التيجان الملكية فى الحضارة المصرية القديمة قبل الحديث عنها يجب ان نعلم أن الإنسان مفطور على حب الجمال والتزين فى كل مراحل حضارته مستخدما ما أمكنه اقتناءوه لتحقيق هذا الحب الفطري وكان هذا حال المصري القديم منذ أن وطأت قدماه أرض بجوار النهر وعرف الاستقرار(1).
وقد جاء الحلي المصري القديم بمختلف أشكاله وتقنياته وتعبيراته الرمزية الزخرفية وطرزه الرائعة وأنماطه التشكيلية يجمع ما بين النواحي الجمالية والوظيفية والعقائدية التى توجز الفكر المصري وأسلوب الفنان المتميز وشخصيته المتفردة وروح الابتكار التى تغلف أعماله الخلاقة المبدعة تكسوها شاعرية عميقة مع مهارة فائقة فى التطبيق(2).
ولقد تجلت مهارة الصائغ المصري القديم ووصلت قمة مداها فى صياغة وصناعة التيجان الملكية، وهذا لما للملك من قدسية وسلطة ونفوذ وجاه يعود بالنفع بالمقام الأول على مدة دقة ومهارة صانع التاج الملكي ورمز الملكية المصرية.
وهذا ما عرف عن الفنان المصرى القديم .فهو من أوائل شعوب العالم القديم التى ارتادت هذا الفن الفريد – صناعة الحلى- يتجلى فى عناصر الإبهار ودقة الصناعة وجمال الذوق والتشكيل فهو يشبع فى النفس ما جُبل عليه الإنسان من حب للجمال ويعكس -برقة- طبيعة شخصيته صاحبه وبنيته ونظم حياته بل وطابع المعتقدات ورؤية خاصة للكون والوجود، وهو مظهر من مظاهر الذوق الفني وإحدى ظواهر تطوره ودراسة لعادات المجتمع وتقاليده والصلات بين أفراده ومفهوم الجمال عندهم وميولهم الروحية وإمكاناتهم المادية والاقتصادية والرقي الصناعي والنشاط التجاري ومثيل ذلك فى كل نواحي الحياة(3).
وتعتبر التيجان من الحلي الذى كان يتزين به الملوك والملكات والأمراء من الأسرة الملكية الحاكمة، ولكن اختلفت تيجان الملكات والأمراء عن تيجان الملوك.
فتيجان الملوك اعتبرت رمزا للسلطة ومكانة صاحبها الاجتماعية، فالتيجان بشتى أنواعها وإشكالها اعتبرت من الحلي الهامة بالنسبة للملوك ورمزا وشعارا للملكية والسلطان(4).
معنى التيجان الملكية
التاج هو عبارة عن غطاء للرأس ترتديه المعبودات والملوك، وقد أستخدم المصري القديم عدداً من المفردات الدالة على التيجان بوجه عام، هذا فضلا عن استخدامه لمفردات تدل على التاج بعينه(5).
نظرة المصري القديم إلى التيجان الملكية
وقد نظر المصريين للتيجان بما فيها من رمزية وقوة ، هذا فضلا عما كان للتيجان الإلهية من قوة سحرية تجعل منها تمائم تستخدم لتأثيرها السحري(6).
علاقة التيجان الملكية بالمعبودات
صورت المعبودات المصرية بالتيجان الملكية، خاصة التاج المزدوج، ويرجع ذلك لكون الملك على الأرض هو ممثل المعبود، وعلى ذلك فقد ارتبط بالتاج المزدوج وصور به المعبودات الرسمية أو المتصلة بالملكية الإلهية بشكل خاص، مثل رع، وآمون رع، أوزير ،آتوم، سوبك، وكذلك حورس وحربوقراط “حورس الطفل”، وحورس ادفو والمعبود نفر حتب وخونسو والربة موت(7).
