة النبات.
كما انه يجب علينا الا ننسى التحنيط نفسه وتشريح الجسد الانسانى وما به من فطريات ظاهرة او خفية او جاءت من الجو في عملية التحنيط وكيف مع كل هذه المخاطر حافظ المصرى القديم على الجثة طوال هذه الالاف من السنين بدون تعفن او تحلل على اقل تقدير؟؟.
فمثل هذه التساؤلات يصعب علينا الإجابة عنها وخاصة انها نادرة الذكر في كتابات ومواثيق المصرى القديم الا في بهض البرديات والتي تخص الطب وصناعة الدواء وما الى غير ذلك،اما عن النباتات وامراضها فلم يذكرها المصرى القديم نصا لان كل تخوفه بكل ما ليدنا الان هو خشيته من الفيضان واغراق الاراضى الزراعية وضياع المحاصيل.
ولكن من محاسن التاريخ المصرى القديم بانه ترك لنا العديد من البرديات الشهيرة والتي عكف على دراستها علماء العصر الحديث واثبتوا بما لايدع مجالا للشك بعبقرية المصرى القديم العلمية وبالرغم من انها صنفت ضمن الأوراق الطبية ولكن ظهر منها ما ثبت بان بعضا استخدم في علاج النبات وامراضه. وكان من اهم هذه البرديات التي تناسب موضوعنا هذا ما يلى:
بردية اللاهون او الكاهون
عثر على مخطوطة بردية الكاهون في اللاهون في عام 1889 واكتشفها عالم الآثار الإنجليزي (فليندرز بيتري) أثناء أعمال حفرياته في مدينة العمال (مدينة كاهون) بالقرب من مدينة اللاهون في واحة الفيوم. وقام الاثارى الانجليزى (فرانسيس جريفيث) بترجمتها إلى الإنجليزية وبنشر أجزاء منها. وتوجد تلك المخطوطات في متحف (بيتري للآثار المصرية ) التابع لجامعة لندن كوليدج في بريطانيا.
ويرجع تاريخ هذه البردية الى عام 1650 ق.م اى في عصر الدولة الوسطى وتحتوى على وصفات في طب: طب الإنسان والطب البيطري، ومعها طرق لعلاج الحيوانات.
وكان ذلك مفاجأة لعلماء الآثار المصرية القديمة، فقد اعتقدوا لمدة طويلة أن العون الطبى كان يخص حيوانات الضحية فقط التي كانت تذبح لتقديس أحد الآلهة. ولكن تلك الوصفة التي تحتويها بردية الطب البيطرى فكانت لمعالجة أحد الحيوانات التي سعى صاحبها في البحث عن علاج لها لدى طبيب.
والسؤال هنا: اذا كان المصرى القديم اهتم بالحويان بهذه الطريقة فما مدى مقدار اهتمامه بالإنسان والنبات والذى هو غذاءه الرئيسى في في الأرض وكذلك في اثناء رحلته الى العالم الاخر.
اما عن أحوال الأطباء البيطرين واهميتهم في المجتمع المصرى فلذلك أبحاث كثيرة موثقة في أبحاث أخرى.
بردية ابرس
ويعود تاريخ هذه البردية الى القرن 16 ق.م اى في عصر الدولة الحديثة. ولبردية ابرس أهمية كبرى علمية وتاريخية أيضا لانها تعتبر أكبر مخطوطة مصري قديم في الطب.
فهى تحتوي على 108 من الأعمدة المكتوبة على ملفوفة بردي طولها 19 متر، وتصف عددا كبيرا من الحالات المرضية التي تتفرع حاليا إلى عدة تخصصات في الطب مثل: طب النساء، الطب الباطنى، طب الأسنان طب العيون، طب الأمراض الجلدية وطب الطفيليات. وكذلك علاج القلب، والأوعية الدموية وقسم قصير عن الانهيار العصبى بل وصفات العقاقير العلاجية لكل هذه الامراض.
واذا ذكرنا كلمة (الطفيليات) ههنا فهذا هو نفسه فى علوم اليوم ما يعرف باسم الفطريات. ومن محاسن هذه البردية انها ذكرت بالتفصيل علاج الالتهابات وعلاج الأورام وجبر كسور العظام وعلاج الحروق كذلك.
وهذه البردية لا تدع مجالا للشك بان المصرى القديم اهتم بالفطريات وطرق علاجها وعلى علماء كليات العلوم والطب دراسة هذه الورقة لتخصصهم العلمى في هذا الفرع والشرح للناس أهمية وعظمة المصرى القديم.
