تعرضت مصر لهزة دينية قوية ساعدت على إغتيال الملك رمسيس الثالث ، فبعد الحروب الكثيرة التي خاضتها مصر في عهد “رمسيس الثالث” بدأت في الركون إلى الدعة والمسالمة، وفتحت أبوابها للمهاجرين الآريين وشعوب البحر الذين استعان بهم الملك في الجيش والوظائف الإدارية، وبدأ الكهنة المصريون يشعرون بالغضب، خاصة بعد أن بدأت تنتشر أسماء المعبودات الآسيوية مثل “بعل” و”عشتار” و”عنات” و”قادش” وغيرها.
ولم تأبَ بعض الأسر المصرية أن تنسب أسماء مواليدها إلى أرباب آسيوية، وبدأ بعض المصريين بتقديم القرابين ووقف الثروات لهذه الأرباب الأجنبية. فذكرت النصوص أن مهندسًا مصريًا ترك وقفًا ماليًا في “بيت شان” بفلسطين، واتجه بدعواته هو وابنه إلى “ميكال” إلهها المحلي، وترك كاتب مصري آخر في “أوجاريت” بشمال سوريا وقفًا، واتجه بدعواته إلى “بعل زفون” المعبود السوري العظيم.
كما كان لمعبد مدينة هابو قدسية خاصة، فهو المكان الذي يرقد فيه بسلام أسلاف الإله “آمون”، ولهذا كان عليه أن يزورهم مرة كل عام في احتفال مهيب يعرف باسم “عيد الوادي”، وكان يحتفل به في الشهر الثاني من شهور الصيف، فيأتي “آمون” إلى “الكرنك” في زورقه المقدس.
وابتداءً من الأسرة التاسعة عشرة (حوالي 2160-2025 ق.م) كان يصاحبه كل من الآلهة “موت” و”أمونت” و”خنسو” كل في قاربه المقدس، وذلك لزيارة مدينة الموتى، وقد كان هذا الاحتفال الكبير لعمال الجبانة بمختلف نوعياتهم، وذلك لما في هذا الاحتفال من طقوس دينية للآلهة، كما تقام فيه شعائر لإفادة الموتى من الملوك، والتي كانت تقام في هذه المعابد الجنائزية.
المؤامرة على إغتيال الملك رمسيس الثالث
وقد كان توقيت المؤامرة مع وصول سفينة “آمون” إلى البر الغربي في عيد الوادي بينما كان “رمسيس الثالث” يمتع نفسه مع حريمه الخاص بدلاً من الاشتراك في الاحتفالات الدينية الخاصة بهذه المناسبة الجليلة، وقد كان ذلك العمل من جانب “رمسيس الثالث” يعني أن هناك محاولة للتقليل من شأن “آمون”، مما يفسر اغتياله بسبب الغضب الديني الناتج عن الإساءة لقدسية هذا المعبود.
وعلى الرغم من أنه لم يثبت اشتراك أحد من كهنة “آمون” في المؤامرة، إلا أنه كان لديهم استياء شديد، كما أن هذه المؤامرة قد أعدت بحيث تتفق مع عيد “آمون” على الضفة الغربية، وهي المناسبة التي يجتمع فيها أنصار هذا المعبود، والذين يمكن أن يكونوا سندًا قويًا في الهجوم على الملك، كما أن الذين سيحضرون من الضفة الشرقية سوف لا يثيرون أي شك، ولن يستطيع أحد أن يعترض على هذا الشعور الديني الجارف.
من المحتمل أن كهنة “آمون” قد اشتركوا في المؤامرة – عن طريق غير مباشر – روحيًا وماديًا قاصدين من وراء ذلك قهر الملك، وهو الهدف الذي حققه “حريحور” بعد ذلك في نهاية الأسرة العشرين (حوالي 1186-1069 ق.م)، كما أن هناك ما يشير إلى توتر العلاقة بين البيت المالك وكهنة الإله “آمون”، وذلك بدليل أن كاهن “آمون” الأول لم يشهد نهاية حكم “رمسيس الثالث”، بل لم يشهد ذلك أحد من أصغر الرتب الكهنوتية، كما أن الهبات الكثيرة والتي خصصت للإله “آمون” في بردية “هاريس” الكبرى، وصلاة الملك لا تشير إلى تناسق كبير بينهما.