أهمية التيجان الملكية فى النصوص الدينية
أعطت النصوص الدينية لنصوص الأهرام ومتون التوابيت أهمية خاصة للتيجان ودورها فى الطقوس، مثل وضع التيجان كتمائم على المومياوات والتوابيت، وقد ظهر ذلك كذلك ضمن الطقوس الدينية التى تُجرى فى المعابد، وقد كان لمكانة الملك وتأليهه فى مصر القديمة واعتباره أبناً للأرباب وممثلاً لهم على الأرض، وأن الملك بعد موته يصبح ربا، لذا فكان من المنطقي أن يصور الملوك أحيانا بتيجان الأرباب، خاصا الأرباب الذين ارتبطوا بالملكية وتوريث الحكم على الأرض، ونعني بذلك كلا من رع و أوزير وحور(8).
أهم التيجان الملكية فى مصر القديمة
هناك العديد من التيجان الملكية ومن أهمها ما يلى:
اول التيجان الملكية هو التاج الأبيض
يعتبر التاج الأبيض من الناحية التاريخية من أقدم التيجان التى عرفها المصريون القدماء فى إقليم الجنوب، وإن كان يتساوي معه التاج الأحمر فى إقليم الشمال، إذ لم تكشف الآثار عن وجود أشكال لتيجان أخري سابقة عنها، ومن ثم نستطيع القول أن التاج الأبيض بشكله المرسوم على النقوش الجدارية هو أول تاج فى تاريخ مصر عرفه أهل الجنوب(9).
سبب تسمية التاج الأبيض
لا يعرف علي وجه التحديد السبب وراء تسمية التاج الأبيض بهذا الاسم، ولكن ظهر فى النقوش الجدارية مرتين فى تعبير واحد:
الأول: فى متون الأهرام
الثاني: فى نشيد ديني بالكرنك
وهذا التعبير معناه الأبيض القوي hdt-wrrt فكلمة hdt معناها البيضاء أي نخبت آلهة الكاب والكب المراد بها هنا إله الموتى التى كانت تعرف باسم بيضاء الكاب، وكلمة wrrt معناها العظيم أو القوي وقد اشتقت من كلمة wr أي عظيم حسبما ورد فى تراتيل آمون رع: “تاج وررت سيكون عظيما على رأسه”(10).
منشأ التاج الأبيض
يعود منشأ التاج الأبيض إلى مدينة “نخن” بالوجه القبلى حيث ظهر من النقوش الجدارية بمعبد فيلة منظر للمعبودة “نخبت” تتوج به واحدا من الملوك فى عصر ما قبل الأسرات ويقول فيه: “أنا اتوج رأسك بالتاج الأبيض الذي من نخن وبه سوف نفتح مقاطعات الجنوب”(11).
شكل التاج الأبيض
عبارة عن غطاء للرأس بقاعدة متعرجة ترتفع بميل داخل للخلف إلى أن تنتهي ببروز علوي على شكل كره أو رومانه، وفى الفن المصري القديم فأن الكره ترمز للصفاء والطمأنينة الميسورة فى إثبات الوجود، وقد صنع هذا التاج فى بداية الأمر من البوص ثم اللباد أو القماش والكتان والمعروف فى الفن المصري القديم برمز الطهارة، وقد وضعته المعبودة نخبت على رأسها كرمز للعظمة والإلوهية كما أنها قد توجت به حكام مصر العليا فى عصر ما قبل الأسرات قبل توحيد قطري مصر(12).
ويمثل اللون الأبيض الطهارة وبالتالي النقاء الديني والقداسة، ولذا كان الكهنة يرتدون أغلب ملابسهم من هذا اللون(13).
ثانى التيجان الملكية هو التاج الأحمر
هو التاج الرسمي لحاكم مصر فى إقليم مصر السفلى أو الدلتا وأحراشها.
شكل التاج الأحمر
إن الهيئة الأخاذة والملحوظة للتاج الأحمر تكشف كيف كان وضع التاج الحمر ومما يتكون، ويرى “مورت” فى التاج الأحمر نمط العمامة تماما مثلما هو بالنسبة لتاج مصر العليا وأنه قد صنع فى أول الأمر من اللباد كما هو الحال فى التاج الأبيض(14).