والسؤال هنا بكل تأكيد هو: اذا كان المصرى القديم الطبيب عرف الفطيرات وطرق علاجها يبقى بكل تأكيد أيضا عرف فطريات النبات وطرق علاجها أيضا وها لاشك فيه على الاطلاق.
بردية ادوين سميث
وعثر عليها في الأقصر الاثارى الطبيب ادوين سميث في عام 1862 ويرجع تاريخ هذه البردية الى عصر الدولة الوسطى، وهى من اعظم الأوراق الطبية على الاطلاق.
وتسمى هذه البردية أيضا (كتاب الجروح) وهى تعتبر من أقدم الوثائق الطبية عن طرق العلاج للجروح. والبردية تشهد بتطور واسع في علم الطب لدى قدماء المصريين، وفيها قبل كل شيء علم التشريح.
وفى نهاية البردية يوجد جزء يعتبر قاموسا يشرح مصطلحات طبية وطرق علاجها وما ذكر في هذه البردية لا يعرف مثال لها في البرديات الأخرى الطبية ولذلك اعتبرت ذو أهمية خاصة.
ولبردية ادوين سميث أهمية أخرى من حيث انها تحتوى على 48 مشاهدة واقعية فى جراحة العظام، والجراحة العامة وكذلك عملية الختان.
بردية هيرست
عثر على هذه البردية فلاح مصرى من دير البلاص بمحافظة قنا فى عام 1901م، وسلمها (لجورج رايزنر) الذى يعتبرأحد أهم علماء الآثار فى العالم المتخصصين في التاريخ المصرى القديم. حيث كان وقتها مُشرفا على حفائر السيدة هرست فى هذه المنطقة، وتعود هذه البردية الى عهد الملك تحتمس الثالث أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
تحتوي هذه البردية على 260 وصفة بها 273 سطرا، وكانت مكتوبة بحيث يكون تركيب العلاج حسب الأعضاء، كذلك كانت مرتبة بحيث يكتب اسم المريض بالأحمر والوصفة بالأسود والمقادير بالأحمر.
وتحتوي بردية هيرست على وصفات علاج الإلتهابات الحادة ،وأمراض الأسنان و امراض الأمعاء وأمراض القلب، وكثير من تلك المحتويات يوجد في بردية إيبرس.
ومن مميزات بردية هيرست في الوصفة رقم 155 التى احتوت على مزيج من لبن شجرة الجميز الصمغى ومعه صمغ آخر بخصوص حالات سقوط الشعر عن طريق دهان الجلد بمزيج من محروق أصداف السلحفاة.ولتقوية الشعر أيضًا استخدموا زيت الخروع وزيت الزيتون وزيت الحناء وزيت اللبان وزيت اللوتس (البشنين) ولعلاج قشر الشعر استخدموا مسحوق الشعير والخلة وذلك بدهانه مع التدليك المستمر على فروة الشعر (بردية إيبرس الطبية- الوصفة رقم 712) كما استخدمتْ النساء فى صبغ شعورهنّ باللون الأحمر أو البنى عجينة الحناء. كما شغفتْ النساء المصريات بتلوين الشفايف والخدود باللون الأحمر، وظهر ذلك واضحًا على جدران المعابد ، وفى ذلك تأكيد على استعمالهنّ لمساحيق.
بردية برلين الطبية
وهى تعتبر اكبر واطول بردية طبية وتعود الى عصر الدولة الحديثة وخاصة عصر الاسرة 19. وقد عثر عليها الاثارى (بروكش) ولذلك يطلق عليها أيضا اسم بردية بروكش. وترجع أهمية هذه البردية الى شروحها المفصلة لعمل العقاقير الطبية، وأغلب هذه العقاقير الموجودة فى هذه البردية نباتية وحيوانية من النباتات المصرية وتحتوى على باب خاص بالروماتيزم.
ومن مميزات هذه البردية أيضا انها تحتوى على شرحا مطولا للقلب والأوعية الدموية فى جسم الإنسان وكذلك امراض الاوعية الدموية وما يعرف الان بمرض (فقر الدم). ومن عظمة هذه البردية انها تحتوى على 887 وصفة طبية لأنواع من الأمراض وأعراضها وعلاجها. وكل علماء العصر الحديث الذين درسوا هه البردية بكل دقة علمية لم يعثروا على خطأ طبى واحد فقط ولذلك تعتبر بردية برلين من اعظم الوثائق الطبية في الحضارة المصرية القديمة.