كان التاج فى أول المر مدبب من أعلى وله انحراف “انحناء” إلى الأمام ومؤخرا فإن هذه الهيئة أصبحت نمطية وأن الجزء المدبب أصبح أطول وممتد إلى أعلى، حيث أن الانحناء أو الانحراف للأمام قد أضعف الهيئة المربعة للتاج(15).
رمزية اللون فى التاج الأحمر
كان الفنان المصري القديم قد اكتشف جمالية الخط الانسيابي المتصل والمحيطي والتلوين الصافى الصريح(16).
حيث يظهر هذا الصفاء فى اللون الأحمر لهذا التاج وهو اللون الذي يرتبط بالنار والدم، كذلك يرمز اللون الأحمر إلى الحياة وعودة البعث، وقد يرمز أيضا للقوي التى لا يمكن السيطرة عليها.
وإن تكرار شكل الكوبرا بنفس الحجم والهيئة بالإضافة إلى الكوبرا الأصلية فى مقدمة التاج يؤكد على الهيبة(17).
ثالث التيجان الملكية هو التاج المزدوج
يتميز التاج المزدوج بانه يجمع بين التاج البيض الخاص بمصر العليا وبين التاج الأحمر الخاص بمصر السفلي، وهذا يعنى انه تاج مركب، ولذا فإن هذا التاج يدخل ضمن التيجان المركبة التى تتكون الواحد منها من أجزاء متعددة مأخوذة من غيرها من التيجان السابقة عنها(18).
الاسم الحقيقى للتاج المزدوج
لم يستدل علماء المصريات على الاسم الحقيقي لهذا التاج باللغة المصرية القديمة، إلا انه قد وجد رسم بأحدي النقوش الجدارية الموجودة فى “فيلة” حفر أمامه عدة كلمات هيروغليفية يرجح أنها تشير إليه(19).
تقديس التاج المزدوج
قُدس التاج المزدوج فى مصر القديمة ، ومما يدل على هذا ، وجود أناشيد التاج المزدوج، وارتداء المعبودات له، ووجود أمناء وكهنة للتاج المزدوج، فقد أورد أدولف إرمان وفرانسو دوماس وغيرهم عدة أناشيد خاصة بالتاج المزدوج، نستطيع أن نشف منها اقتران التاج المزدوج بعين حورس المقدسة.
كما يتضح منها علاقة التاج المزدوج بكل من المعبود سوبك وحورس، ويبدو أن هذه الأناشيد قد تليت للتاج المزدوج باعتباره تجسيدا للأرباب التى ترتبط به. ويرجع ظهور تمائم للتاج المزدوج إلى أواخر الدولة القديمة وبالتحديد الأسرة السادسة(20).
شكل التاج المزدوج
يتكون من جزأين متداخلين:
الجزء الأول: مأخوذ عن التاج الأبيض ويظهر فيه القاعدة الدائرية ذات الأطراف السفلية المتعرجة التى يضيق قطرها كلما اتجهت إلى أعلى فتنتهي ببروز على هيئة رمانة.
الجزء الثاني: مأخوذ من التاج الأحمر ويشكل واجهتين الواجهة الأولي أمامية يظهر فيها جزء من القاعدة المخروطية المنظر عند نقطة يخرج منها سلك منحنى لأعلي ينتهي بثلاث لفات شبه مستديرة يصغر محيط كل منها عن السابقة لها، أما الواجهة الثانية خلفية تظهر فيها الحافة المدببة لأعلى التي تبدو وكأنها مسند خلفي للجزء الأول(21).
ولقد استطاع الفنان المصرى من خلال جمعه فى هذا التاج بين مفهوم العضوي الهندسي أن يحقق الصيغة الموحدة الخاصة بأسلوبه الفني والتى جمع فيها بين فيض الحساسية المتعاطفة مع الحياة والبيئة الطبيعية من ناحية، ومع الطابع الهندسي من ناحية آخري(22).
رابع التيجان الملكية هو تاج الآتف
هو تاج أرتبط فى الأصل بالمعبود أوزير، ويستدل علي هذا التاج منذ الفترة المبكرة للدولة القديمة وحتى نهاية التاريخ المصري.
بداية ظهور تاج الآتف
ربما تعود نشأة تاج الآتف إلى عصر ما قبل الأسرات، إلا أنه بداية ظهوره على الآثار لم تثبت قبل الأسرة الرابعة، حيث ظهر على رأس صقر يعلو الاسم الحورى للملك سنفرو، وذلك على محفة زوجته الملكة حتب حرس، الموجودة بالمتحف المصري، أما بداية ظهور تاج الأتف على الآثار الملكية فتعود إلي الأسرة الخامسة وبالتحديد فترة حكم الملك “ساحو-رع” وظهر الاسم “آتف” لأول مرة فى نصوص التوابيت فى عصر الدولة الوسطى(23).
شكل تاج الآتف
يتكون من التاج الأبيض الخاص بمصر العليا والذي يعرف بتاج البوص يحيطه من الجانبين تاج الريشة الخاص بمصر السفلى والمكون من ريشتين متماثلين لطائر الإوز هذا الطائر الذي عرف في العقيدة المصرية القديمة انه شارك فى مجئ عالم الشمس لذلك عرف بأنه طائر شمسي ووجود ريشتين كبيرتين من إوزه على رأس معبود مصري يتيح مساواته بآمون معبود الشمس(24).
وعلى هذا فهو يضمن رموز من مصر العليا والسفلى ولهذا كان يعامل كالتاج المزدوج وفى الدولة الوسطي كان هذا التاج يصور بنفس الشكل الذي يصور به في الدولة القديمة، ولم يتغير فى عصر الدولة الحديثة، اللهم من بعض التجديدات مثل وضع قرص الشمس بين قرني البقرة، ومن أهم التجديدات أيضا استبدال تاج البوص بتاج مصر العليا الذي ثبت على جانبيه الريشتين(25).
علاقة تاج الآتف بالتاج المزدوج
تاج الآتف يماثل أو يوازي التاج المزدوج فى أن كليهما يدلان على السيادة والسلطة والسيطرة على كلا الأرضيين ،فالتاج المزدوج يدل على الملكية الدنيوية بينما تاج الآتف يمثل الملكية الأخروية الخاصة بمملكة الموتى(26).
خامس التيجان الملكية هو التاج الأزرق
يعتبر التاج الأزرق كغطاء للرأس عرفه قدماء المصريون واحدا من الموضوعات التى أثارت الكثير من الجدل والنقاش بين علماء المصريات سواء فيما يتعلق بنشأته أو تطور أشكاله، فقد عرف الاسم القديم لهذا التاج فى عصر الدولة الحديثة(27).
نشأة التاج الأزرق
بالرغم من ان اسم التاج الأزرق عرف فى عصر الدولة الحديثة. وبالرغم من استقرار الرأي علي ذلك تاريخيا، إلا أن البعض من علماء المصريات قد أوضح دلائل ومؤشرات مفادها أن نشأة هذا التاج ترجع إلى عصر الانتقال الثاني، فقد عثر على نقش جداري على أحد أعمدة الكرنك يصف الملك نفرحتب الثالث بانه نال الشرف الأعظم عندما توج بالتاج الأزرق، إذ ظهرت عبارة منقوشة بشكل واضح يكاد يكون مماثلا لنفس الكلمة الهيروغليفية الدالة على التاج الأزرق(28).
شكل التاج الأزرق
التاج الأزرق عبارة عن غطاء للرأس غير منتظم تتراوح نسبته من مؤخرة الرأس إلى القمة فيما بين 3:1 تقريبا تمتاز الخطوط الممثلة لقمة الجبهة الأمامية منه بسمة العضوية والانسيابية، أما الخط الخلفي فيميل إلى الحدة، فى حين امتاز الخط السفلي بأفقية الحدث على معاني السكون والتوازن والاستقرار للتاج فوق الرأس(29).