بردية ليدن
وهى من البرديات الهامة جدا قديما وحديثا بالرغم من كاتبها غير معروف حتى يومنا هذا، لان هذه البردية تختص بعلم الطب الوقائى ومنع انتشار العدوى. وتحتوى هذه البردية على العديد من قواعد الوقاية من الامراض ووقف تطورها ووسائل منع انتشار العدوى.
وهذه البردية فريدة من نوعها وتدل بكل تأكيد بان المصرى القديم كان دائما متطور الفكر وعرف الامراض واسبابها وعرف أيضا في خضم كل ذلك معنى الجراثيم والفطريات المسببة لتلك الامراض وطرق علاجها والوقاية منها.
وهى مكتوبة بالكتابة الهيراطيقية اى تعود الى عصر الدولة الوسطى ويقال بانها كتبت في الدولة الحديثة لان اللغة الهيراطيقية آنذاك كانت مستخدمة في العلوم فقط مثل الطب لاهميته سواء كتبت في هذا العهد او ذاك فهى دليل قاطع بان المصرى القديم اول من اخترع الطب الوقائى دون كل الحضارات الأخرى ودليل دامغ على نبوغه في دراسة الفطريات والجراثيم وما الى غير ذلك.
بردية لندن
وهى تعتبر من البرديات الهامة كذلك وتعود الى الأسرة الثامنة عشر اى الدولة الحديثة. وهي تختص بأمراض النساء، والأورام، واصابات الحريق والعمى، وبها 61 وصفة طبية وعلاجها.
وتميزت بردية لندن بانها ذكرت لأول مرة امراضا اسيوية لم تكن مصر قد عرفتها من قبل، وسميت باسم (الامراض الاسيوية) وطرق علاجها وكذلك استخدام السحر في علاجها.
وهذا يدل بلا ادنى شك بانه عندما قامت الإمبراطورية المصرية الكبيرة في عهد الملك تحتمس الثالث اى مايقرب من عام 1400 ق.م كانت المناطق الاسيوية مازالت لم تعرف الطب بصورة جدية مثل مصر، وهذا دليل صارخ تاريخى على تقدم الطب المصرى بل البحث في الامراض الجديدة وطرق علاجها وهذا دليل اخر على ان علم الطب في مصر القديمة كان دائما في تطور مستمر، وما اجمل ما قاله الكثير من العلماء الصادقين بان المصرى القديم كان اول فلاح في التاريخ وأول طبيب في التاريخ وأول صيدلى في التاريخ وأول طبيب بيطرى في التاريخ.
وهذه كانت اشهر الأوراق الطبية في الحضارة المصرية القديمة وكما سبق القول وان لم يكن هناك نصا صريحا في دراسة الفطريات والجراثيم الا انه للوصول الى علاج مثل هذه الامراض لابد بان يكون الطبيب المصرى من وراءه مراكز دراسية باحثة في نوعية الامراض سواء كان للإنسان او الحيوان او النبات.
ولم يقتصر الامر عند هذا الحد ولم يتوقف الفكر المصرى عن البحث بل هناك برديات موثقة تشير الى معرفة المصرى القديم بنوعية الجنين قبل ان يولد وكذلك استخدام سم الثعبان في صناعة العقاقير وخلافه.
بردية كارلسبرج
توجد هذه البردية بمعهد الآثار المصرية بالدنمارك، في جامعة كوبنهاجن، ويرجع إلى عصر الأسرتين التاسعة عشر والعشرون، حيث انها كتبت في عام 1200 ق.م.
وتحتوى البردية على وصفات لأمراض العيون، وأمراض النساء، واشارات وتوقعات عن الولادة بل الأهم والادهش هم معرفة نوع الجنين سواء كان ولدا او بنتا.
برديات بروكلين
وتعرف أيضا باسم برديات بروكلين وهي أوراق بردية طبية يعود أصلها إلى عهد الدولة المتأخرة في مصر القديمة ويعود تاريخا الى عام 450 ق.م.
ومن مميزات هذه البردية انها اعتبرت أقدم الكتابات المحفوظة حول الطب وعلم الافاعى. وكيفية استخراج سم الافاعى فى صناعة العقاقير.
ولكن من العجب التاريخى في عصرنا هذا فان إدارة متحف بروكلين للدراسات المصرية ترفض إعطاء اية فرصة لدراسة هذه البردية وكانها السر الأعظم في الدنيا مع ان علماء أمريكا انفسهم عكفوا على دراستها وصنعوا العقاقير الهامة من مصل الثعابين ولذلك اشتهرت أمريكا تجاريا بإنتاج هذا المصل دون الدول الكبرى الأخرى.